موقعة أمستردام

طلعت إسماعيل
طلعت إسماعيل

آخر تحديث: الإثنين 11 نوفمبر 2024 - 6:25 م بتوقيت القاهرة

الاحتضان الأوروبى لإسرائيل الذى أنشئ بوعد بلفور البريطانى المشئوم، وقام على المذابح ضد الفلسطينيين بالسلاح الأمريكى، شجع الإسرائيليين على ارتكاب المجازر الدموية بحق مئات الألوف من الفلسطينيين، وعمليات الإبادة الجماعية فى غزة خير شاهد معاصر على الجرائم الصهيونية بحق الفلسطينيين خصوصًا، والعرب عمومًا، على مدى تاريخ الدولة العبرية الذى يحفل بمئات الوقائع المخزية بحق العزل من الأطفال والنساء الفلسطينيين من دير ياسين حتى الآن. ‎

إفلات الإسرائيليين من العقاب على الجرائم المتواصله منذ أكثر من سبعين عامًا، وتدخل الفيتو الأمريكى فى مجلس الأمن، والدعم العسكرى والتمويل المادى الذى لا ينقطع من الغرب، أصاب الإسرائيليين بهوس التفوق، وبنعرة استعلاء ظنوا أنها تمنحهم حق الاعتداء على كل ما هو عربى أو فلسطينيى فى أى مكان، خاصة فوق الأراضى الأوروبية التى يعتبرونها فناء خلفيًا لارتكاب ما يحلو لهم من جرائم من دون عقاب. ‎

هكذا يجب أن نفهم ما جرى فى العاصمة الهولندية أمسترادم من أحداث سبقت وتلت مبارة كرة القدم التى أقيمت بين فريقى مكابى تل أبيب وأياكس أمسترادم، والتى هزم فيها الفريق الإسرائيلى بخمسة أهداف مقابل لا شىء. ‎

ذهب مشجعو الفريق الإسرائيلى إلى ملعب المباراة وغالبيتهم «ألتراس» معروف عنهم العنف والشغب إلى هولندا تسبقهم تهديدات باحتلال أمستردام ، قبل صيحات «الموت للعرب» و«الموت للفلسطينيين» فى طريقهم لدخول الاستاد الذى ستقام عليه مباراة مكابى تل أبيب وأياكس أمستردام، ورفض المشجعون الإسرائيليون المشاركة فى الوقوف دقيقة حدادًا على أرواح ضحايا الفيضانات التى ضربت إقليم فالنسيا الإسبانية.

‎لكن شرارة الأحداث التى صورها العديد من مقاطع الفيديو التى انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعى ونقلتها المواقع الإخبارية عبر العالم، استعرت عقب قيام عدد من المشجعين الإسرائيليين الذى تحدثت تقاريرعن أن بينهم جنودًا، وعناصر من الموساد، بنزع العلم الفلسطينى من أحد المبانى، واعتدوا على سيارة أجرة يقودها شاب من أصول عربية.

‎أعتقد المشاغبون الإسرائيليون أن الحماية الأوروبية لدولتهم العنصرية يعطيهم الحق فى الاعتداء على العرب والفلسطينيين أينما وجدوا، وهو ما استفز الجالية المغربية الكبيرة وشقيقتها التركية المقيمة فى هولندا، فردوا على المعتدين الإسرائيليين، ليتطور الأمر إلى معارك بالأيدى، والأسلحة البيضاء أصيب خلالها 10 إسرائيليين، قبل أن تتدخل الشرطة وتعتقل العشرات فى محاولة للسيطرة على الموقف.

عقب هذه الموقعة سارع القادة الإسرائيليون، وفى مقدمتهم قاتل الأطفال والنساء بنيامين نتنياهو إلى النواح والصراخ، وأطلق الاتهامات الجاهزة بمعادة السامية، التى لا تزال - للأسف - تلقى رواجًا فى أوروبا، التى يتجاهل العديد من قادتها توجيه اتهامات مماثلة بالعنصرية والكراهية لمن يقومون أمام العالم كله بذبح الفلسطينيين وإبادتهم!

‎فى موقعة أمستردام، وأنا هنا استند إلى الصديق العزيز الدكتور محمد عبود، مدرس الدراسات الإسرائيلية بجامعة عين شمس، «بنت تل أبيب أكاذيب كثيرة حول المصادمات بعد المباراة، وبدأ الإعلام الإسرائيلى بكائية ومظلومية، واتهامات بالاضطهاد ومعاداة السامية والقول إن إسرائيل كانت تحارب على ‏‏7 جبهات ثم انفتحت جبهة ثامنة فى أمستردام».

وفى تقدير عبود، خلال نقاش دار بيننا، فإن المصادمات مع جماهير مكابى لم تكن بسبب ديانتهم أو لأنهم يهود، لكنها حدثت لعدة أسباب: بينها ‏سفالتهم وصياحهم بألفاظ بذيئة بحق العرب، حيث تسلقت ‎مجموعات همجية من مشجعى مكابى مبنى هولندى ومزقت العلم الفلسطينى، وهتافهم «سيبوا جيشنا ينتصر.. ويفعل (لفظ فاحش وسوقى) بالعرب.. غزة بلا ‏تعليم.. قتلنا أبناء الفلسطينيين». ويشير عبود إلى أن بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية مثل «هاآرتس» اضطرت، بعد نشر الفيديوهات البذيئة، إلى توجيه أصبع الاتهام نحو المشجعين ‏الإسرائيليين، خاصة بعد انتشار فيديو اعتداءات وقعت فى أثينا، ويوثق ضرب فلسطينى ضربًا مبرحًا على يد جماهير مكابى فى مارس الماضى. ‎

لا يحق للإسرائيليين إذن وقد وثقت مقاطع فيديو عدة جرمهم المشهود فى أمستردام، البكاء والصياح بمعاداة السامية، وعلى من يحمونهم فى الغرب أن يكونوا منصفين، ويرفعوا الأخشاب عن عيونهم، ويروا عنصرية وهمجية الإسرائيليين.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved