لمن ولاؤك؟
خولة مطر
آخر تحديث:
الأحد 11 سبتمبر 2016 - 9:30 م
بتوقيت القاهرة
يسألونك ويكررون السؤال: لمن ولاؤك؟ تفشل كل محاولاتك للهرب ومراوغتك ومن ثم تتجه للعثمة فى الكلام أو «الفذلكة» هذه الأخرى لم تنفعك.. ماذا تفعل إذن عندما يسألونك عن الولاء فى منطقة تعج بالولاءات المتراصة بدقة؛ الهرمية دوما والمتكررة أحيانا أو المتنوعة من شيخ القبيلة أو الطائفة، أو رئيس التنظيم أو الحزب، أو الحاكم بأمره أو الأمير أو حتى صاحب العمل أو المدير فى المصلحة، أو الأب والعائلة الصغيرة والكبيرة.. «لا يوجد أحد دون ولاء» هكذا يقال لك، ولذا لن يصدقك أحد لو قلت أن لا ولاء لك وسيضحكون منك وعنك لو كررت تلك الاجابة النابعة من أعماقك بأن ولاءك ربما لمبدأ أو لقضية أو لوطن.. يضحكون جميعا لأن هذه إجابة فى رأيهم مثالية أو هى من صناعات الكتب التقليدية..
عليك إذن أن تحدد لمن ولاؤك.. حتى عندما تقول ولائى لوطنى الذى قد يتوسع مفهومه ليكون هو الوطن ذو اللون الواحد أو الوطن بقوس قزح الفرح.. هو الذى كان ملجأ ومنزلا للجميع أم أنه فقط لفئة واحدة وهذه قد لا تكون فقط الطائفة بل ربما الطبقة أو الشريحة المجتمعية أو الأسرة أو..؟؟ الولاء للوطن هو الآخر أصبح ممجوجا وحرف مع جملة ما تم تحريفه من القضايا التى مرت على هذه الأوطان، أو ربما تم تفسيره فى إطار ضيق جدا عندما تحول بعضهم لتخوين البعض الآخر بحجة أنهم لا يملكون ولاء للوطن، عندما قاموا بانتقاد الحاكم أو المسئول وكان هذا حوار تعمق بعض الشىء فى أوائل ما عرف بالربيع العربى ثم ما لبث وأن اختفى كما اختفت الشرارة الأولى التى اشعلت سهولا واسعة من هذه الأوطان الممتدة.
***
عندما تقول الولاء لا يكون لمؤسسة بل للناس.. تزداد حدة التهكم منك وعليك.. فأى ناس تتحدث عنهم انت؟؟ من هم؟؟ ومن يكونون؟؟ هم الناس الفقراء المعدومون المطحونون فى شوارع المدن بطولها وعرضها ــ نهارها وليلها.. منهم المسن الواقف عند الاشارة المرورية عند منتصف الظهيرة يبيع اللبان للمارة؛ لأن تلك الدولة أو الحكومة فى ذاك البلد رفعت مسئوليتها عن كبار السن وعن صغارهم أيضا، أو ربما حتى يكون قد ضاق بها حجم «السرقات» المختفية فى شكل عجز فمدت يدها لمدخرات سنوات عمره الطويلة التى قضاها فى العمل، وذلك بعدما أصبحت مؤسسات الضمان الاجتماعى هى أيضا سلة مالية تمتد إليها أيدى الحاكمين كلما ضاقت بهم السبل أو تقطعت بهم الأسباب.. فهم المسئولون عنها أولا وأخيرا.. تلك المدخرات التى حتى عند توفرها تبقى وسيلة لإذلال الناس بمن فيهم فئات واسعة من المجتمع الذى ساهمت فى نموه والذى كان لها دور رئيس فى تنميته.
***
لمن ولاؤك؟ يعود السؤال المتكرر فى عالم ممتد، وكلما اتسع فى المساحة وكلما ساهمت شبكات التواصل فى توسعته أكثر وأكثر، كلما ضاق كثيرا فأصبح مقتصرا على الأضيق فى الولاءات والبحث عن من تكون مواليا له.. حتى أن الولاء دخل فى صراعات التدين المظهرية البحتة والتى انتشرت خلال السنوات العديدة الماضية ضمن فلسفة بعض الفقهاء الذين نادوا بالولاء للحاكم أو الوالى حتى صدق الكثيرون، واختلطت الأمور على آخرين واعتقدوا أنه حتى يكون الانسان متدينا حقا عليه أن يمنح ولاءه للحاكم! أيا كان هذا الحاكم وكيفما حكم وعمل. فكيف يكون الولاء لفئات سمحت بأن يمتد الفساد ليطال الجميع فيحصد الأخضر واليابس فى دول بها الكثير من الخيرات فتحولت شعوبها إلى الفقر كما هى الدول الفقيرة؛ فتساوى الجميع فى البؤس، ولازال البعض يطلب من الناس أن تمنح ولاءها لنفس ذاك الآمر بالأمر القائم على الحكم والحكومة. ولا يزال آخرون يخلطون بين الوطن وبين الحاكم فيتلاصقان ويصبحان رديفين لنفس الأمر! ولاؤك لوطنك إذن هو ولاؤك لحاكمك الواقف على حافة الدبابة، الجالس بعيدا عن وجع شعبه، السامح بانتشار الأمراض المستعصية كالفساد حتى أصبحت دولته تتصدر قوائم الدول الأكثر فسادا بين دول العالم كما هى تتصدر الدول الأكثر فقرا وجهلا ومرضا..
***
يستعد البعض بإجابات معلبة وجاهزة للتقديم، فتكون الجمل باردة كلوح الثلج ويبدو الأمر أكثر بعدا عن مفهوم الولاء الحقيقى القادر على البناء لا الولاء المساهم فى الهدم والهدر المستمرين حتى يفقر الناس.. وتبقى فئة وحيدة تطالبهم بأن يرضوا بفقرهم وأن يستمروا فى ولائهم لمن أفقرهم.. عجبى!