سياسة الغموض لترامب يمكن أن تتضح أنها خطر أكيد
من الصحافة الإسرائيلية
آخر تحديث:
الأربعاء 11 أبريل 2018 - 9:45 م
بتوقيت القاهرة
فى أكتوبر سنة 1969، قرر الرئيس ريتشارد نيكسون فجأة رفع درجة التأهب النووى فى الجيش الأمريكى فى شتى أنحاء العالم. فأُخرجت الصواريخ من مخازنها، وتدربت الغواصات على إطلاقها، وقامت القاذفات الضخمة Bــ52 المحملة بالقنابل الهيدروجينية بالتحليق مدة 72 ساعة بالقرب من حدود الاتحاد السوفيتى. وسرّب موظفون أمريكيون بقلق أن نيكسون يدرس حسم الحرب فى جنوب شرق آسيا بواسطة قصف نووى يستهدف هانوى عاصمة فيتنام الشمالية. معظمهم لم يعرف أنه يُستخدم كأرقام فى مناورة خادعة معقدة وخطرة وضعها نيكسون مع مستشار الأمن القومى آنذاك، هنرى كيسنجر، هدفها الضغط على موسكو وهانوى للموافقة على تسوية مقبولة من جانب نيكسون فى فيتنام. أطلق نيكسون على هذه الاستراتيجية اسم «نظرية المجنون».
لا يزال المؤرخون يختلفون حتى الآن بشأن «إلى أى حد حقق هذا التضليل هدفه؟». بعضهم يعتقد أن مناورة المجنون لنيكسون وكيسنجر أجبرت السوفييت على التوصل إلى اتفاقات على تقليص السلاح النووى، بينما يشير البعض الآخر إلى عشرات الآلاف من الجنود الأمريكيين الذين قُتلوا خلال السنوات الست التى مرت بين المناورة وبين المغادرة الأمريكية النهائية لفيتنام، كدليل على فشل هذا التكتيك.
يؤمن الرئيس الأمريكى بخلق حالة من عدم اليقين لدى خصومه وأصدقائه على حد سواء. وقال ذات مرة: «لا أريدهم أن يعرفوا بما أفكر فيه». يعترف علماء فى علم النفس وفى العلوم السياسية بأن الغموض يمكن أن يشكل ميزة مهمة فى إدارة مفاوضات تجارية وأزمات دولية أيضا، لكن بشرط أن يكون غموضا موجها ومضبوطا. ويعتقد كثيرون أن هذا الأسلوب نافع حتى الآن مع كوريا الشمالية، لكن التوتر على الحدود الشمالية لإسرائيل فى أعقاب ما يبدو أنه هجوم بالسلاح الكيميائى لقوات الأسد على ضواحى دمشق هو اختبار معقد، بل وخطر جدا، وستوضح نتائجه ما إذا كان غموض ترامب وعدم منطقيته هما أداة بيد خبير فى «فن الصفقة»، أو هما مزيج خطر من الجهل والأنانية والجنون وعدم الخبرة وعدم الاتزان الكامل. والاحتمال الثانى يضع إسرائيل طبعا فى مواجهة تهديد خطر.
إعلان ترامب فى الأسبوع الماضى أنه ينوى إعادة 2000 جندى أمريكى يخدمون فى سوريا إلى بلادهم كان كافيا لإثارة قلق المستشارين العسكريين وتخويف بنيامين نتنياهو حتى قبل التصعيد الأخير، فى أعقاب الهجوم الكيميائى على بلدة دوما. حاول نتنياهو إقناع ترامب بالتراجع عن موقفه شارحا له أن إعلانه يشجع إيران على تعميق قبضتها على سوريا، لكنه، على ما يبدو، فشل. وبحسب كلام السيناتور جون ماكين، شجع إعلان ترامب الأسد على تحدى الأمريكيين من خلال إبادة العشرات من مواطنيه بواسطة الغازات السامة.
لقد حظى ترامب بتصفيق حار العام الماضى عندما أمر بإطلاق 59 صاروخا ردا على هجوم بالسلاح الكيميائى شنّته قوات الأسد فى إبريل 2017 على منطقة إدلب. وقال مناصروه إن ترامب قد أثبت أنه رجل، بخلاف ضعف أوباما الذى هدد وتوعد وفى النهاية اكتفى باتفاق مليء بالثغرات يقضى بإخراج مخزون السلاح الكيميائى من سوريا. لكن منذ هذا الهجوم الأمريكى استخدم الأسد السلاح الكيميائى ثمانى مرات على الأقل، ومن أجل المحافظة على الانطباع بأنه على الرغم من ذلك فإن ترامب لقّن الأسد درسا لن ينساه، تجاهل أنصار ترامب فى واشنطن وفى القدس ذلك ببساطة. لقد كان الهجوم فى دوما كبيرا إلى حد لا يمكن إخفاؤه.
إن ثقة الأسد بنفسه ناجمة طبعا عن نجاحه المتوقع والنهائى فى الحرب الأهلية المدمرة التى هدفت منذ البداية إلى الاطاحة به، وكذلك ناجمة عما يبدو اليوم تشددا فى الخط الروسى، سواء حيال الولايات المتحدة أو حيال إسرائيل. وبعد أن عززت روسيا سيطرتها فى سوريا تسعى للتصرف وكأنها السيد الوحيد فيها. وإذا انعكس هذا التغيير ميدانيا أيضا، فإنه سيكون خبرا مقلقا للقدرة الإسرائيلية على منع انتقال السلاح إلى حزب الله وردع إيران عن زيادة وجودها فى سوريا عموما، وبالقرب من هضبة الجولان خصوصا. فى مثل هذه الظروف، فإن نية ترامب إعلان رغبته فى الخروج من الاتفاق النووى مع إيران الشهر المقبل ــ إذا لم يتراجع عن ذلك ــ قد تُفرح نتنياهو وخصوما آخرين، لكنه يمكن أن يورط إسرائيل فى تصعيد إقليمى سيكون بالغ الخطورة أضعافا مضاعفة إذا غاب ترامب عن الصورة. فجأة سيتذكر الجميع أن ترامب غرّد فى 2013 بأن أوباما سيكون غبيا إذا هاجم سوريا وكتب: «أمور كثيرة سيئة قد تجرى فى حرب لا تربح منها الولايات المتحدة شيئا».
يتفاقم الغموض بسبب عدم وجود معرفة داخلية وعميقة لطبيعة علاقات ترامب مع فلاديمير بوتين. وعلى الرغم من ارتفاع حدة تصريحاته حيال الرئيس الروسى، وعلى الرغم من موافقته على فرض عقوبات جديدة مؤلمة على الكرملين، ومن أن مستشاره الجديد للأمن القومى جون بولتون يدعم انتهاج خط عدائى ضد موسكو واستخدام القوة فى مواجهة الأعداء فى الشرق الأوسط، فإن الخفى أكثر من الظاهر بشأن توجّه ترامب الحقيقى.
إسرائيل، والولايات المتحدة، وروسيا، وإيران، وسوريا، وتركيا، وحزب الله، والشعب الكردى يواجهون ورطة كبيرة يمكن أن تُدخل إسرائيل فى مواجهة خطرة مع موسكو، أو تورطها فى حرب إقليمية لا تريدها.
حيمى شاليف
هاآرتس