تقرير تشيلكوت: بلد مدمر وثقة محطمة
صحافة عالمية
آخر تحديث:
الإثنين 11 يوليه 2016 - 10:20 م
بتوقيت القاهرة
نشرت صحيفة «الجارديان» البريطانية، مقالا حول تقرير لجنة التحقيق فى حرب العراق 2003 برئاسة جون تشيلكوت، والمعروف بتقرير تشيلكوت، والذى يتمحور حول ملابسات تلك الحرب والدور البريطانى والأمريكى خلال هذه الفترة، مع إلقاء الضوء على آثار هذه الحرب على الداخل البريطانى. ويتناول التقرير ما يلى:
تؤكد «الجارديان» أنه كما هو الحال دائما فى حالات العدوان العسكرى، فإن النظرة الإنسانية لابد أن تبدأ من الضحايا. فمنذ الغزو الذى قادته الولايات المتحدة للعراق مدعومة من المملكة المتحدة فى عام ۲۰۰۳، تفاوتت تقديرات الخسائر فى الأرواح بسب العنف من ربع مليون إلى٦۰۰ ألف قتيل، وتراوح عدد الرجال والنساء والأطفال الذين نزحوا من أماكن سكنهم ما بين ۳ إلى ٥ ملايين نازح، بنسبة فرد نازح لكل عشرة أشخاص أو لكل ستة أشخاص من سكان العراق.
لا يوجد خلاف على الوحشية الصارخة التى كان النظام العراقى السابق يدير بها البلاد، ولكن فى نفس الوقت لا يوجد خلاف حول أن معاناة العراق خلال تلك الحرب كانت أكثر مرارة من أى شىء آخر. ولكن بعد ثلاثة عشر عاما يتضح أن المأزق الذى يعانيه الشعب العراقى ما زال بلا نهاية.
إن فوضى تسويغ تغيير النطام رأسا على عقب بعد الحادى عشر من سبتمبر من قبل جورج بوش، قد أدى كما كان متوقعا إلى نتائج عكسية. فالقوات الجهادية التى كان يحتويها صدام حسين لم ينثنى عزمها بعد الإطاحة به، بل على العكس أصبحت أكثر جرأة وقوة. باختصار، يتجلى الفشل والكوارث بأقسى صوره فى العراق.
***
من المؤكد أن تحقيق تشيلكوت الذى بدأ بعد ست سنوات من الحرب، وتم نشره هذه الأيام فقط بعد سبع سنوات أخرى من العمل لم يتناول هلوسة تحقيق الفوز الساحق فى وقت قصير فى ذلك الحين. فبالرغم من اللجان المختصة المتعددة، وتحقيقات هاتون وباتلر يأتى الآن هذا التحقيق الإضافى. ويبقى السؤال المطروح لماذا كان من المستحيل تجنب هذه الكارثة البشعة. لم يقدم أى من التحقيقات الأخرى إجابة رسمية للسؤال المحورى، عن كيفية تورط المملكة المتحدة فى هذه المغامرة الفاشلة فى المقام الأول؟ بعد القراءة المقتضبة للورد هاتون حول اختصاصه، وهجوم باتلر على النظم والعمليات والتى ذهبت إلى حد بعيد ونطاق واسع لإعفاء الأفراد من اللوم. وكانت هناك مخاوف أن تشيلكوت سوف يكون أقل قسوة، أو ينزلق إلى نثر رسمى منمق، ومع ذلك، قدم جون بيانا سريعا لمدة نصف ساعة، ذكر فيه اسم بلير مرة واحدة تقريبا لمدة دقيقة. وبالتأكيد أن التقرير الذى يحتوى على مليونى وستمائة كلمة سيستغرق وقتا أطول لاستيعابه، ولكن النقطة الحاسمة صاغها تونى بلير بنفسه فى ست كلمات، فى رسالته للرئيس بوش فى يوليو عام ۲۰۰۲، «سأكون معكم، مهما كانت الظروف».
وتشير الصحيفة إلى تفشى ذلك الشعور بأن الحكومة لم تكن واضحة بما فيه كفاية. ولم يكن رئيس الوزراء فى غير وعيه، فقد حذرت رسائله إلى الرئيس الأمريكى من شكوك عميقة من جانب أعضاء البرلمان البريطانى وعامة الناس، وتوقع بدهاء صعوبة كبيرة فى جر أوروبا بالقوة إلى هذه الحرب لكنه ألغى قيمة هذه الرؤية العميقة، واختار على نحو مهلك بناء مسار آخر للحرب تباركه الأمم المتحدة واستباق كل ذلك بتعهد قوى أن بإمكان واشنطن الاعتماد عليه.
