البيوت أسرار
محمود قاسم
آخر تحديث:
الجمعة 11 أكتوبر 2024 - 7:35 م
بتوقيت القاهرة
حاول المخرجون اقتباس قصة فيلم «أيام النبيذ والورد» إخراج بيلى وايلدر 1962، لكن تفاصيل الموضوع لم تكن تصلح أبدًا للمتفرج المصرى، ولعل المخرجون يعرفون قصة الفشل الشديد الذى مر به فيلم مصرى باسم «فى صحتك» حول الوقوع فى إدمان الخمور، مثل هذه الموضوعات كريهة ومحرمة ولا تدفع المتفرج لمشاهدتها، ولذا فإن المخرج السيد زيادة ومعه كاتب السيناريو أحمد ثروت قد قاما بتشفية الفيلم الأمريكى من مضمونه الحقيقى ليتحول الإدمان، من تعاطى الخمر، إلى موضوع عائلى آخر وهو القمار، صحيح أن الخمور تسرى فى جسد من يتعاطاها وأيضا فى عقله وقد تحوله إلى (drunk) يفقد السيطرة على نفسه، وكم رأيت هذا النموذج الإنسانى فى الطرقات بالمدن الأوروبية التى زرتها، وكان مثيرا للرثاء بشكل واضح، وعلى الجانب الآخر كان لى زميل فى العمل يذهب كل ليلة خميس إلى أصدقائه حيث مائدة القمار فلم يتوقف أبدا عن اللعب مهما بلغ من العمر، لقد أثر هذا على سلوكه فكل ما أعرفه عنه أنه كان يتعامل مع الآخرين بريبة وترقب وتشدد، فتزوج كثيرا وأنجب أكثر مما تزوج، تذكرت كل هذا وأنا أعاود مشاهدة فيلم «البيوت أسرار» إنتاج 1971، فى هذه الفترة كان نور الشريف وميرفت أمين من النجوم الجدد، أما البطولة المطلقة فهى لشكرى سرحان فى دور ممدوح، وليلى طاهر فى دور الزوجة وفاء، هذان الزوجان يلعبان الميسر فى شقق الأصدقاء، يكسبان ويخسران كالآخرين، ولكنهما يستمتعان بمشاركة اللعبة، وفى حياة كل منهما أشقاء وأصدقاء يسعى كل منهم لبناء حياته، والمقصود هنا أن الزوجين عندما يقرران البقاء فى المنزل واللعب فقط مع نفسيهما فإن وفاء تستولى على أموال أختها بالإضافة إلى إهمال ابنها الوحيد خالد الذى يحتاج إلى رعاية وعلاج، ومثلما قام المخرج فى الفيلم الأمريكى بوصف الحالة النفسية التى أصابت الزوجة من الإدمان فلم تستطع السيطرة على نفسها، فإن وفاء فعلت الأمر ذاته، وساعد ذلك على انهيار بيتها، ليس هنا علاقتها بزوجها وابنها ولكن أيضا بقية أفراد العائلة، لا أستطيع أن أقول أن السيد زيادة كان عبقريا فى تناوله لتفاصيل التى عاشها المقامرون فى هذه الأماكن الضيقة ولكن كل من شاهد أبطال الفيلم الأمريكى وهم فى حال يرثى إليه، يعرفون جيدا أن العبقرية هنا فى التفاصيل، بمعنى أنه فى بداية الأمور يكون الأشخاص طبيعيين بشكل ملحوظ، ثم يأتى الانهيار تدريجيا ويسرى فى المفاصل الإنسانية وفى البيوت، فتكون النهاية شديدة الألم، ولهذا السبب فإن السينما المصرية قدمت هذه القصة مرتين، وللأسف فإن هناك مسافة كبيرة بين تناول بيلى وايلدر لمصائر أبطاله، وبين ما حدث لأبطال كل من السيد زيادة وعدلى خليل.
السيد زيادة مخرج أخلاقى ارتبط لفترة بالممثلة درية أحمد وكان حريصا فى أفلامه على المسألة الأخلاقية التى دفعته لعمل تغيير جذرى فى السيناريو الأمريكى وعدم الاقتراب من إدمان الخمور المحرمة دينيا، ولكنه توغل فى موضوع قد لا يكون من دوائر اهتمام المواطن العادى، ألا وهو لعب القمار لدرجة الخسارة الفادحة، فأسرة ممدوح لم تحقق أى ربح من تلك الهواية، ولكنها خسرت القطعة تلو الأخرى فباعوا الأثاث والأشياء الثمينة، وخسروا الوليد الوحيد لهم وكأن الفيلم يقدم درسا أخلاقيا لكل المشاهدين أن العاقبة تأتى حسب ما فعله المرء فى أيامه السابقة.
يلاحظ أن هذا الفيلم كان نقطة فاصلة فى حياة شكرى سرحان الفنية حيث سرعان ما انتقل هو إلى الأدوار المساعدة، بينما صارت أدوار البطولة من نصيب الجيل الجديد الذى عمل فى هذه السينما أكثر من ثلاثة عقود متوالية.