وفاء للأطباء وهيئات التمريض ومعاونيهم
محمود محي الدين
آخر تحديث:
الأحد 12 أبريل 2020 - 10:25 م
بتوقيت القاهرة
ذكرتنى هذه الملحمة التى يخوضها الأطباء وهيئات التمريض ومعاونوهم حول العالم بأعز إنسان إلى قلبى ــ أبى الطبيب صفوت محيى الدين الذى كان جملة رجال فى رجل واحد كما وصفته فى مقال منشور منذ عشرة أعوام.
اختتم أبى حياته فى عام 1982 بعد حياة ثرية مديرا للمعامل المركزية وأحد المتخصصين فى العلوم البكتريولوجية ومكافحة الأمراض المعدية والأوبئة، وعضوا بالبرلمان المصرى، ومشرفا على مزرعة الموالح التى ورثها عن والده، وراعيا لأرض أشقائه وأنسابه بكفر شكر، التى كان خادما مخلصا لأهلها وللعمل العام. ولما كان يعرف قيمة الوقت وتنظيمه فقد خصص منه ما سمح له بالإشراف على المنافع العامة لعائلة محيى الدين مثل المضيفة والمدافن وماكينة الرى الرئيسية. وكان بارا بأقربائه لا ينقطع عن زيارتهم وودهم فضلا عما كان يشهده التختابوش (أو المضيفة) من مئات الزائرين وأصحاب المطالب والمظالم يومى الخميس والجمعة من كل أسبوع دون انقطاع حتى لقى ربه.
كانت أعمال ومشاغل والدى هى حرفة هواياته فى الوقت نفسه، فقد كان يحترف ما يفعله مخلصا ويجد فيه متعة وشغفا. أما ولعه بالأدب والفنون وعشقه للتاريخ فكانا له كالطعام والشراب لا تكون الحياة بدونهما.
ربما كان هذا بفضل نشأته مع هذا الجيل الفريد الذى ولد بعد الثورة المصرية فى عام 1919، ربما ما كان من إحسان تعليمه فى عصر نهضة ساعية للاستقلال بنهل المعارف والأخذ بأسباب العلم وتذوق الأدب ــ عصر حافظ وشوقى و«قم للمعلم وفه التبجيلا»، ربما كانت المعاصرة لفترة النضال الوطنى فى الأربعينيات من القرن الماضى، وما تلاه من سنوات الآمال الكبرى، التى لم تنل من عزائم أصحابها إخفاقات ونكسات.
كان أبى وصحبه، باختلاف تخصصاتهم، وخاصة الأطباء منهم، يحملون هذه السمات والخصائص التى تميل إلى الموسوعية وتعدد الاهتمامات والمواهب، والتى أملت هذا التقدير البالغ للأطباء فى مجتمعاتهم. وقد أحسن التعبير عن هذه الصفات الكاتب والروائى عزت القمحاوى فى مقاله الأخير عن صورة الطبيب فى الأدب
وقد تلمست لمحات عن هذه الصورة الموصوفة إلى حد بعيد فى حياة أبى، وكذلك فى مسيرتى عمى وعمتى فقد كانا طبيبين أيضا. عمى الدكتور فؤاد محيى الدين كان سياسيا محنكا وخطيبا مفوها وتنفيذيا مخضرما كمحافظ لثلاث محافظات كبار (الشرقية والإسكندرية والجيزة) وبرلمانيا، ووزيرا للحكم المحلى وللصحة ولوزارات أخرى، ثم عمله كنائب أول لرئيس الوزراء، ورئيس للوزراء حتى وافته المنية فى مكتبه فى عام 1984. ووصف كتاب عنوانه «أربعون عاما من النضال» تاريخ حياته وأسلوب عمله وأثر تكوينه العلمى كطبيب على حياته العملية رغم انجرافه إلى العمل العام. ولم يمنعه عمله التنفيذى ومشاغله فى فترة حرجة من تاريخ مصر أن يقبل أن يكون وصيا على وعلى شقيقى الأصغر بعد وفاة والدنا وفاء لهو عملا بما تقتضيه الأصول والواجب. وقد كانت له معى بعض المواقف والنوادر قد يأتى الوقت لذكر بعضها.
أما عمتى الدكتورة ألفت محيى الدين فكانت من الرعيل الأول للطبيبات المصريات وتخصصت أكاديميا فى التحاليل الطبية، وكان لديها معمل تحاليل فى منطقة وسط البلد بالقاهرة كنت أذهب إليه طفلا فى زيارات مع أبى أو لعمل التحاليل فأعجب بكل هذه القوارير والأجهزة والحقائب الطبية ذات الأدراج والجيوب الصغيرة المقسمة هندسيا. كانت زوجة لطبيب شهير بارع أيضا هو الدكتور إبراهيم كمال الذى تخصص فى الولادة و أمراض النساء، وكانت من هواياته المفيدة لنا جميعا فن التصوير. فله يرجع الفضل فى احتفاظنا بصور تجمع العائلة فى زمن لم تكن فيه معدات التصوير ميسورة فى كل يد، كشأنها الآن مدمجة فى الهواتف المحمولة. وقد أنعم الله على عمتى ألفت رحمها بالذكاء والحكمة والكرم فكانت لأمى، خصوصا بعد وفاة أبى، شقيقة كبرى وكانت لى أما ثانية. ولم يكن هذا شأنى وحدى فقد اتسع وقتها ورجاحة عقلها وكتمانها وحرصها على تحقيق الصالح لكى تكون المستشارة الأولى والأخيرة فى شئون حياة أبناء أسرتنا على اختلافها.
فتحية للأطباء وهيئات التمريض ومعاونيهم، خط الدفاع الأول عن حياة الناس وصحتهم. واحتراما لمن جعلهم الله سببا فى شفاء الناس. وتقديرا لمن لا يمكن أن توفى أقدارهم منح أو زيادات مستحقة فى رواتب. وإعجابا بمن عرف الفضل لأصحاب الفضل فاصطفوا لفرق التطبيب وقوفا بتحية عسكرية فى الصين، وصفقوا لهم من الشرفات فى إسبانيا وإيطاليا وفرنسا، وغنوا لهم لردائهم الأبيض، كما فعل فى مصر الفنان المبدع مدحت صالح من كلمات عمر طاهر، وألحان عزيز الشافعى، وتوزيع كريم عبدالوهاب:
تعبك على راسى وعلى عينى
يا نجم عالى يا قصر عينى
نقلا عن الشرق الأوسط.