«بركان الغضب» تفضح المستور الليبى
عماد الدين حسين
آخر تحديث:
الأربعاء 12 مايو 2021 - 7:59 م
بتوقيت القاهرة
ما حدث فى العاصمة الليبية طرابلس يوم الجمعة الماضى، أمر شديد الخطورة، ويذكرنا بأن استقرار ليبيا، وانطلاقها للأمام، يحتاج إلى تجاوز عقبات وعراقيل جمة، وأن على المتفائلين أن يتواضعوا قليلا، لأن الواقع شديد البؤس.
المفترض أن هناك عملية سياسية شاملة انطلقت برعاية الأمم المتحدة والمجتمع الدولى وقادت إلى تكوين حكومة وحدة وطنية، انطلاقا من اجتماع جنيف فى فبراير الماضى.
تم اختيار عبدالحميد الدبيبة رئيسا للوزراء، ومحمد المنفى رئيسا للمجلس الرئاسى، إضافة إلى العديد من الإجراءات التى تستهدف تعزيز الثقة وإعادة بناء المؤسسات والجيش، وتعمير ما دمرته الحرب الأهلية المستمرة منذ عام ٢٠١٤، ومن بين أهم أسس المصالحة إخراج القوات الأجنبية والمرتزقة من البلاد، وتفكيك المليشيات التى هيمنت على المشهد السياسى منذ سقوط نظام معمر القذافى نهاية عام ٢٠١١.
لكن مساء يوم الجمعة فوجئ الجميع، بأن مليشيا «بركان الغضب» وهى خليط من إخوان وسلفيين ومتطرفين وقادة مليشيات، حاصرت فندق كورثينا وهو مقر اجتماع المجلس الرئاسى فى العاصمة، لإجبار رئيسه محمد المنفى، على إقالة وزيرة الخارحية نجلاء المنقوش، ورئيس جهاز المخابرات الجديد حسين محمد خليفة العائب، بحجة أنهم من مؤيدى قائد الجيش فى بنى غازى المشير خليفة حفتر.
هذا التطور يكاد ينسف العملية السياسية بأكملها، أو فى أفضل الأحوال يهددها فى مقتل، ويضع علامات استفهام كثيرة على مستقبل المصالحة فى ليبيا.
المليشيات بدأت التجهيز للحشد منذ مساء الخميس الماضى، واجتمع قادتها علنا فى مصنع التبغ الذى يسيطر عليه عماد الطرابلسى الرئيس السابق لجهاز المخابرات، وقال قادة الميلشيات إنهم يرفضون تعيين أى مسئول مؤيد لحفتر، أو ضد ثورة ١٧ فبراير فى الحكومة الجديدة.
وكان ملفتا للنطر أن محمد الحصان آمر المليشيات ١٦٦، دعا لتمرد مسلح ضد المجلس الرئاسى، بتهمة أنه رضخ لخليفة حفتر، وعين بعض من أيدوا وشاركوا فى حصاره لطرابلس قبل نحو العامين.
هذا ما حدث، ولا يمكن اعتباره إلا تمردا أو انقلابا صريحا ضد العملية السياسية التى أيدتها غالبية دول العالم والأمم المحدة ومجلس الأمن، ويفترض أن تكلل بانتخابات شاملة فى ديسمبر المقبل تحت رعاية حكومة الدبيبة الانتقالية.
المتمردون من المليشيات قالوا إن أيديهم على الزناد، حتى يتم إلغاء تعيين المنفوش والعائب، بل هناك تقارير أن هؤلاء المتمردين اختطفوا محمد المبروك مدير مكتب رئيس المجلس الرئاسى، فى حين تمكن محمد المنفى من الخروج من الفندق قبل دخول المتمردين.
مرة أخرى ما حدث يوم الجمعة شديد الخطورة، ويعنى ببساطة أن المليشيات ماتزال باقية وقوية، وهى ترفض تفكيك نفسها، أو إخراج القوات الأجنبية والمرتزقة خصوصا الذين أرسلتهم تركيا طوال العامين الماضيين، والأخيرة هى التى تمدهم بالمال والسلاح.
هذه المليشيات تدرك بجلاء أن تطبيق قواعد المصالحة، يعنى القضاء على وجودها، لأنه لا يستقيم وجود مليشيات مع حكومة موحدة أو جيش وطنى.
حكومة الدبيبة كانت تؤكد أنها تسيطر على الأوضاع، وأنها ستفرض سلطتها على كل مناطق البلاد، ثم فوجئنا بأنها غير قادرة عمليا على حماية مجلسها الرئاسى الواقع فى قلب طرابلس!!
مليشيا «بركان الغضب» هى خليط من اتجاهات متطرفة كثيرة، لكن أبرزها الإخوان المسلمون والسلفيون، ومليشيات مصراتة، وجميعهم تحالفوا مع رئيس الحكومة السابق فايز السراج فى التصدى لهجوم الجيش الوطنى بقيادة خليفة حفتر والذى حاول تحرير ليبيا، لكن التدخل التركى والتواطؤ الدولى منعا ذلك.
ما حدث يوم الجمعة كارثى، لكنه مفيد من ناحية ثانية، لأنه كشف حقيقة الأوضاع فى طرابلس العاصمة، وأنه قبل التفكير فى أى شىء، فلابد من التأكد من تفكيك هذه المليشيات المتطرفة، وإخراج القوات الأجنبية من ليبيا، وكذلك المرتزقة، سواء كانوا مع هذا الطرف أو ذاك، وبالتالى ومن دون تحقيق هذين الهدفين، فلا يمكن الحديث إطلاقا عن مصالحة وطنية حقيقية فى ليبيا. ما حدث درس جديد لكل من راهنوا وأيدوا تكوين مليشيات خاصة مسلحة تحت لافتات ومسميات براقة سرعان ما يتبين للجميع أنها الطريق الرئيسى لتفكيك الجيوش الوطنية والبلاد، وأمامنا نماذج واضحة فى سوريا ولبنان واليمن والعراق وغزة.