قصف الدوحة وأعباء ما بعد «النصر» الإسرائيلى
مواقع عربية
آخر تحديث:
الخميس 11 سبتمبر 2025 - 7:55 م
بتوقيت القاهرة
نشر موقع درج مقالًا للكاتب اللبنانى حازم الأمين، تناول فيه أن التفوق العسكرى الإسرائيلى يمنح تل أبيب قدرة على شن الحروب والتوسع، لكنه لا يكفى لبناء إمبراطورية مستقرة، إذ تواجه إسرائيل قيودًا ديموغرافية وجغرافية وأخلاقية تجعل مشروعها التوسعى مرهقًا لشعبها وعاجزًا عن تحقيق سلام أو استقرار طويل المدى، خاصة فى ظل سياسات نتنياهو التى تُفاقم الأعباء داخليًا وخارجيًا.. نعرض من المقال ما يلى:
هل يكفى التفوق العسكرى الإسرائيلى الهائل لإنشاء توازن تكون فيه لتل أبيب اليد الطولى فى كل الشرق الأوسط؟
الحكومة الإسرائيلية تتصرف على هذا الأساس. تقصف يوميًا ما يزيد عن ست دول. لا تقيم وزنًا لسيادة أى من هذه البلدان. ترتكب إبادة جماعية موصوفة فى غزة. تقضم مزيدًا من الأراضى فى الضفة الغربية. والقادم من الأيام يحمل مزيدًا من الوقائع التى ترتكبها هذه الآلة العسكرية العمياء، ولن يكون قصف الدوحة آخرها.
نحن هنا أمام إمبراطورية لا تتوافر فيها شروط الإمبراطورية. ففى نهاية المطاف، تبقى إسرائيل دولة محدودة الجغرافيا والديموغرافيا. نحو تسعة ملايين مواطن لا يتسعون لإمبراطورية. وقد أضيفت إلى هذا الاختلال حقائق حملها التصنيف الحقوقى الأممى لما يحصل فى غزة. إنها إمبراطورية صفرية الأخلاق، وعديمة الالتزام بما تتعهد به.
كيف يمكن لمواطن إسرائيلى أن يحمل كل هذه الأعباء التى يرخيها عليه بلده؟ فبنيامين نتنياهو لم يترك لهذا المواطن فرصة لالتقاط الأنفاس. تسعة ملايين إسرائيلى عليهم أن يستيقظوا كل صباح لكى يقصفوا بلدًا، هذا إلى جانب مهام أخرى لا تقل ثقلًا. عليهم أن يكونوا متفوقين دائمًا على أكثر من ربع مليار من البشر يقيمون فى محيطهم، فى كل مجالات الحياة.
الأرجح أن فشل المهمة الأخيرة فى الدوحة ناجم عن هذا الاختلال. قرر نتنياهو أن يقصف قطر! أقلنا ذكاء شعر أن فى هذه الفعلة تجاوزًا هائلًا ليس لواشنطن، إنما أيضًا لاتفاقات أبراهام.
نتنياهو عبء علينا وعلى العالم، وعبء على إسرائيل أيضًا، ذاك أنه يورث هذا الكيان إرثه القائم على القطيعة مع الجغرافيا والديموغرافيا (ما اقترحه أستاذ والده زئيف جابوتنسكى)، يعينه على ذلك الاختلال الهائل فى موازين القوى، الناجم عن أنظمة التخلف والاستبداد التى تحيط بإسرائيل. النصر السهل على حزب الله فى لبنان لم يكن إنجازًا عسكريا فائقًا، بقدر ما كان كشفًا لركاكة المنظومة التى أنشأتها إيران فى لبنان.
سنتان من القتال فى غزة نجمت عنهما إبادة ارتكبتها آلة عسكرية عمياء، وهى إلى اليوم تتعثر فى الحسم بانتظار نضوج ظروف الترحيل. حرب الثلاثة عشر يومًا على إيران لم تحسم الملف، وما بقى منها لا يزيد عن أن تل أبيب أثبتت أن فى إيران نظامًا كرتونيًا، لكن ليس بيدها إسقاطه، وها هو دونالد ترامب يعيد الطائرات الإسرائيلية التى كانت متوجّهة إلى مقر المرشد فى طهران. ومن المحتمل أن ترامب هو من أفشى سر الطائرات المتوجهة إلى الدوحة وأفشل العملية.
يُمكّن التفوق العسكرى الإسرائيلى نتنياهو من النصر على حزب الله، وقد يدغدغ سُذجًا لبنانيين بأنه جاء من يريحهم من إيران، لكن دولة كإسرائيل من المفترض أن تفكر بما بعد الحروب، وبما بعد نتنياهو، وهذا ما يقطع نتنياهو الطريق عليها به. إسرائيل هى اللحظة التى تغير بها الطائرة على هدف وليس أكثر. هذا ما تفعله الآلات والأجهزة وليس الدول. ماذا بعد الغارة على الدوحة؟ إعلان النصر على حماس؟ ثم ماذا؟ ذهول العالم الذى خلفته الغارات على الدوحة مصدره بالدرجة الأولى السؤال عن الهدف من الغارات، والأثمان التى ستقع على كاهل إمبراطورية التسعة ملايين إسرائيلى.
ليس فى إسرائيل اليوم من يفكر بأعباء ما بعد النصر، بأثقال السمعة القاتمة التى خلفتها الإبادة فى غزة. والمذهل أنه ليس فيها من يسأل عن استحالة السلام حتى مع أكثر الناس تساهلًا مع الارتكابات، وأكثرهم إعجابًا بـ"الفاعلية الإسرائيلية".
دولة من تسعة ملايين مواطن لم تطرح على نفسها غير سؤال الحرب. الأمر مرهق فعلًا، وعلى أى عاقل فى إسرائيل، لا يطمح إلى أن يكون جنديًا، أن يحزم أمتعته.
النص الأصلى: