زيارة ترامب للخليج.. دلالات وتوقعات وتمنيات

نبيل فهمي
نبيل فهمي

آخر تحديث: الإثنين 12 مايو 2025 - 8:55 م بتوقيت القاهرة

يقوم الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، هذا الأسبوع، بزيارة السعودية والإمارات وقطر خلال الفترة من ١٣-١٦ مايو الجارى، يلتقى فيها كبار مسئوليها ومع عدد من قادة دول مجلس التعاون الخليجى.

 


إتمام هذه الزيارة قبل أى دول أخرى، بما فى ذلك الحليف الاستراتيجى الدولى التقليدى الحميم بريطانيا أو الحليف الأقرب فى الشرق الأوسط، وهو إسرائيل، له العديد من الدلالات، بل هى أول زيارة خارجية لترامب فى ولايته الثانية، باستثناء اشتراكه فى مراسم الفاتيكان فى وفاة البابا الكاثوليكى السابق فرنسيس، ولهذه الخطوة والأولويات والتوقيت دلالات مهمة تستحق التحليل المعمق والواقعى من حكوماتنا وشعوبنا لتوخى الحذر من مغبات بعض المواقف والاستثمار والاستفادة مما تطرحه من فرص وإمكانيات.
مع صحة المقولة إن المؤسسات الأمريكية الرسمية والكونجرس لها باع مهم فى توجيه السياسات الأمريكية، وأن أيدى الرئيس ليست مطلقة، فإن إتمام الزيارة للخليج كمحطة أولى تعتبر مؤشرًا مهمًا وواضحًا أن شخصية الرئيس الأمريكى ستؤثر بمعدلات متزايدة على مضمون وشكل السياسات الأمريكية، ويجب أخذ ذلك فى الاعتبار فى تحديد أسلوب التعامل مع الولايات المتحدة خلال سنوات الإدارة الحالية، نكون واعين وحذرين ومستفيدين، من أن ترامب يسعى للإنجاز المادى الملموس والسريع ويضغط دائمًا لتحقيق ذلك.
يجب أن نأخذ فى الاعتبار أن ترامب غير معنى بخلفيات تاريخيّة وقانونية، وغرضه النجاح المادى المباشر على المدى القصير، وعلينا أن نأخذ فى الاعتبار كذلك أنه يمكن تجنب ترامب بعض الوقت، والمناورة لعدم الدخول فى صدامات شخصية ومباشرة معه فى أغلب الوقت، وأحدث مثال لذلك-نتيجة للإعداد المسبق- عدم الاتفاق العلنى لرئيس الوزراء الكندى الجديد مع الرئيس الأمريكى فى البيت الأبيض دون الدخول فى مهاترات أمام الإعلام، وإنما ليس من المنطقى تصور أنه يمكن تجنب الولايات المتحدة كلية على مدى سنوات ممتدة، نظرًا لتشعب نفوذها، لذا يجب أن نكون واعين مسبقًا للمواقف والاحتمالات وحكماء وواقعين فى سياساتنا، لصعوبة وعدم ملائمة الاستجابة للكثير من اقتراحاته، والمبادرة والشجاعة فى طرح الأفكار والخيارات المختلفة لتوجيه الدفة نحو مصالحنا.
من الدلالات الواضحة لسرعة وأولوية زيارة ترامب للسعودية والإمارات وقطر تحديدًا أنه شخصيًا يرتاح للتعامل مع قيادات هذه الدول، ويرى فى علاقات الولايات المتحدة معها عوائد مادية وسياسية سريعة وملموسة، وهو ما يجب توظيفه ثنائيًا وإقليميًا، مع العلم أن ترامب يتوقع ويتطلع لسرعة اتخاذ قرارات والتوصل إلى اتفاقات معها، فى شكل صفقات أو اتفاقات سياسية، وهذا شىء يجب الاحتياط له وفى نفس الوقت استثماره خليجيًا وعربيًا أيضًا.
ومع تحفظى على الكثير من سياسات وممارسات ترامب أرى أن اهتمامه بالخليج وزيارته المبكرة شىء إيجابى ومفيد ويجب توظيفه، لأنه يعكس يقينه الشخصى بصعوبة مطالبة الأصدقاء بمواقف دون مراعاة مواقفهم ومطالبهم، ولعله من المفيد التذكير هنا أن إدارة أوباما تفاوضت ووصلت إلى اتفاق مع إيران حول البرنامج النووى دون التشاور مع أو حتى إبلاغ الأصدقاء العرب بما فى ذلك فى الخليج، رغم أنها المعنية مباشرة بذلك.
