لماذا لا تكون روسيا الوسيط فى مفاوضات سد النهضة؟
معتمر أمين
آخر تحديث:
الجمعة 12 مارس 2021 - 9:50 م
بتوقيت القاهرة
المتابع للعلاقات المصرية السودانية على مدار الثلاث سنوات الماضية يستطيع أن يلمح نبرة التغيير الحالى فى الخطاب. فالرسائل الواردة من السودان فى الآونة الأخيرة تثلج الصدر. فمن ناحية السودان أكثر قربا لمصر فى ملف سد النهضة. ومن ناحية ثانية العلاقات السودانية الإثيوبية تمر بمنعطف خطر. وقد تتعدد الأسباب لهذه المتغيرات، حيث يعزى البعض التغيير فى سلوك السودان إلى تغيير نظام الحكم. بينما يرجع البعض الآخر أسباب التغيير لشعور السودان بالمخاطر الحقيقية لسد النهضة. مما يجعلنا نسأل فى دهشة، وهل كان نظام البشير لا يدرك مخاطر سد النهضة، بحيث كان يظهر الحياد بينما يأخذ مواقف مؤيدة لإثيوبيا؟ والحكاية ليست صفرية، بمعنى مكسب مصر يأتى على حساب مكسب إثيوبيا. فمثل هذه المعادلة لا تصلح لحل التحدى المتمثل فى سد النهضة. بل يجب التوافق حول مكاسب لكل الأطراف، إذا أردنا اتفاقا دائما، يقوى على تحدى الزمن.
***
الجديد هذه المرة، هو حالة التقارب الفعلى بين مصر والسودان فيما يخص ملف السد الأثيوبى. وقد يكون ذلك نتيجة لجهود المخابرات والخارجية المصرية، وباقى الأجهزة والجهات المعنية. فعلى مدار الأعوام الثلاث السابقة نشطت الزيارات واللقاءات بين المسئولين فى البلدين، لاسيما بعد تغيير نظام الحكم فى السودان. ويبدو أن هذا التغيير سهل من الوصول إلى تفاهمات جديدة. وإليك ما قاله الفريق محمد عثمان الحسين رئيس أركان الجيش السودانى بعد توقيع اتفاقية عسكرية مع مصر مطلع مارس الجارى، «إن الاتفاقية تهدف لتحقيق الأمن القومى لكل من السودان ومصر». وأكد الفريق محمد فريد، رئيس أركان الجيش المصرى «أن مستوى التعاون العسكرى مع السودان، وصل إلى مستوى غير مسبوق». وأن القاهرة مستعدة لتلبية جميع طلبات الخرطوم فى المجالات العسكرية، موضحا أن السودان ومصر، يواجهان تحديات مشتركة.
ولقد أصدر البلدان بيانا مشتركا عشية زيارة وزيرة الخارجية السودانية لمصر، كان أهم ما جاء فيه الأمر المتصل بموضوع سد النهضة حيث «أعرب الوزيران عن القلق إزاء تعثر المفاوضات التى تمت برعاية الاتحاد الأفريقى، كما شددا على أن قيام إثيوبيا بتنفيذ المرحلة الثانية من ملء سد النهضة بشكل أحادى سيشكل تهديدا مباشرا للأمن المائى لجمهورية مصر العربية ولجمهورية السودان، وخاصة فيما يتصل بتشغيل السدود السودانية وتهديد حياة 20 مليون مواطن سودانى، كما أكدا على أن هذا الإجراء سيعد خرقا ماديا لاتفاق إعلان المبادئ المبرم بين الدول الثلاث فى الخرطوم بتاريخ 23 مارس 2015». لاحظ أن هذا البيان المشترك صدر فى القاهرة فى نفس توقيت عقد اتفاق عسكرى مع السودان فى الخرطوم. لاحظ أيضا الإشارة لإعلان المبادئ، حيث تفسر كلا من مصر والسودان على أن ما تفعله إثيوبيا يعتبر خرقا، بينما إثيوبيا تعتبر أن إعلان المبادئ يطلق يدها فى استكمال السد.
