أسوأ وأحمق قرار هذا الأسبوع، كان سفر وفد من مملكة البحرين إلى إسرائيل يوم السبت الماضى.
ويفترض أن يتم تدريس توقيت سفر هذا الوفد باعتباره الأسوأ على الإطلاق دبلوماسيا، حيث جاء بعد ثلاثة ايام من قرار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بنقل سفارة بلاده للقدس العربية المحتلة.
العالم أجمع انقلب رأسا على عقب، وانتقد قرار ترامب، والمظاهرات والاحتجاجات عمت معظم أنحاء العالم، بما فيها امريكا. وبينما كان جنود الاحتلال يقتلون ويصيبون الفلسطينيين المحتجين على القرار، كان الوفد البحرينى يلتقى مسئولين فى الحكومة الإسرائيلية!!
الوفد ضم ٢٤ شخصا أعضاء فيما يسمى جمعية «هذه هى البحرين»، وزار الأماكن الدينية للمسلمين والمسيحيين واليهود استنادا إلى ما اسماه: «مبدأ التسامح والتعايش الذى يعد نهجا لمملكة البحرين وسمة من سمات المجتمع فيها»!!
القناة الثانية الإسرائيلية فضحت الزيارة ونشرت صورا لأعضاء الوفد وهم يبتسمون، وكأنهم فى زيارة لجمعية اطفال خيرية، وليست لكيان يواصل قتل شعب عربى شقيق وتدمير فلسطين واستباحة الاقصى!!
وحسنا فعل بعض اهالى القدس العربية بمنع الوفد من دخول المسجد الاقصى، وكذلك رفض اهالى غزة دخولهم، وتوعدوا باستقبالهم بـ«البيض الفاسد»!!
على المستوى الشخصى أنا ضد التطبيع مع هذا العدو، حتى يعيد الحقوق العربية المغتصبة منذ ٥ يونيو ١٩٦٧، وعكس ذلك يعد مكافأة تزيده تصلبا وتشددا.
وقد جرب بعضنا فكرة المكافأة عبر التطبيع، منذ زيارة السادات للقدس فى نوفمبر ١٩٧٧، ولم تثمر شيئا. البعض يعذر الحكومات أحيانا فى إقامة العلاقات مع العدو، لكن لماذا تتطوع بعض الجمعيات والمؤسسات المدنية والشعبية لتقديم هذه الهدايا المجانية للعدو؟!
الأسئلة المحيطة بهذه الزيارة كثيرة ومريبة.
مثلا من هو هذا «الفالح والذكى والمحترف» الذى اختار هذا التوقيت؟ ألم يكن يعرف أن العالم بأكمله مقلوب رأسا على عقب ضد ترامب وإسرائيل بسبب قرار نقل السفارة؟!
جمعيات وشخصيات عربية كثيرة خرقت قرار منع التطبيع فى السنوات الاخيرة، لكن معظم ذلك مر من دون ضجة كبيرة، ولم يشعر به أحد مع تردى الأوضاع العربية عموما.
لكن هذا الوفد البحرينى ليس له حجة، لأن قرار سفره جاء بعد ثلاثة أيام من نقل السفارة، وكان يمكنه إلغاء الزيارة، وبالتالى فلا يمكن التماس أى عذر لهم.
حينما انكشف الأمر، أصدرت الجمعية بيانا تقول فيه إنها زارت إسرائيل بمبادرة فردية منها، وليست بتوجيهات من الحكومة البحرينية. وبالطبع هذا كلام لا ينطلى على طفل فى أولى ابتدائى، لان القناة الإسرائيلية نقلت عن فضل الجمرى قوله، إن «ملك البحرين حمله رسالة سلام لجميع أنحاء العالم، وأن الشيعة لا يحملون أى عداء لأى ديانة أو مذهب».
تضيف القناة أن: «ملك البحرين سيسمح بدخول الإسرائيليين لبلاده من الآن فصاعدا، وأيضا إلى التجديد الشامل للكنائس فى البحرين».
انتهى الاقتباس وأضيف انه لا توجد جمعية أو جماعة أو منظمة عربية تزور إسرائيل من دون استئذان حكومتها، وموافقات اجهزة امنها المختلفة، خصوصا إذا كانت فى دول الخليج.
السؤال العكسى هل يمكن لهذه الجمعية مثلا أن تسافر لإيران هذه الأيام وتتجول فى طهران وقم ومشهد، وتلتقط الصور التذكارية هناك، بينما إيران تواصل التحريض على الأمن القومى البحرينى، وتدعم جماعات شيعية بعضها متطرف ويمارس العنف والإرهاب؟!
لو حدث ذلك فسوف يتم محاكمتها بتهم كثيرة منها الانضمام لجماعات إرهابية والتجسس!
السؤال المهم هو: ما الذى سوف تستفيده الحكومة البحرينية من الزيارة؟!. هل تعتقد المنامة ان اسرئيل ستساعدهم ضد التهديدات الايرانية، وحتى لو صدق ذلك، أليست هناك طريقة اقل فجاجة مما حدث؟!
طبعا حكاية تشجيع التسامح والاعتدال «كلام بطيخ وبلح» لا يقنع أحدا، خصوصا أن العدو لا يترك لأصدقائه أى فرصة ليبدو فى صورة الحمل الوديع!!
الرهان على اعتدال وتسامح الحكومة الإسرائيلية الحالية، مثل الرهان على سماحة واعتدال داعش، او انتظار ايمان ترامب وافيجدور ليبرمان بأفكار «جبهة النصرة»!!
قرار الزيارة أعطى صورة غاية فى السلبية عن الحكومة البحرينية. لو كنت مكانها لأصدرت توضيحا أعتذر فيه عن هذه الزيارة البائسة، والتى أصابت البحرين بأضرار كثيرة!