وكان تغيير النظام منذ أحداث 11 سبتمبر، الهدف الواضح للبيت الأبيض، وجعل بلير سياسته مطابقة لذلك الهدف بشكل فعال جدا. وكان ذلك خطأ مروعا، أولا وقبل كل شىء، لأنه ينطوى على إلزام البلاد بحرب اختيارية، والتى لم تكن هناك مبررات حقيقية لشنها، إلا دفعة من الغضب للانتقام من تفجير البرجين فى نيويورك دون التفرقة بين المتشددين الإسلاميين والبعث العلمانى. وبمجرد أن أعلن البيت الأبيض نيته، أبطل بلير عمل المؤسسات الناقدة لسياسته وأوكل بها مهام أخرى، وصم أذنيه عن سماع تحذيرات الخبراء حول الصعوبات التى يمكن أن تتبع الغزو، وشكوكا كبيرة حول الادعاء بأن العراق يشكل تهديدا وشيكا..
نزلت أعداد كبيرة من الناس للاحتجاج لم يشهد البلد مثلها من قبل. ولكن فى هذه الحالة لم يعتبر بلير الشعب البريطانى صاحب القول الفصل بل للرئيس الأمريكى. وقال إلى ناخبيه «أخشى أنى فعلا أؤمن بذلك».
تجدر الإشارة هنا إلى أن أى سياسى يمينى كان بمقدوره أن يكون واضحا فى حساباته فيما يخدم مصلحة بريطانيا بشكل جيد قبل أن يسرع لأى تحالف أمريكى، مهما كانت النتائج. ومع ذلك، ليس هذا ما قام به بلير؛ فقد كشف فى مؤتمره الصحفى هذا اليوم رفضا بالاعتراف باتخاذ القرار الخاطئ، وإصراره على أن الحرب قد جعلت العالم أكثر أمنا. وقد تمت إدانته مباشرة من قبل تشيلكوت بعبارات صارخة بأنه كان الأكثر كارثية على الشعب العراقى، وألحق كذلك الأذى بالعسكريين البريطانيين.
***
لدى الأسر المكلومة كل الحق فى التساؤل عما إذا كان أبناؤهم وبناتهم قد ماتوا عبثا، الأمر الذى سيجعل أى رئيس وزراء ألا يتعجل فى أى قرار يلزم القوات المسلحة بأى واقعة مشابهة، باعتباره أصعب قرار بإمكانه أن يتخذه بعد كل الأضرار التى قد لحقت بالعملية السياسية والخطاب السياسى، بل ومكانة المملكة المتحدة فى العالم.
وقد ذكرت وثيقة وايت هول أن مناقشة جرت فى الولايات المتحدة لتعديل الحقائق، لأن المسار العام كان يجب دائما أن يؤكد أن الدوافع الأمريكية كانت خالصة النية. وإعطاء فرصة للنقاش ثم بعد ذلك إعطاء الضوء الأخضر لشن الحرب.
فى الوقت نفسه، تآمر جاك سترو، وزير الخارجية البريطانى الأسبق مع كبار المسئولين بالخفاء، لتأمين مصداقة الأمم المتحدة على عمل تم الاتفاق عليه فعليا، واحتج بلير علنا بأنه كان يسعى إلى حل دبلوماسى. ولكن هل فعلا كان هناك أى حل دبلوماسى! الحقيقة كانت الحلول دبلوماسية لم تهدف إلا إلى إعطاء الإذن بالحرب.
وتختتم الجارديان بأن الفجوة بين المنطق العام والخاص قد غذت عدم الثقة التى ترسخت منذ ذلك الحين بسبب أزمة نفقات النواب وأدت إلى زيادة الرغبة فى التصويت للخروج من الاتحاد الأوروبى. لقد تم الاستهانة بكل العملية السياسية فى بريطانيا، ولكن الثمن الباهظ تم دفعه من قبل اليسارين. فجاء الصعود الغير متوقع لجيريمى كوربين والذى جر حزب العمال فى أتون حرب أهلية. ولا يزال الكثير من نواب حزب العمال يحاولون فهم ذلك الصعود. وعندما يقومون بذلك، ينبغى عليهم أن يعكسوا الغضب الرزين للسيد كوربين، الذى عارض الحرب دائما، فى مجلس العموم اليوم.
اقتباس
لا يوجد خلاف على الوحشية الصارخة التى كان النظام العراقى السابق يدير بها البلاد، ولكن فى نفس الوقت لا يوجد خلاف حول أن معاناة العراق خلال تلك الحرب كانت أكثر مرارة من أى شىء آخر.