برفضه لقاء نائب الرئيس الأمريكى مايك بنس، احتجاجا على اعتراف الولايات المتحدة بالقدس المحتلة عاصمة للكيان الصهيونى، يثبت الدكتور أحمد الطيب، انتماءه لشجرة الأزهر الشريف، وافرة الظلال، والضاربة فى عمق التربة المصرية، ويؤكد أن جينات من يعتلون مقعد الإمام الأكبر، تتجلى بصدق وقت الأزمات بانحيازها الكامل لشعبها وأمتها، فلا تقبل ضيما، أو تصمت على ظلم.
لم يركن الإمام الأكبر إلى إعلانات الشجب والإدانة جاهزة التعليب التى خرجت من أدراج المسئولين العرب هنا وهناك، أو تلك التى مثلت ابراء للذمة من بعض القوى السياسية، تجاه الخطوة الأمريكية، التى تجاوزت كل الحدود فى دعم الكيان الصهيونى على مدى عشرات السنين، بل سارع، قبل الجميع، إلى اتخاذ الموقف العملى الذى يمثل صفعة لإدارة ترامب، ورسالة واضحة من المرجع الأكبر فى العالم الإسلامى ضد ساكن البيت الأبيض، وقراره الأرعن والـ«باطل شرعا وقانونا».
الشيخ الطيب، وحسب بيان الأزهر الشريف، قال إنه «لا يمكن أن يجلس مع من يزيفون التاريخ ويسلبون حقوق الشعوب ويعتدون على مقدساتهم». وبعد أن أعلن رفضه التام للقرار الأمريكى الذى «أعطى فيه من لا يملك لمن لا يستحق» جاءت كلمات الإمام الأكبر القاطعة التى تنحاز قلبا وقالبا إلى الاشقاء فى القدس المحتلة مؤكدا لهم أننا «نحيى صمودكم الباسل، ونشد على أيديكم، ولتكن انتفاضتكم الثالثة بقدر إيمانكم بقضيتكم ومحبتكم لوطنكم ونحن معكم ولن نخذلكم».
موقف شيخ الأزهر الذى لقى ترحيبا واستحسانا فى الأوساط السياسية والشعبية، عرى فى طريقه العديد من المتخاذلين، واولئك الذين تواصل ترامب معهم قبل اتخاذ قراره المشئوم، واستدعى للأذهان حال التردى الذى أوصلنا إليه الحكام العرب بهوانهم على أنفسهم والناس، مقابل التشبث بكراسيهم، التى لا يتخلون عنها إلا بالرحيل المهين، ولعل ما حدث للقذافى فى ليبيا، وعلى عبدالله صالح فى اليمن، وغيرهما خير دليل.
كما أن دعوة الأزهر الشريف إلى مقاطعة المنتجات الأمريكية والصهيونية، وغضب الشيخ، وموقفه غير الموارب، الذى يجسد وعيه بدور الإمام الأكبر وقت المحن التى تحيط بالأمة، عضد منه رفض البابا تواضروس الثانى، استقبال نائب الرئيس الأمريكى، بما يؤكد موقف الكنيسة المصرية الأرثوذكسية الثابت، والمدرك لخطورة التلاعب بورقة القدس المحتلة.
الشعوب العربية، قدمت تضحيات لا يستهان بها فى سبيل نصرة القدس المحتلة، والمسجد الاقصى المبارك، وبمقدسات المسيحية، ولا تزال على استعداد لتقديم المزيد، شريطة أن تتاح لها الفرصة الحقيقية، وأن يقوم الحكام العرب بدورهم فى الدفاع عن الحقوق، وليس تقديم المزيد من التنازلات أرضاء لساكن البيت الابيض، وحليفه الصهيونى بنيامين نتنياهو، الذى يرقص الآن نشوانا بخطوة راعيه الأمريكى.
التظاهرات التى خرجت إلى عدد من الشوارع والميادين فى هذه العاصمة أو تلك، وعلى الرغم من شكر أصحابها عليه، غير أنها لا تكفى فى مواجهة القرار الأمريكى الذى جاء تتويجا للحروب التى شنها الكابوى على المنطقة، وورط فيها أطرافا عديدة، والمطلوب ما هو أكبر وأكثر عملية.
الحكومات العربية مدعوة لتهديد المصالح الأمريكية بدءا بالمقاطعة الاقتصادية، وليس انتهاء برفض التعاون الأمنى والعسكرى الذى تحتاجه الولايات المتحدة، ويمكن أن يشل حركتها فى واحدة من المناطق الحيوية لبسط نفوذها على العالم، الآخذ فى التآكل.
لم نعد كشعوب نقتنع بمناورات الشجب والإدانة، وبيانات الهواء الفارغة، كما أن القوى السياسية مدعوة لتجاوز مرحلة التحركات الموسمية التى ترافق مثل هذه الأحداث، ثم يعود الجميع للبيات الشتوى من جديد.. القدس تضيع إلى الأبد أمام أعيننا، والإرهاب سيجد وقودا جديدا لتبرير عملياته القذرة، وليتنا جميعا ندرك خطورة الموقف ونتحمل مسئولياتنا، كما فعلها الشيخ الطيب والبابا تواضروس.