هل تنتهي حرب غزة بصفقة إقليمية؟
قضايا فلسطينية
آخر تحديث:
الجمعة 11 يوليه 2025 - 8:56 م
بتوقيت القاهرة
يسود مناخ متفائل حول إمكانية التوصل لإنهاء الحرب فى غزة بعد ما يقرب من عامين، وقد ظهرت هذه الحالة من التفاؤل بعد انتهاء حرب الـ 12 يومًا بين إسرائيل وإيران، فى الوقت الذى كانت فيه مفاوضات الهدنة تعانى من حالة من الركود قبل بدء هذه المواجهة، وانسداد فى الأفق بسبب تمسك الأطراف ببنود معينة، أدت إلى عرقلة مسار المفاوضات.
ولكن الحديث عن الصفقة خلال التوقيت الحالى لا يتضمن وقفًا لإطلاق النار فى غزة فقط، وإنما يأتى ضمن إطار أوسع على المستوى الإقليمى، ويشمل وفق ما تم تداوله من أنباء توسيعًا لاتفاقات التطبيع المعروفة بـ «اتفاقات إبراهام» مع دول إقليمية، وإذا تم هذا بالفعل فستكون حماس فشلت حتى على مستوى إيقاف التطبيع، وهو ما روجت له على مدار عامين، كمحرك أساسى لعملية طوفان الأقصى.
(أولًا) عدم ملاءمة البيئة الإقليمية:
تبدو التقديرات الخاصة بوجود صفقة إقليمية هذه متفائلة إلى حد بعيد؛ لأن البيئة الجيوسياسية فى الإقليم غير جاهزة فى التوقيت الحالى لهذا التحول الذى لا تبدو هناك عديد من المؤشرات على إمكانية تمريره بهذه الصيغة، وفى هذا السياق فإن هناك حالة من الترقب لنتائج زيارة نتنياهو للبيت الأبيض والتى أصبحت شبه معتادة منذ وصول ترامب للسلطة.
مع وجود عدد من المؤشرات التى يفهم منها أن ما تفكر فيه الولايات المتحدة، ليس وقف الحرب فى غزة فقط، وإنما جعلها جزءًا من تسوية إقليمية شاملة وربما يعد أبرزها:
تلويح الرئيس ترامب بتعليق المساعدات المقدمة لإسرائيل وذلك فى منشور على موقع «تروث سوشيال»، إذا ما استمرت محاولات محاكمة نتنياهو، فى إطار أن هذه المحاكمة تضر إسرائيل وبالتالى فإنها تضر مصالح الولايات المتحدة، إلا أن واقع هذا التدخل يشير من ناحية أخرى إلى أن نتنياهو مستعد للانخراط فى خطة ترامب للمنطقة بشكل كامل، والخطوات القادمة ربما تكون العمل على إنهاء حرب غزة، ثم عقد انتخابات إسرائيلية مبكرة تهدف لاستبدال الطاقم المتطرف المحيط بنتنياهو بطاقم أكثر قابلية للمشاركة فى التسويات القادمة وذلك وفق الرواية التى يتم تسويقها والتى تدعمها زيارات خارجية لزعماء المعارضة الإسرائيليين، تحديدًا «يائير لابيد»، ويشار فى هذا السياق إلى أن نتنياهو لا يبدو متخوفًا كالسابق من الانتخابات خاصة بعد ارتفاع شعبيته عقب حرب الـ12 يومًا مع إيران.
(ثانيا) سيناريو التطبيع فى الحالة اللبنانية:
بالنسبة للبنان، التى طرحت أيضًا على جدول التطبيع، فإن المناطق التى سيطرت عليها إسرائيل بعد حربها مع حزب الله، تضع علامات استفهام حول مسار التطبيع مع بيروت، خاصة أن الحكومة اللبنانية تقول إن بقاء إسرائيل فى هذه المناطق يعيق تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار الذى تم توقيعه مع حزب الله ولكن فى مقابل ذلك فإن لبنان التى تعانى من أزمات اقتصادية قد تقبل بصيغة تضمن لها ترسيم الحدود البرية مع إسرائيل أو حتى تسهيل حصولها على قرض من صندوق النقد الدولى وقد تكون هذه المغريات إضافة لحزمة مغريات أخرى كفيلة بتمرير سيناريو التطبيع مع لبنان.
