أم الفنون
نادين السيد
آخر تحديث:
الثلاثاء 11 مارس 2025 - 10:50 م
بتوقيت القاهرة
جاء السباق الرمضانى السنوى بين ما يفوق الثلاثين مسلسلًا وبرنامجًا من جميع الأنماط مقدمة من نجوم لامعة ذوى تاريخ يشهد لهم بالفن والموهبة من ممثلين ومخرجين ومصورين وما إلى ذلك الكثير. وسبق البرنامج الرمضانى حفلات إحياء الذكرى الخمسين لعلامة من علامات الموسيقى كوكب الشرق لتذكر العالم بصوت تجاوز حواجز الزمان واللغة والمكان وكلمات حفرت لنفسها مكانًا مخلدًا فى عالم الفنون وموسيقى غيرت وجه الموسيقى العربية ووصلت إلى العالمية. ومن ضمن تلك الحفلات حفلات أقيمت بالمتحف المصرى الكبير وأمام تمثال الملك رمسيس، الذى شهد على حضارة وفنون وثقافة عريقة عبر تاريخ المحروسة قبل الزمان بزمان، وتغنت بأنغام الست أصوات مصرية تدربت فى مؤسسات فنية يرجع تاريخ إنشائها لأكثر من ١٠٠ عام. وتداخلت بين هذا وذاك حفلات دار الأوبرا المصرية -على مسارحها العديدة- لتعرض فنون فرقها الكثيرة التى تتضمن أوركسترا، وباليهًا، ورقصًا حديثًا، وكورالًا، وأوبرا، وموسيقى عربية، وإنشادًا دينيًا لتستعرض قدرات فنانين وفنانات تربوا وترعرعوا وصقلت مواهبهم على أرض المحروسة وفى كنف مؤسسات وزارة الثقافة المختلفة.
جاء كل هذا ليذكرنا بشىء كدنا نتناساه، وهو أننا نمتلك تراثًا ثمينًا، تنامى وتوارثناه عبر سنوات عدة من تصدير الإبداع الفنى وسط جمهور تشرب الفنون العديدة أبًا عن جد.
الفنون والثقافة والمنظومات والمعاهد التى تدعم كل ذلك وتنظمه وتنميه لا تولد بين ليلة وضحاها، بل تتطلب أجيالًا وأنظمة تطورت عبر المئات من السنوات، لتصبح مؤسسات عريقة تتمتع بخبرة ومعرفة صقلت عبر أجيال عديدة وخبرات سنوات من التجارب والنجاحات والعوائق والاخفاقات أدت لتشكيل إطار عمل وأنظمة من أفضل الممارسات. كما كون ذلك أيضًا ثقافة شعبية ومزاج عام يقدر ويتذوق الفنون بجميع أشكالها، كونه تشرب عبر السنين موسيقى عربية وأجنبية وشعبية ورقص كلاسيكى وفلكلور وشرقى وسينما ومسرح وشعر وروايات، تشرب الجمهور كل ذلك من أساتذة عباقرة فى كل ذلك. فأصبحت مصر مركزًا مهمًا لتصدير وصناعة الفنون والثقافات، كما أصبحت أيضًا مركزًا مهمًا لمستمع ومتفرج وجمهور واعٍ ومثقف فنيًا ومحطة مهمة لأى فنان عربى يبحث عن النجاح الإقليمى. تلك الثقافة الفنية، من صناعها لمستهلكيها، أصبحت جزءًا من نسيج المجتمع تتوارثه الأجيال، فنتوارث المواهب كما نتوارث الذوق الذى يقدر تلك المواهب والجهات المنوطة بتطويرها وتنميتها.
لأن مصر ولادة كما يقال، ولأننا ١٢٠ مليون نسمة، فمن الصعب منافسة هوليوود الشرق فى منطقة المواهب الفنية وثقافة الفنون لدى شعبها، لأن أجيالنا تسلم بعضها الصنعة والموهبة: فمن على بدرخان ليوسف شاهين وأحمد نادر جلال، ومن كوكب الشرق لعلى الحجار وإلى شيرين عبدالوهاب وبهاء سلطان، ومن شادية لأحمد زكى ومنة شلبى ومن محمد عبدالوهاب لعمر خيرت وإلى هشام خرما. وبعد كل قامة فنية نظن أنها لن تتكرر، يأتى شعب مصر مرة أخرى ليثبت لنا أن جينات الفن متأصلة ومتربعة فتظهر موهبة جديدة تحيى مجد الأسلاف.
يجب علينا ألا ننسى مكانة هوليوود الشرق وإمكانياتها الثقافية والفنية التى صقلت عبر التاريخ والتى لا تُقدر بمال ولا تُشترى.
فمسارح وشاشات مصر تتباهى بعروض من صناعة محلية تمامًا: بداية من الإخراج والمواهب الغنائية والموسيقية والفنية وإلى الأزياء المستخدمة بالعمل وتصميم الراقصات والديكورات.. وما إلى ذلك. فمصر غنية بتخصصات عديدة فى عوالم المسرح والموسيقى والسينما والفنون التى تطورت فى معاهد الموسيقى والسينما والمسرح والباليه وغيرهم، وتمكنت من إخراج عروض وأعمال بأيدٍ مصرية صرف.
ازدهار الفنون والاحتفاء بها فى مختلف الدول العربية شىء جميل ويرتقى بالمنطقة ككل وبشعوبنا جميعًا، لكن يجب علينا دائمًا أن نتذكر مكانة المحروسة الفنية وألا نفرط فى تلك الصدارة، بل إن نعتبر هذا الازدهار حافزًا لنا للمزيد من الإبداع وللمحافظة على - والتطوير من- صناعتنا ومؤسساتنا المختلفة لنحافظ على مكانتنا. فمن المهم الافتخار بهويتنا وتاريخنا الثقافى والفنى وتذكرتنا دائمًا به، من دون أن يتسبب هذا فى تكاسلنا عن التطوير واستمرار المسيرة، لأنه فى حين أن مصر لديها جميع المقومات لتحافظ على مكانتها كمصدرة للفنون، من السهل جدًا أن نتراجع عن كل ذلك إن لم نتمكن من المواكبة والتطوير والاستثمار فى الفن والثقافة، واكتفينا بالتفاخر بأمجاد الماضى فقط.
أستاذ مساعد بقسم الإعلام فى الجامعة الأمريكية