تفويض فرنسى
عماد الغزالي
آخر تحديث:
الإثنين 12 يناير 2015 - 8:05 ص
بتوقيت القاهرة
بالأمس، خرج الفرنسيون فى مظاهرات حاشدة ضد الإرهاب.
عشرات الآلاف من مواطنى الجمهورية الفرنسية وأوروبا، بمشاركة رمزية من دول العالم، استجابوا لمناشدة الرئيس الفرنسى «أولاند»، الذى طالب شعبه بـ«تفويض» لمواجهة العنف المحتمل من جماعات تهدد استقرار بلاده وأمن مواطنيها.
هل كان الرئيس الفرنسى فى حاجة إلى «تفويض» من الفرنسيين لمواجهة خطر ثلاثة افراد (الأخوان كواشى وكوليبالى)، نفذوا عمليتى الهجوم على صحيفة «شارلى إبدو»، والتى راح ضحيتها اثنا عشر شخصا، واحتجاز رهائن فى متجر يهودى، والتى سقط فيها خمسة قتلى بينهم كوليبالى نفسه؟
ألم يكن بوسع الرئيس الفرنسى أن يلجأ لنصوص القانون والدستور لمواجهة الخارجين عليهما، وأن يستخدم صلاحياته كاملة لردع الإرهابيين، دون حاجة إلى دعوة الفرنسيين للتظاهر لمؤازرته فيما ينتوى اتخاذه من إجراءات لحماية بلاده؟
هذا سؤال مهم للغاية، لكن تسبقه الطريقة التى تعامل بها الأمن الفرنسى مع منفذى العمليتين، وكما جرى، فقد تمت تصفيتهم فورا، دون حتى اكتراث بوقوع ضحايا بين المحتجزين كما جرى فى عملية احتجاز الرهائن فى المتجر اليهودى، أى أن قتل المذنب استلزم قتل أربعة من الضحايا الأبرياء، وبرغم ذلك، هنأ الرئيس «قوات النخبة» على نجاح العملية، وقدم وزير الداخلية الشكر لرجاله على مااتسمت به من كفاءة وحرفية عالية!
لماذا تعامل الأمن الفرنسى بسرعة وحسم مع الإرهابيين الثلاثة؟ لماذا لم يصبر عليهم يومين ثلاثة أو أسبوعين ثلاثة، فربما قلل ذلك عدد الضحايا بين المدنيين؟
الإجابة هى «هيبة الدولة»، باختصار ودون لف أو دوران.
فالإرهابيون الثلاثة حين قاموا بالعمليتين، وسواء جرى التنسيق بينهم أم لا، فإنهم قرروا أن ينالوا من هيبة الدولة، وأن يصغروا شأنها فى عيون مواطنيها، وأن يظهروا عجزها عن حمايتهم، ولذا كان الرد سريعا، لأن كل تأخير فى المواجهة، يسحب من رصيد ثقة المواطن فى دولته وقدرتها على أداء وظائفها وفى القلب منها حفظ أمن مواطنيها.
طيب، لماذا طلب الرئيس الفرنسى من مواطنيه تفويضا لمواجهة هذه الجماعات الخارجة عن القانون والساعية إلى النيل من هيبة الدولة وتقويض أركانها؟
لأنه سيلجأ إلى إجراءات أكثر عنفا على الأرض فى المرات القادمة، ولأنه سيتخذ قرارات من شأنها ردع هذه الجماعات ومحاصرتها وتضييق الخناق عليها، ولأنه لن ينتظر وقوع حوادث مماثلة ليتحرك، بل سيعمد إلى استباق المهاجمين بـ«توسيع دوائر الاشتباه»، وتنشيط عمل أجهزة الأمن فى أماكن تجمع الموالين لهذه العناصر، يعنى بوضوح بين المهاجرين المسلمين، وربما تشهد الأسابيع المقبلة عمليات ترحيل واسعة للمقيمين غير الشرعيين، وتضييقا على راغبى الهجرة إلى فرنسا، واحتجاز من يشتبه فى دعمه لهذه الجماعات أو تعاطفه مع أفكارها.
سيكون الرئيس الفرنسى مضطرا لاتخاذ قرارات «خارجة عن المألوف» ولا أقول خارجة عن القانون، وستبدو مناقضة لتعاليم الثورة الفرنسية فى العدل والإخاء والمساواة والتسامح وقبول الآخر، وستضغط عليه الجماعات اليمينية المناهضة أصلا للمهاجرين خصوصا من شمال أفريقيا.
وستكون إجراءاته أشد عنفا وضراوة كلما عمد الإرهابيون إلى تحدى هيبة الدولة ومحاولة كسرها.
تذكرون طبعا الحادى عشر من سبتمبر؟
لم يكن هدفه تدمير برجى مركز التجارة العالمى وقتل العاملين فيهما، كان الأمر يتعلق بهيبة أمريكا.
ولذا كان انتقامها قاسيا وغشوما ومروعا، وعرفنا الآن أن عالم مابعد الحادى عشر من سبتمبر، ليس أبدا عالم ماقبل هذا التاريخ.
أتصور أن هذا وقت مناسب جدا لمخاطبة العالم وتصحيح الأوضاع، فقد اكتوينا نحن المصريين ــ ومازلنا ــ بنار الإرهاب الذى صنعه الغرب على عينه، وخرجنا بالملايين نفوض الرئيس السيسى لمواجهته، قبل أن يطلب «أولاند» تفويض الفرنسيين.
هذا وقت مناسب جدا لتقديم صورة حقيقية عن الإسلام، بوسطيته وعدله وسماحته وقبوله للآخر، وليس كما يقدمه «الإسلامجية» من تجار الدين، وهم أخطر على الإسلام من كل أعدائه.