دولة الألتراس
عماد الغزالي
آخر تحديث:
الإثنين 11 مارس 2013 - 8:00 ص
بتوقيت القاهرة
ما هى خلاصة الحكم فى مجزرة بورسعيد: لا يوجد تحريض ولا مؤامرة ولا عقل مدبر ولا مخطط شيطانى خارجى أو داخلى، لأنه لو ثبت ذلك فإن المحرض على القتل كالقاتل يحكم عليه بنفس العقوبة، لكن المؤكد هو وجود حالة من الاحتقان والغضب والعدوانية بين جماهير الكرة، قابلتها حالة من التراخى وغياب التوقع وتردى فى مستوى الأداء الأمنى، وكما تعلم، فإن لجنة تقصى الحقائق التى تم تشكيلها من أعضاء البرلمان قبل حله، لم تقدم دليلا واحدا على وجود مؤامرة، ولم تشر بإصبع الاتهام إلى جهة بعينها، وقدمت الرئاسة وزير الداخلية الأسبق محمد إبراهيم «كبش فداء» ظنا منها أن ذلك سيخفف الغضب، لكن ذلك لم يحدث، وأرجوك أن تراجع كل الطنطنة اللى حصلت أيامها عن نظرية المؤامرة، ودور المجلس العسكرى فى التخطيط للأحداث وإثارة الفتنة بين المصريين، ورغبته فى إلهاء الناس عن فشله فى إدارة المرحلة الانتقالية، وهى الخزعبلات التى نشرتها ماكينة شائعات الاخوان وانجر إليها كثيرون من المتحدثين باسم الثورة وحاملى صكوكها وأختامها، ببراءة أحيانا، وبسوء نية فى معظم الأحيان.
حين اقتحمت جماهير الألتراس النادى الأهلى أواخر العام الماضى مطالبين برحيل حسن حمدى ومجلس إدارته المنتخب «حتى يتم القصاص للشهداء»، قلت لك فى حينه إن هذه مقولة حق يراد بها باطل.. «فالذين قتلوا فى بورسعيد هم ضحايا التعصب المقيت الذى نشره إعلام فاسد منافق، هلل للألتراس وشجع تعصبهم، واحتفى بـ«دخلاتهم» وأغنياتهم وصواريخهم وشماريخهم، متناسين أن هذه الظاهرة التى نشأت فى إيطاليا ورعاها ملّاك الأندية ومحترفو المراهنات، تقوم على العصبية البغيضة إلى حد قتال الشوارع ضد مشجعى الأندية المنافسة، فإذا بمباريات الكرة تتحول من فرصة للمتعة والترويح عن النفس، إلى مناسبة للتخريب والهم والغم».
بعدها، شاهدنا الألتراس يشاركون فى المواجهات ضد الأمن أمام السفارة الأمريكية، بعد أن اقتحموها مع مجموعات أخرى من السلفيين والغاضبين على الفيلم المسىء لنبينا الكريم، وأنزلوا علم أمريكا ورفعوا فوق السفارة أعلام بن لادن وصوره، حينها قلت لك إن الأمر لايخلو من دلالة..«فأسامة بن لادن هو «كابو» الدين الذى دخل فى السياسة، تماما كما أن «كريم» زعيم ألتراس الأهلى، و«مشاغب» زعيم ألتراس الزمالك هما «كابو» الرياضة التى دخلت فى السياسة.
لم يكن هذا افتئاتا على الدور الذى لعبته مجموعات من الألتراس، شاركت فى الثورة جنبا إلى جنب ملايين المصريين الذين خرجوا فى شوارع المحروسة وميادينها يطالبون بالتغيير، لكنه إشارة إلى هذه الحالة من تلبيس الحق بالباطل، ومحاولة جماعات فرض قوانينها الخاصة بالقوة، بصرف النظر عن مخالفة ذلك لقوانين الدولة وأعراف المجتمع، وتعارضه مع حقوق الآخرين.
قلت لك أخيرا إنه بعد ألتراس كرة القدم، لدينا الآن ألتراس ولاد أبواسماعيل، وألتراس الإخوان،وغدا ألتراس للأقباط وأطفال الشوارع والشرطة والجيش والسلفيين، وبعد غد تتحول هذه «الألتراسات» إلى ميليشيات مسلحة، تواجه بعضها بعضا أو تواجه الدولة.
هذا ما يجرى عندما تتراجع فكرة الدولة لحساب الأهل والعشيرة، ويدهس الجميع القانون، من أول رأس الدولة حتى مشجعى الكرة.