نزيه خليفة والبارون إمبان
عماد الدين حسين
آخر تحديث:
السبت 11 يناير 2020 - 9:25 م
بتوقيت القاهرة
ما هى القاعدة التى تجعلنا نسمى شارعا باسم معين، أو نغيره إلى اسم آخر، وهل هذه المسألة عشوائية، وتخضع لمزاج مسئول معين فى هذا الحى أو تلك المحافظة، أم يفترض أن يتم ذلك فى إطار قواعد عامة معروفة للجميع، ويشارك فيها المجتمع؟!
أطرح السؤال السابق، بعد أن قرأت قبل أيام خبرا يقول: «إن محافظ القاهرة اللواء خالد عبدالعال صدّق خلال انعقاد المجلس التنفيذى للمحافظة على تغيير اسم شارع نزيه خليفة إلى شارع البارون إمبان، وهو مطلب أعضاء مجلس النواب عن مصر الجديدة وسكان المنطقة، لأن إمبان يعتبر مؤسس مصر الجديدة، وأيضا لقرب افتتاح قصر البارون إمبان الجارى ترميمه، بالتعاون بين محافظة القاهرة، ووزارة الآثار».
لا أعرف ما هو السر الذى دفع أعضاء المجلس التنفيذى لاتخاذ هذا القرار، ولا أعرف ما هو سر تحمس أعضاء مجلس النواب عن دائرة مصر الجديدة لتغيير الاسم، أما الأكثر دهشة فهو أن الخبر يقول إن التغيير بناء على رغبة أبناء المنطقة!
هل قام المجلس التنفيذى لمحافظة القاهرة، بتنظيم استفتاء شعبى على الطريقة السويسرية لتغيير اسم الشارع، أو حتى نظّم استفتاءً عشوائيا على موقعه على الإنترنت، والأهم هل يعرف من اتخذوا هذا القرار أو حتى سكان المنطقة حكاية الاسم القديم للشارع الذى تم تغييره؟!!
طبقا لما سمعته وقرأته فى أماكن كثيرة ومنها موقع فيتو يوم ١٥ نوفمبر الماضى، فإن الاسم الكامل لنزيه خليفة هو عبدالعزيز خليفة محمد وشهرته نزيه، ولد فى حى شبرا عام ١٩٢٥، وكان والده مهندسا زراعيا، توفى بينما كان ابنه لا يزال صغيرا. نزيه هو الأخ الأصغر لأربعة أبناء، تخرج فى الكلية الحربية، والتحق بسلاح الطيران.
شقيقه الأكبر جمال كان بطلا أوليمبيا، حيث شارك فى أوليمبياد لندن عام ١٩٤٨ كحارس مرمى المنتخب المصرى لكرة الماء. هو كان أيضا ضابطا فى الحرس الملكى، وخلافا للمعتاد، فقد طلب أن ينتقل من هذا المكان المريح جدا، ليتطوع فى حرب فلسطين ١٩٤٨، واستشهد فى هذه الحرب.
نزيه كان لاعبا فى المنتخب المصرى لكرة الماء وشارك فى أوليمبياد 1960. كان رائد طيار أيضا وشارك فى حرب 1948، ثم حرب ١٩٥٦، وكان له دور بطولى فيها، خصوصا فى تصديه وزملائه لقوات العدوان الثلاثى فى مطار الجميل ببورسعيد.
بعد الحرب سافر مع مجموعة من الطيارين إلى روسيا للتدريب على الطائرة الميج ١٩. وبعد مجهود كبير فى أحد التدريبات، طلب منه الطلوع مرة أخرى، فسقط بطائرته ونال الشهادة فى ١٤ نوفمبر ١٩٦١، وعاد جثمانه ليدفن فى مقابر الشهداء.
بعد استشهاده تم إطلاق اسمه على أحد شوارع مصر الجديدة، تكريما لدوره البطولى. وعرفت من المهندس إبراهيم المعلم، أحد نجوم المنتخب المصرى فى كرة الماء، أن عبدالعزيز الشافعى رئيس اللجنة الأوليمبية الأسبق و«كابتن جميع الفرق الرياضية» قد شارك فى رثاء وتكريم نزيه خليفة بعد استشهاده. إذا هذا التاريخ يقول إن نزيه كان رمزا للبطولة والفداء، وحينما يقوم البعض بإلغاء اسمه الموجود منذ عام أوائل الستينيات من القرن الماضى، فالمؤكد إما أنه يجهل هذا التاريخ أو لا يعرفه من الأساس، وكلا الاحتمالين مؤسف ومحزن.
نعم يستحق البارون إمبان كل أنواع التكريم، واسمه موجود بالفعل على القصر الشهير، وكان يمكن إطلاق اسمه على شارع جديد فى أى مكان آخر بالقاهرة. ولا يعقل أنه لكى نكرم شخصا، نقوم بإلغاء تكريم آخر كان له دور مهم. كان يمكن إطلاق اسم البارون إمبان على شوارع كثيرة فى مصر الجديدة، لن يعترض عليها أحد أو تثير هذا القدر من الالتباس والغضب.
مرة أخرى المشكلة ليست فى إطلاق اسم أو حذف آخر، ولكن عن الفلسفة والمعايير، وتلك هى المشكلة التى تواجهنا فى العديد من القضايا فى مجالات عديدة.
صار لدى بعض المسئولين خصوصا فى المحليات، عدم وعى بما يفعلونه، والأسوأ بما يبررونه، حينما يكتشفون أنهم أخطأوا.
الحل الأمثل لعدم الوقوع فى مثل هذه الأخطاء، هى التفكير الجاد والبحث الدءوب فى أى شىء قبل تنفيذه، كان يمكن لمشروع تطوير «مصر الجديدة» الجارى أن يخضع لنقاش مجتمعى حقيقى قبل تنفيذه. شخصيا لست متخصصا فى التخطيط العمرانى، لكى أفتى فى هذا الموضوع، لكن كان يمكن تجنب العديد من الاعتراضات الشعبية، لو أن مسئولى المحليات استمعوا إلى الناس وإلى المتخصصين، فربما تم تلافى العديد من الاعتراضات، بدلا من شعار «ننفذ أولا، ودعهم يخبطون رءوسهم فى الحائط»!