الخوف من التكنولوجيا
محمد زهران
آخر تحديث:
السبت 10 ديسمبر 2022 - 8:55 م
بتوقيت القاهرة
سنة 1939 وفى بدايات الحرب العالمية الثانية انتشر فى العالم خبر أن العالمين الألمانيين اوتو أوهان وفريتز ستراسمان (وآخرين) اكتشفوا الانشطار النووى وأصبحت هناك مخاوف من وصول ألمانيا إلى تطوير القنبلة النووية. هناك الكثير من التفاصيل لكن القصة انتهت بإرسال خطاب موقع من أينشتاين وليو سيلارد للرئيس الأمريكى روزفلت عن مخاطر الطاقة النووية ومحاسنها والتحذير من وصول الألمان للقنبلة النووية، كان هذا إيذانا ببدء مشروع مانهاتن (الذى كان فى نيو مكسيكو وليس مدينة مانهاتن كما قد يفهم من الاسم) وتطوير القنبلة النووية وما حدث بعد ذلك هو تاريخ نعرفه كلنا. هذه القصة تصور ما يمكن أن يفعله الخوف من التكنولوجيا من تغيير للأحداث التاريخية، فى هذا المقال سنتحدث عن الخوف من التكنولوجيا وأسبابه وما يمكن أن نفعله حيال ذلك.
ما هى أسباب الخوف من التكنولوجيا؟ السبب الأول أن الإنسان عدو ما يجهل، لذلك كل ما هو جديد يجعل الانسان مترددا إذا لم يكن خائفا، ذلك التردد أو الخوف يقل كلما رأى الشخص تلك التكنولوجيا تنتشر ويستخدمها الناس بدون أخطار.
السبب الثانى هو الخوف من فقدان العمل، عندما بدأت تطبيقات الذكاء الاصطناعى تغزو الكثير من مجالات الحياة فى العقد الحالى بدأ الكثيرون يخافون على أعمالهم ومستقبلهم، ومن ثم بدأوا يحاربون تلك التكنولوجيا الجديدة ويسفهون منها. تكلمنا فى مقالات سابقة عن الذكاء الاصطناعى وسوق العمل فلن نكرر ما قلناه سابقا، لكن التوعية والتعليم والتدريب المستمر سيساعد الخائفين على أعمالهم من التعايش مع التكنولوجيا الجديدة والإفادة منها.
السبب الثالث هو الخوف من عدم القدرة على التعامل مع التكنولوجيا الجديدة ونجد ذلك أكثر فى الأجيال الكبيرة نسبيا فى السن، ستجدهم لا يثقون فى أى تكنولوجيا جديدة بسهولة ويستلزم الأمر بعض الوقت للتأقلم، كما أن الموظف فى مؤسسة أو شركة قد يخاف ألا يتقن التكنولوجيا الجديدة التى يتطلبها عمله وبالتالى يصبح منصبه فى خطر.
السبب الرابع هو الخوف من التأثير المدمر للتكنولوجيا وهذا يشبه ما رأيناه من الخطاب الموجه للرئيس روزفلت، ونرى ذلك أيضا من خوف بعض المشاهير مثل إيلون ماسك من الذكاء الاصطناعى وخوف البعض من تحكم الآلات الذكية فى هذا العالم واستعباد الجنس البشرى، هذا طبعا يحدث فى روايات وأفلام الخيال العلمى فقط، لأنه كى يحدث استعباد واحتلال لابد أن تشعر الآلات بجنون العظمة وهذا ما لن يحدث قط أو على الأقل هذا ما أؤمن به. الحوادث التى نسمع عنها هنا وهناك من أن جهاز روبوت كسر إصبع طفل كان يلاعبه الشطرنج أو أن برنامج محادثة أظهر ما يمكن أن يشبه المشاعر فإن كل تلك الحوادث ما هى إلا إما خطأ غير مقصود أو تطور فى البرنامج من حيث تركيب الكلمات لكن لا توجد مشاعر من أى نوع.
نحن هنا نتكلم عن الأسباب المتعلقة بالعمل أو الحياة اليومية ولن نتعرض لما يسمى التكنوفوبيا (technophbia) وهو خوف مرضى لكل ما يتعلق بالتكنولوجيا.
هل الخوف مبرر؟ فى بعض الأحيان يكون مبررا وفى أحيان أخرى يكون الخوف نتيجة الجهل أو المعلومات المغلوطة، لكن الخوف لا يجب أن يكون سببا للابتعاد عن ركب التقدم وتحاشى كل ما هو جديد، يجب دراسة الأمر من كل جوانبه وموازنة الفوائد والأضرار، وهذه الأضرار قد تكون أضرارا فى التكنولوجيا نفسها (دواء جديد له آثار جانبية مثلا) أو فى استخدامها للإضرار بالآخرين (أسلحة جديدة مدمرة مثلا).
ماذا نفعل حيال ذلك كله فى مصر، أعتقد عندما نبدأ إدخال تكنولوجيا جديدة إلى حياة الناس مثل الذكاء الاصطناعى أو التكنولوجيات المعتمدة على الرقمنة وعصر المعلومات الكبيرة وانترنت الأشياء وما شابه فإنه ينبغى توعية الناس عن فائدة كل تكنولوجيا منها على حياتهم وانعدام الضرر منها أو أن الفائدة أكثر بكثير من الضرر. يجب أن يحدث ذلك بطرق عدة وعلى عدة مستويات، بطرق عدة مثل أفلام قصيرة (عدة دقائق) تشرح التكنولوجيا الجديدة بطريقة مبسطة، ومثل محاضرات وندوات فى النوادى والشركات إلخ، وعلى عدة مستويات لأن مخاطبة رجل الشارع عن الذكاء الاصطناعى تختلف عن مخاطبة المتخصص فى مجال قريب من التكنولوجيا، وشرح أهمية الذكاء الاصطناعى للمحامى مثلا تختلف عن شرح أهميتها للمزارع أو المدرس.
التكنولوجيا تغزو حياتنا وتغلغلها فى كل مناحى الحياة لا مناص منه، فلنجعل الناس تستعد لكل تكنولوجيا جديدة بصدر رحب.