قضايا دولية عديدة ستطرح للنقاش منها العلاقات مع الصين والوضع فى أوكرانيا والإسهامات الخليجية الممكنة، وإنما ستكون العلاقات الثنائية الأمريكية مع الدول الثلاث على رأس قائمة اهتمامات الرئيس الأمريكى، سعيًا لإعلان ترامب والتباهى باستثمار خليجى فى الولايات المتحدة أو صفقات أسلحة بأرقام كبيرة خاصة فى مجال التسلح والذكاء الصناعى، وأعتقد أن الدول العربية المضيفة ستتعامل مع هذا المسعى بطرح مجمل صفقاتها واستثماراتها الأمريكية منذ انتخاب ترامب، وبعض الاستثمارات الجديدة، فضلًا عن الإعلان عن نواياها وطموحاتها المقبلة، ليتم وضع حجم التعاون والعائد المادى فى إطار أشمل وأوسع وأكبر، لإرضاء ترامب وتمكينه من توظيف ذلك سياسيا كإنجازات شخصية.
هذا وستتعدد القضايا السياسية الإقليمية محل البحث كذلك، وعلى رأسها المفاوضات مع إيران التى تفاجأت بها إسرائيل، وتتم تحت رعاية ووساطة عمانية، ويسعى ترامب لتحقيق إنجازات بشأنها مما انعكس على تصريحات المبعوث ويتكوف الذى تحدث عن إمكانية إحراز تقدم وكوسيلة ضغط حذر من تداعيات وخطورة الفشل فى ذلك.
ستكون الاتصالات الأمريكية الحوثية والوضع على شواطئ شرق إفريقيا محل بحث ونقاش، وهى أيضًا تتم تحت وساطة عمانية، ويجب تهنئة عمان على هذا الجهد والحنكة.
وكان الإعلان عن وقف إطلاق للنار مفاجأة غير سارة أخرى لإسرائيل، وارتباطًا بذلك قد يطرح موضوع الوضع فى السودان، ولا أتوقع أن يكون المشرق العربى على أولويات ترامب شخصيا فى المحطات الثلاث، وإنما من الطبيعى أن يتم التشاور حول أوضاع سوريا ولبنان، وكيفية تأمين عدم عودة النفوذ الإيرانى وضبط أمور المنطقة مع إسرائيل، ويرجح تناول بعض المسئولين الأمريكيين دون مستوى ترامب، غالب هذه النقاط وقد يتم التطرق أيضًا لاحتمالات تنامى التيارات المتطرفة واستقرار الوضع فى العراق.
وستكون أوضاع غزة والإفراج عن الرهائن المحتجزين على رأس القضايا الإقليمية، وعلى مستوى القمة، واتصالها بها من الطبيعى التطرق إلى قضية السلام الفلسطينى الإسرائيلى، خاصة ولم تنتهِ المساعى الأمريكية للبناء على ما أنجز فى ولاية ترامب الأولى، وقد تسربت أخبار عديدة غير مؤكدة بل بعضها مستبعد عن مواقف جديدة لترامب والولايات المتحدة، وتنويهًا لعدم ارتياحه لتصرفات نتنياهو، وصلت إلى درجة أن ترامب يتجنب الاتصال المباشر مع رئيس الوزراء الإسرائيلى.
ومن الأخبار المسربة إسرائيليًا أن ترامب سيعلن اعترافه بدولة فلسطين، وهو أمر نتمناه وإن كنت أستبعده فى الوقت الحالى، رغم أن اقتراحه فى ولايته الأولى شمل ضمنيًا إقامة دويلة فلسطينية على محور اقتصادى، وتسربت معلومات أن أمريكا وضعت خطة لتوفير المساعدات الإنسانية وإعمار غزة، ولها أعتاب سياسية غير متفق عليه إسرائيليا، منها وقف إطلاق نار وانسحاب إسرائيلى كامل على مراحل مع إنهاء الحرب، مع الموافقة على استمرار وجود حماس إداريًا فى غزة، وتأمين مسئوليها من الاعتداءات والاستهداف الإسرائيلى، على أن تكون هناك إدارة دولية وعربية وأمريكية متدرجة، وهى أمور تتعارض مع السياسات الإسرائيلية، وتتطلب دعمًا واستعدادًا عربيًا للمشاركة، كما ترددت أخبار غير مؤكدة أن الإمارات أبلغت أمريكا بأنها لن تساعد فى تمويل إعادة إعمار غزة أو فى إدارة القطاع فى ظل المناخ السياسى المتوتر القائم حاليًا.
تتوافر للدول المضيفة الثلاث فرصة فريدة للترويج المشروع لمصالحها وعلاقاتها بالولايات المتحدة، فرصة يجب انتهازها واستثمارها، وهو ما أتمنى وأتوقع الاستفادة منه بشكل استراتيجى واعٍ وسليم يأخذ فى الاعتبار الجوانب الاستراتيجية الإقليمية فى نفس الوقت الذى يتم فيه تناول المصالح الثنائية التكتيكية قصيرة الأجل.

 

 

نقلًا عن إندبندنت عربية

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved