الجرائم الإسرائيلية.. وخسارة الكيان للرأي العــام العالمي
أيمن النحراوى
آخر تحديث:
الإثنين 11 أغسطس 2025 - 6:50 م
بتوقيت القاهرة
ظلت إسرائيل قرابة ثمانين سنة تقدم نفسها للعالم بصورة كاذبة ملفقة على أنها ذلك الكيان الحضارى المسالم، الذى نشأ كواحة للديمقراطية والتقدم فى الشرق الأوسط، وساعدها على تحقيق ذلك الدعم غير المحدود من أجهزة الإعلام والصحف العالمية التى يمتلكها ويوجهها ويديرها العديد من المليارديرات الصهاينة والمرتبطين بهم بعلاقات المصالح من السياسيين ورجال المال والأعمال والإعلاميين والصحفيين فى الولايات المتحدة وأوروبا.
نقطة التحول فى موقف الرأى العام العالمى من إسرائيل ومن القضية الفلسطينية حدثت بعدما وصلت الجرائم الإسرائيلية إلى ذروتها فى حق الفلسطينيين بما لم يسمع به من قبل، بدءًا من القصف الوحشى الإجرامى المتعمد للمدنيين الفلسطينيين العزل وانتهاء بفرض الحصار المطبق على 2 مليون إنسان وحرمانهم من الغذاء والدواء قرابة سنتين كاملتين، مارست فيهما إسرائيل كل أنواع الجرائم ضد الإنسانية التى نهى عنها القانون وحرمتها المواثيق الدولية.
أجهزة وآليات تشكيل الرأى العام العالمى التى كانت تتمحور فى السنوات الماضية حول القنوات التليفزيونية، والصحف العالمية الشهيرة والمؤثرة تراجع دورها وتأثيرها إلى حد كبير فى مواجهة التطورات التكنولوجية التى جاءت للعالم بوسائل التواصل الاجتماعى من المواقع والمنصات والتطبيقات وصناع المحتوى والمؤثرين الذين باتوا هم أنفسهم أدوات فعالة لتشكيل الرأى العام العالمى بمنأى عن اللوبى الصهيونى وحلفائه وأدواته التقليدية التى طالما استخدمها لصالح إسرائيل.
اليوم أجبرت تلك التحولات القنوات التليفزيونية والصحف العالمية ومحرريها وإعلامييها على الاعتراف ولو جزئيًا بانتقاد الجرائم والممارسات الإسرائيلية فى مقالاتهم وتغطياتهم الإعلامية والصحفية وبرامجهم الحوارية، ولعل المثال الأبرز على ذلك هو الإعلامى البريطانى الشهير بييرس مورجان الذى كان مدافعًا عن إسرائيل لسنوات طويلة كان فيها إحدى أدوات البروباجندا الإسرائيلية، تغير موقفه تمامًا وجاء اليوم الذى انتقد فيه السفيرة الإسرائيلية فى لندن خلال لقاء معها، وندد بسياسات إسرائيل وممارساتها فى قطاع غزة.
أيضا كانت استقالة جارى لينيكر بعد 26 سنة من عمله فى هيئة الإذاعة البريطانية بسبب الحملة الصهيونية التى تعرض لها بسبب منشوراته التى دعم فيها الفلسطينيين وندد بالجرائم الإسرائيلية فى غزة.
• • •
أخطر مظاهر ذلك التحول من وجهة النظر الإسرائيلية تمثلت فى قيام العديد من الأساتذة والأكاديميين اليهود فى الجامعات الأمريكية والأوروبية بشجب وانتقاد الجرائم الإسرائيلية الحالية فى قطاع غزة، ورفضهم للسياسات الإسرائيلية تجاه الحقوق الفلسطينية المشروعة، وفى مقدمة هؤلاء البروفيسور جيفرى ساكس، جون ميرشيمر، ونورمان فينكلشتاين، وجيليان أورباخ، وجوديث باتلر، وجيل شيلوفسكى، وإيلان بابيه.
ومن جهة أخرى يمكن رصد التحول واسع النطاق فى الجامعات الأمريكية والأوروبية بقيام عشرات الآلاف من طلاب هذه الجامعات بالتظاهرات والمسيرات والاحتجاجات والاعتصامات المنددة بالجرائم الإسرائيلية والمؤيدة للحقوق الفلسطينية، وانتقاد هؤلاء الطلاب للتعاون العلمى والبحثى بين جامعاتهم وبين إسرائيل التى توظف ذلك التعاون لقدرات عسكرية تمارس بها جرائمها فى حق الفلسطينيين واغتصاب حقوقهم.