(ثالثا) مطالب حركة حماس كعائق أساسى:
يتبقى عنصر مهم ضمن هذه الصفقة وهو حركة حماس، خاصة أن البنود التى عرقلت التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار على مدار عامين لا تزال قائمة، بل أن التسريبات تشير إلى جملة من المطالب الأخرى، التى ترغب الحركة بفرضها بحيث تشمل عدم المساس بالمكتب السياسى أو التعرض لأعضائه فى الخارج، وكذلك عدم مصادرة أو احتجاز أموال الحركة مع وجود ممثلين للحركة فى إدارة غزة وقطاع الأمن مستقبلًا وضمانًا أمريكيًا بإنهاء الحرب إضافة للسيطرة على معبر رفح. ورغم أن هذه المطالب تم إعلانها عبر قناة إقليمية منسوبة إلى مصدر فلسطينى مطلع، فإن القيادى عزت الرشق خرج فى تصريحات على موقع روسيا اليوم ليؤكد أن ما تم ترويجه من مطالب منسوبة للحركة هو مجرد أكاذيب، وبغض النظر عن كون هذه المطالب مبالغًا فيها فى بعض التقديرات، فإن الأكيد أن حركة حماس تريد ضمان بقائها فى قطاع غزة وإن كانت خارج الحكم.
ومع إبداء حماس لبعض المرونة فإنها لا تزال تصر على تطبيق آلية الأمم المتحدة لتوزيع المساعدات، وعلى انسحاب إسرائيل من جميع المناطق التى احتلتها بعد الأول من مارس 2025 فى الوقت الذى ترفض فيه إسرائيل العودة للآلية القديمة فى توزيع المساعدات كما أنها ترفض الانسحاب من محور «موراج» وتعتبر أن بقاءها فيه استراتيجى لعزل رفح عن باقى القطاع.
(رابعا) احتمال تجدد التصعيد بين إسرائيل وإيران:
يشير الوضع الإقليمى أيضًا إلى عدم الجاهزية من الناحية الجيوسياسية لتمرير صفقة بهذه الضخامة، وذلك لأن أغلب التقديرات تشير إلى أن احتمال وجود جولة أخرى من التصعيد بين إسرائيل وإيران، وارد جدًا خاصة أن الجانب الإيرانى أشار إلى أن البرنامج النووى لم يتم تدميره، وأن تل أبيب أكدت ومعها الولايات المتحدة أنه فى حال ثبوت هذا الادعاء فإن التصعيد العسكرى هو الخيار الوحيد، خاصة أن إيران لا تزال تمنع مفتشى الوكالة الدولية للطاقة الذرية من الوصول للمواقع التى تم استهدافها، وتشير الولايات المتحدة إلى أن إيران تمارس هذا المنع لأنها قد تكون نقلت أنشطة التخصيب إلى مواقع أخرى.
وهذه المرة قد يدخل حزب الله على خط التصعيد، كما أن إيران من المتوقع أن تصعد من رد فعلها، وإذا كان ردها على الهجمة الأمريكية على منشأة فوردو، كان صوريًا عن طريق استهداف قاعدة العديد فى قطر، فإنها قد تنقل رد الفعل إلى مستويات أعلى فى مناطق أخرى تقع ضمن نطاق المصالح الأمريكية فى الخليج وهو ما يثير هواجس الدول الخليجية من تكرار سيناريو حرب الخليج الأولى عندما كانت هى نفسها أهدافًا غير مباشرة للتصعيد، وهو ما يؤكد أننا لا نزال فى بيئة إقليمية شديدة الاضطراب، بشكل لا يسمح بتسوية شاملة كما يفترض ترامب.
فقد ثبت خطأ الرؤية أو الافتراض الأمريكى - الإسرائيلى الخاص بعملية التطبيع مع الدول العربية، صحيح أن تل أبيب استطاعت أن تثبت إمكانية التطبيع مع بعض الدول دون حل للقضية الفلسطينية، ولكنها فشلت بجدارة فى الربط بين اتفاقات التطبيع وتوفير مناخ آمن وسلمى لإسرائيل، وأبرز انعكاس لذلك، هو عملية أكتوبر 2023، والتى أثبتت أنه دون حل للقضية الفلسطينية، لن تكون إسرائيل آمنة فى محيطها ويقصد بالحل هنا - الحل السياسى، خاصة أن كل أشكال المقاومة ليس لها معنى، إذا لم تسفر عن تغيرات سياسية على أرض الواقع. ولكن تفترض إسرائيل خلال التوقيت الحالى، أن بإمكانها فرض الأمر الواقع بالقوة العسكرية، مع الأطراف الذين تتفوق عليهم عسكريًا، وبفرضه بأساليب أخرى مع الدول التى لا تستطيع مواجهتها عسكريًا، للتأكيد على التوازنات الجديدة فى الشرق الأوسط وربما تقنع الولايات المتحدة بهذه الرؤية.
ومن هنا تظهر التحركات الأمريكية، التى يبدو أنها تريد العمل على تسوية القضية الفلسطينية مقابل صفقات تطبيع، دون إشراك مصر التى تمتلك الرؤية الأكثر واقعية لعوامل الاستقرار فى الإقليم، ولذلك فإننا حتى لو ذهبنا مع الاتجاهات المبالغة باقتراب صفقة إقليمية، فإن هذه الصفقة لن يكون لها أن تستقر أو تؤدى لاستقرار فى هذا الإقليم المضطرب، فى ظل غياب الرؤية المصرية الفاعلة.
نيرمين سعيد
المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية