التباكى على ماذا فى المشهد الأمريكى؟
علي محمد فخرو
آخر تحديث:
الأربعاء 11 نوفمبر 2020 - 9:30 م
بتوقيت القاهرة
لا يستطيع الإنسان، مهما أوتى من قدرة على التفهُم والتسامح، أن يدرك الأسباب الموضوعية التى قادت بعض كتاب ومثقفى وإعلاميى دول الخليج العربية إلى ذرف الدموع والتباكى على فشل الرئيس الأمريكى السابق فى تجديد ولايته، والاستمرار فى ممارسة الحكم بطريقة ملها وتعب من مراهقاتها القاصى والدانى سواء فى أمريكا أو فى العالم كله.
وبعيدا عن الاتهامات والمناكفات التى لا تفيد دعنا ندخل مع ذاك النفر من المتباكين فى مناقشة تحليلية متوازنة لعلها تنير الطريق لنا جميعا.
فأولا: ارتكب هذا الرجل، خلال الأربع سنوات السابقة من حكمه، أبشع الممارسات السياسية بحق الأمة العربية وقضاياها القومية الكبرى. فخلافا لمواقف كل دول العالم وللشرعية الدولية وكل قرارات وتحفظات هيئة الأمم عبر سبعين سنة شرعن الاحتلال الاستعمارى الاستيطانى الاستئصالى لكل فلسطين، سواء عن طريق بناء مزيد من المستعمرات أو ضم مزيد من أراضى الضفة الغربية للكيان الصهيونى. ولكى يركع السلطات الفلسطينية أوقف المساعدات المالية الأمريكية المحدودة للسلطة ثم أتبعها بإيقاف الدعم الأمريكى للأونروا من أجل تدمير خدماتها التربوية والصحية للأطفال الفلسطينيين والإمعان فى إذلالهم وتجويعهم.
وتحديا واحتقارا لمشاعر المسلمين والمسيحيين فى كل بلاد العرب والمسلمين أعطى مدينة القدس للكيان الصهيونى كعاصمة أبدية له ونقل سفارة بلاده إليها. ثم تعامل كرئيس مافيا إجرامية وقدم الجولان السورية العربية المحتلة كهدية لذلك الكيان، ضاربا بعرض الحائط كل الأعراف والقوانين والقرارات الدولية بشأن أية أراض محتلة.
وحتى للذين قدروه وأظهروا كل احترام له فى بعض دول الخليج العربية بادلهم بالابتزاز والسخرية والاحتقار عندما طالبهم بحصة فى ثرواتهم البترولية بشتى الوجوه والصور الانتهازية، وتجرأ بأن هددهم بأن عروشهم وأنظمة حكمهم ستتساقط خلال أسبوعين إذا أوقف الدعم الأمريكى العسكرى والأمنى والسياسى عنهم.
دعنا نطرح السؤال التالى على أولئك الكتاب والمثقفين والإعلاميين المتباكين: أليس فى تباكيكم على غياب مثل هكذا شخصية كارهة ومحتقرة ومتآمرة على أمتكم وعلى أوطانكم الصغيرة، أليس فى ذلك تخل منكم عن قيم والتزامات عروبتكم ودينكم وإنسانيتكم، وعن الفضائل الأخلاقية الملازمة عادة لأصحاب الضمائر الحية الرافضة للظلم وللإجرام؟
وثانيا: حتى لو افترضنا أنكم لا يهمكم ما فعله هذا الرجل بحق أمتكم، وما ذكرناه هو فى الواقع جزء محدود من قائمة طويلة لما ارتكبه هذا الرجل من أخطاء وتعديات فى ساحات عربية من مثل سوريا والعراق والسودان ومصر واليمن وليبيا ولبنان، أو ما ارتكبه بحق العرب والمسلمين المواطنين فى أمريكا نفسها، فهل تبكون على غياب شخصية سياسية مجها الملايين من الأمريكيين وسكان العالم وأظهر عشرات الكتاب وأخصائيو علم النفس والمفكرون الموضوعيون فى العالم ما بها من تشوهات نفسية وسلوكية وفكرية بالغة السوء والسلبية، مما يمثل خطرا حقيقيا على الحياة السياسية والأمنية والبيئية العالمية؟
إن مراجعة لبعض ما كتب عن هذه الشخصية خلال الأربع سنوات الماضية تظهر أننا أمام شخصية نرجسية لم يتعاملوا مع مثلها من قبل، والمحللون السياسيون وصفوها بأنها شخصية ديماغوجية عدوانية متطرفة لا تهتم بالأعراف السياسية والبروتوكولية التى مورست عبر القرون.
وعندما تستشعر الخطر من إمكانية الفشل فى الانتخابات تلجأ إلى اتهام الغير بالتزوير والسرقة فى عد أصوات الناخبين. وهى شخصية تخلط الشخصى بالعام، تماما كما تفعل ديكتاتوريات العالم الثالث، وبالتالى لم تتردد فى التفاخر أمام الناخبين بأن صاحبها اشترى السياسيين وتجنب دفع الضرائب وتحايل فى مشروعاته الخاصة.
ولذلك يخرج كل من كتبوا كل ذلك، وأكثر منه بكثير، باستنتاج مقلق وهو أنهم أمام أخطر رئاسة أمريكية عرفها التاريخ الأمريكى.
نعود لنسأل المتباكين: هل حقا أن ضمائركم وإنسانيتكم وقيمكم الأخلاقية تقبل وتأمن لأن تحتل هكذا شخصية قيادة أهم وأقوى وأغنى دولة فى العالم، والتى لها بالتالى تأثيرها السياسى والاقتصادى والعسكرى والثقافى على العالم كله بما فيه الوطن العربى؟
دعنا نوضح الصورة حتى لا تلتبس الأمور: إن الذين فرحوا بنتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة لم يكن فى بالهم الانحياز لهذه الشخصية الأمريكية أو ذاك الحزب الأمريكى. فهذا شأن يخص الشعب الأمريكى، وإنما ضرورة غياب تلك الشخصية القيادية الأمريكية السابقة عن حياة العرب وعن مسرح العالم، بعد أن أظهرت أحداث وتصرفات وتوترات كثيرة أن أمة العرب وكثير من بلدان العالم كانوا يعيشون تحت كابوس مخيف مرعب خطر طيلة الأربع سنوات الماضية، وأن من حقهم أن يتنفسوا الصعداء.
مفكر عربى من البحرين