خالقنا غير متعصب
جميل مطر
آخر تحديث:
الأربعاء 11 مايو 2011 - 8:13 ص
بتوقيت القاهرة
لا أرتاح فى صحبة شخص ينظر إلى الأمام ويمشى إلى الوراء. عرفت كثيرين يبدأون حوارا بالإعلان عن أنهم لن يغيروا رأيهم مهما طال الحوار وتشعب. عرفت أيضا كثيرين وبينهم قريبون، أقرباء كانوا أم أصدقاء، إن تحدثوا فى اجتماع عائلى أو أكاديمى فى موضوع رفضوا تغييره إلى موضوع آخر. واحدة من هؤلاء كانت تبكى إذا قرر رئيس الجلسة أو رأس العائلة تغيير الموضوع، واحد آخر كان صوته يعلو إلى درجة الصراخ ويغضب ويخاصم ويعنف وقد يذهب ولا يعود.
كان ونستون تشرشل يحذر من زمالة شخص لا يغير رأيه ويرفض تغيير الموضوع. قابلت فى مشوار من مشاوير حياتى زملاء، وفى الغالب رؤساء، ينفعلون بشدة ويقاطعون إذا شعروا أن أحد المشاركين فى اجتماع استطاع أن يقنع الأغلبية برأى مخالف. تعلمت فى مشاوير أخرى أن أتغاضى أو أتدخل للتهدئة، ولكن فى هذا المشوار تحديدا كان الأمر أخطر من أن يسكت عنه.
كنا فى ذلك الحين نفاوض فريقا يمثل دولا أخرى على أمور تتعلق بالمصلحة القومية العليا لمصر، وزميلنا وكان أعلى درجة وسنا قصير النفس عنيد المزاج رافضا النقاش. اكتشفت بعد سنوات من التجربة ومحاولات اكتساب الخبرة التفاوضية، إن أسوأ المفاوضين هو الشخص غير القادر على الإقناع، لأن شعوره بالعجز وعدم القدرة على الإقناع يدفعه لاستخدام الصوت العالى والتصلب فى الرأى وتعمد إهانة مشاعر المفاوضين الآخرين ومنهم زملاؤه.
●●●
أحاول ما استطعت إقناع المساعدين الشبان الذين يسوقهم حظهم للعمل معى ألا ينفذوا تعليمات تصدر منى أو من رؤساء آخرين قبل أن يقتنعوا بها، أو أن يقدموا على مشروع قبل أن يتحققوا من هدفه وقبل أن تكون أهدافهم فى العمل وفى هذه المهمة تحديدا واضحة. كثيرا ما نقابل فى العمل وفى الشارع وحتى فى بيوتنا أناسا يفتقدون أهدافا لتحركهم. هؤلاء هم الأسرع بين أقرانهم فى الانفعال والأشد غضبا لبادرة لا تروق لهم والأقوى رفضا للاستماع إلى نصيحة والأكثر اعتقادا بأنهم على حق دائما.
مثل هؤلاء لا تثمر جهودهم إلا توترا فى أماكن وجودهم ربما لأنهم يعانون من نقص فى الثقة فى أنفسهم ومستقبلهم.
سمعت مسئولا كبيرا فى دولة لم تعرف عهدا من خارج عهود الاستبداد، سمعته يقول إنه لا أسهل على الحاكم الذى يريد تدبير أمور رعيته ودفعهم إلى الأمام من إثارة حالة هيستيريا بينهم من حين إلى حين، مستغلا أو مفتعلا قضية أو حادثا. يؤكد المسئول أن سجل بلاده حافل بحالات هيستيريا نجحت فى إشعال انتفاضات جنى الحكام من ورائها مددا أطول فى الحكم. لم يبالغ المسئول الكبير لأن بعضنا قرأ فى سيرة أدولف هتلر أنه اعتمد هذا الأسلوب فى حكم ألمانيا والتوسع فى أوروبا وشن حرب عالمية، وهو الأسلوب الذى عجل بنهاية هتلر وألمانيا معه.
●●●
لم يكن أسامة بن لادن حاكما ولكنه استخدم الأسلوب نفسه بدون هدف معلوم. كانت أهداف هتلر معلومة للكافة. أما بن لادن فقد حاول إشعال هيستيريا بين المسلمين وغيرهم ولعله نجح إلى حد وإلى حين فقد جاءت نهايته كنهاية هتلر، الموت المبكر وموت أقرب أهله وأحبائه، إن كانوا حقا أحباء. كنت كلما فكرت فى أسامة بن لادن أتذكر جورج بوش الابن. كلاهما كان يريد الناس من حوله أن يفكروا كما يفكر ويعشقوا ما يعشق ويكرهون ما يكره ومن يكره. كلاهما اعتقد أنه يمتلك الحقيقة وكل ما يمتلكه الآخرون زائف وزائل، كلاهما اقتنع بمبدأ أن تاريخ البشرية لم يعرف إلا حرب الكل ضد الكل، وأطلق عليها أنصار بوش تعبير حرب الحضارات وأطلق عليها أنصار بن لادن حرب الجهاد، مرت أربعة أو خمسة قرون على عصر توماس هوبز. وبقيت فكرته تتحدى الطبيعة البشرية، فالبشر فى حقيقتهم ليسوا وحوشا وسعاة فناء ودمار مشترك، هؤلاء البشر أنفسهم هم الذين فكروا فى صياغة مبادئ العقد الاجتماعى والعدالة والتعاون فى إقامة السلام والاندماج بين الشعوب.
الاثنان، بن لادن وبوش وعديد المبشرين الذين امتلأت بهم ساحات نشر الكراهية الدينية فى الشرق وفى الغرب، يتحدثون باسم الخالق ويتعصبون له، ولكن الخالق نفسه لم يكن يوما متعصبا ولم يصدر عنه ما يوحى بأنه يشجع عبيده على التعصب من أجله كخالق أو من أجل مخلوق، أيا كان، لم ينشر التعصب دينا وعقيدة، وإنما نشرهما الإيمان، وشتان ما بين الإيمان والتعصب. الإنسان لا يتعصب إلا إذا نقص إيمانه أو اكتشف أن هناك شكوكا غائرة فى هذا الإيمان فيحاول إخفاءها. لا الخالق ولا المخلوق المؤمن يمكن أن يكون متعصبا لأن التعصب شر لا يجيد ممارسته أو يقع فى حبائله إلا الشيطان.
المؤمن لا يتعصب. المحب لا يتعصب. والواثق من نفسه وإيمانه لا يتعصب. بيت يعشش فيه الحب لن يدخله التعصب ولا يسمع فيه صوت غاضب ولا تتسرب إلى داخله الشكوك.
لن أصرخ دفاعا عن اعتقادى أن الشمس ستشرق غدا من الشرق، أو عن إيمانى بهذا الشعب وهؤلاء الشبان الذين خرجوا وسيخرجون مرارا دفاعا عن مصر ضد التعصب والمتعصبين.