فى الولايات المتحدة وداخل أروقة الكونجرس الأمريكى، من كان يتصور أن يأتى يوم يقف فيه أحد أعضاء مجلس الشيوخ أو مجلس النواب الأمريكى لينتقد إسرائيل وينتقد الدعم الأمريكى المطلق لإسرائيل، لقد جاء بالفعل هذا اليوم، وبتنا نشهد أصواتا شجاعة فى مقدمتها السيناتور الأمريكى بيرنى ساندرز، وإليزابيث وارين، وجيف ميركلى، وأوكاسيو كورتيز، وباتريشيا موراى وغيرهم ممن ساندوا الحقوق الفلسطينية رغم علمهم بما سيواجهونه من اللوبى الصهيونى الأمريكى والثمن الذى سيدفعونه بسبب مواقفهم من القضية الفلسطينية.
استطلاعات الرأى العام فى الولايات المتحدة كشفت عن تحول جذرى فى موقف الأمريكيين تجاه إسرائيل، حيث أظهرت أن 56% من الأمريكيين ينظرون إلى رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو بشكل سلبى، بينما عبر 60% عن رفضهم للعمليات العسكرية الإسرائيلية فى غزة مقابل تأييد 32% فقط، هذا عدا ما تعبر عنه العديد من الشخصيات الرياضية والإعلامية والفنية فى الولايات المتحدة من امتعاضها وتنديدها بالجرائم الإسرائيلية.
• • •
على مقياس مؤشر المكانة الدولية، فقد تراجع مركز الكيان الصهيونى فى 8 مؤشرات من أصل 13 مؤشرا مركزيا للمكانة الدولية بنسبة 61.5%، وتهاوى مؤشر الصورة الذهنية الإيجابية الذى سعت إسرائيل لتكريسه عالميًا بمقدار 20 نقطة، بفعل ما يشهده العالم يوميًا من الجرائم الإسرائيلية.
الرأى العام العالمى المندد بالجرائم الإسرائيلية، أظهرته نتائج استطلاع رأى حديثة لمركز «بيو» للأبحاث والتى بينت أنه فى المملكة المتحدة ارتفعت نسبة المستطلعين الذين ينظرون لإسرائيل نظرة سلبية إلى 61% وفى تركيا 93% ، وفى اليابان 79%، وفى هولندا 78%، وفى إسبانيا والسويد75%، وفى أستراليا 74%، واليونان 72%، وإيطاليا 66%، وألمانيا 64%، وفرنسا 63%.
هذه الاستطلاعات عبرت عنها بقوة المسيرات والمظاهرات المستمرة المؤيدة للحقوق الفلسطينية فى معظم العواصم والمدن فى أوروبا وكندا وأستراليا واليابان، وكذلك مواقف الهيئات والمنظمات الإنسانية والحقوقية الدولية المؤيدة للحقوق الفلسطينية، وانعكس ذلك إلى حد كبير فى مواقف العديد من الحكومات التى باتت تتخذ مواقف أكثر تشددًا تجاه الممارسات والجرائم الإسرائيلية.
برزت فى هذا الإطار إسبانيا وأيرلندا والنرويج والسويد وسلوفينيا كدول أوروبية اتخذت موقفًا أخلاقيًا وقانونيًا وسياسيًا واضحًا تجاه الجرائم الإسرائيلية، ومساندة حقوق الشعب الفلسطينى، فضلاً عن دول مهمة مثل فرنسا وكندا اللتين أعلنتا اعتزامهما الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
هولندا التى كانت داعمًا تقليديًا لإسرائيل، أدرجت إسرائيل مؤخرًا على قائمة الدول التى تشكل تهديدًا للبلاد، بفعل محاولات إسرائيل التأثير على الرأى العام وصناعة القرار السياسى فى هولندا، كما أعلنت أن إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش الوزيرين الإسرائيليين المتطرفين هما شخصان غير مرحب بهما، وهو الإجراء ذاته الذى اتخذته أستراليا وكندا ونيوزيلندا والنرويج والمملكة المتحدة، كما بادرت هولندا لمراسلة الاتحاد الأوروبى لمراجعة اتفاقية التجارة مع إسرائيل، ودعمت مقترح تعليق مشاركة إسرائيل فى برنامج هورايزون للاتحاد الأوروبى لتمويل البحث والابتكار.
• • •
الأمر لم يعد يقتصر على ما سبق، إذ انعكست الجرائم الإسرائيلية على سلوك العديد من المجتمعات والأفراد فى جميع أنحاء العالم، بحيث بات هؤلاء الذين تعرف هوياتهم الإسرائيلية عرضة للامتعاض والاحتقار، ولاسيما مع سلوكياتهم المتدنية وتصرفاتهم المستفزة حيثما تواجدوا، والتى برزت مؤخرًا فى طردهم من المطاعم فى مدن إسبانيا وإيطاليا، وخروج المواطنين اليونانيين فى جزر رودس وكريت وقبرص على أرصفة الموانئ البحرية متظاهرين ضد قدوم السفن السياحية الإسرائيلية والسياح الإسرائيليين إلى بلادهم.
لقد سقط القناع الزائف عن إسرائيل وانكشف الوجه القبيح لسياساتها وممارساتها الإجرامية فى حق الفلسطينيين، ومن أجل ذلك فقد باتت دولة منبوذة تنعزل يومًا بعد يوم وتخسر الكثير فى كل يوم.