أما الأمر المثير للدهشة فى البيان فهو «تمسك البلدان بالمقترح الذى تقدمت به جمهورية السودان ودعمته جمهورية مصر العربية حول تطوير آلية التفاوض التى يرعاها الاتحاد الأفريقى من خلال تشكيل رباعية دولية تقودها وتسيرها جمهورية الكونجو الديمقراطية بصفتها الرئيس الحالى للاتحاد الإفريقى، وتشمل كلا من الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبى، والولايات المتحدة، للتوسط فى المفاوضات، حيث دعا البلدان هذه الأطراف الأربعة لتبنى هذا المقترح والإعلان عن قبولها له وإطلاق هذه المفاوضات فى أقرب فرصة ممكنة. وهنا نسأل بجدية، لماذا الولايات المتحدة؟ وهل كانت جادة من قبل فى التوصل إلى حل؟ لقد ذهبنا إلى واشنطن مع السودان وإثيوبيا، فى مفاوضات استمرت أشهر نهاية عام 2019 وبداية عام 2020 ولم نصل إلى شيء. ولماذا الاتحاد الأوروبي؟ ألم تستدعِ مصر سفراء ألمانيا وإيطاليا والصين فى أكتوبر 2019، للإعراب عن استيائها من استمرار شركات تلك الدول العمل فى بناء سد النهضة الإثيوبي؟ ولماذا لا تكون دولة أكثر حيادا مثل روسيا هى الوسيط فى المفاوضات، بما تملكه من علاقات تاريخية مع الأطراف الثلاث؟ باختصار أى دولة ساعدت إثيوبيا فى بناء السد لن تكون وسيطا، ولكن طرفا!
***
التقارب المصرى السودانى هو أفضل ما تحقق فى الفترة السابقة منذ تغير نظام الحكم فى السودان. الجديد أن هذا التقارب يأتى فى ظل استباحة إثيوبيا لبعض الأراضى شرق السودان حتى اتهم عضو مجلس السيادة الانتقالى بالسودان، الفريق أول شمس الدين الكباشى، إثيوبيا، بأنها تمارس ما يشبه الاستيطان الإسرائيلى، بسبب تعديها على الأراضى السودانية فى منطقة الفشقة. ولقد نجحت السودان فى استعادة هذه الأراضى عشية لقاء وزيرة الخارجية السودانية بالرئيس السيسى. وفى ضوء هذه التطورات قد نفهم مغزى تصريح الرئيس السيسى أثناء اللقاء «أن أمن واستقرار السودان يُعد جزءا لا يتجزأ من أمن واستقرار مصر». ثم تصريحه أثناء زيارته للسودان فى الأسبوع الثانى من مارس حيث «رفض أى نهج يقوم على السعى لفرض الأمر الواقع وبسط السيطرة على النيل الأزرق، من خلال إجراءات أحادية لا تراعى مصالح وحقوق دولتى المصب، وهو ما تجسد فى إعلان إثيوبيا عن نيتها تنفيذ المرحلة الثانية من ملء سد النهضة». نفس المفهوم أكد عليه رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك أثناء زيارته لمصر بعد أيام من زيارة الرئيس السيسي للسودان، حيث قال في مؤتمر صحفي جمعه بالدكتور مصطفى مدبولي، "هذا يتيح وقتاً قصيراً جداً للتعامل مع هذه المسألة". بينما علق رئيس الوزراء المصري قائلا، "لسنا ضد التنمية في إثيوبيا. نحن داعمين لها، ولكن بما لا يضر بمصالح شعبي مصر والسودان". لذلك الأشهر القليلة المتبقية إلى يوليو المقبل هامة فى ملف سد النهضة، فلو شرعت إثيوبيا كما أعلنت فى الملء الثانى بدون اتفاق، فإن هذا سيرسخ وضعا على الأرض يصعب تغييره، ناهيك عن التعامل معه. فما الذى يدفع إثيوبيا لتغير موقفها بعد النجاح عاما وراء عام فى ملء السد؟
لو كان الموضوع احتياج إثيوبيا للكهرباء والطاقة، فإن الحل ممكن. لكن أيا كان السبب فإن النتيجة واحدة. فالسد يتحكم فى المياه الواردة إلى كل من السودان ومصر! وهو حلم قديم، قد يظن البعض أنه يعود إلى فترة الستينيات أو ما قبلها بقليل. لكن التاريخ يظهر جوانب أخرى. لقد حاول ألفونسو دى ألبوكيرك، قائد الأسطول البرتغالى عام 1512 تحويل مجرى نهر النيل من الحبشة إلى البحر الأحمر، عن طريق تكسـير سلسـلة الجبـال الصـغيرة الممتـدة علـى جـانبى نهـر النيـل الأزرق فـى أرض برستى خواو/الحبشة، وإسقاطها فى النهـر لتحويـل مجراه ومن ثم قطـع المياه عن القاهرة وتبوير أراضيها وضرب اقتصادها. وكان هذا أثناء المواجهة بين المماليك والعثمانيين من جهة والبرتغال من جهة أخرى. هدف ألبوكيرك كان تحجيم النفوذ الإسلامى فى المحيط الهندى وحصره أو حصاره داخل الخليج العربى، والبحر الأحمر. واتفق ألبوكيرك مع ملك الحبشة لكن المهمة فشلت بسبب تفشى الأمراض فى جيشه وبسبب الهزيمة أيضا. علما بأن الهزيمة جاءت بتعاون عسكرى عثمانى مملوكي!