من سيدير الأمن القومى؟
محمد المنشاوي
آخر تحديث:
الأحد 12 يونيو 2011 - 8:49 ص
بتوقيت القاهرة
لم تطح ثورة 25 يناير بالرئيس السابق حسنى مبارك فقط، بل أطاحت كذلك بمؤسسة «رئاسة الجمهورية»، كما كنا نعرفها منذ ظهورها بعد ثورة 1952. ويجب أن يسبب غياب مؤسسة الرئاسة كابوسا مزعجا للرئيس المنتخب القادم. هذا الفراغ المؤسسى، رغم ما له من حسنات، يترك رئيسنا الجديد فردا فى مواجهة سيل جارف من الأزمات والكوارث التى تهدد أمن مصر الداخلى والخارجى.
ورغم أن هناك وزارات وجهات سيادية تقوم بأدوارها الآن، إلا أن علاقة هذه الأجهزة بالرئيس حال انتخابه سيغلّفها الغموض والتوتر على أحسن التقديرات. لم تعتد المؤسسات السيادية المصرية على تغيير شخص رئيس البلاد. وخلال السنوات الثلاثين الماضية، لم تعرف هذه المؤسسات إلا مبارك رئيسا، ولم تعرف من الأحزاب إلا الحزب الوطنى الحاكم. تغيير ثقافة هذه المؤسسات وثقافة العاملين بها لن يكتمل خلال أشهر وربما يستمر لسنوات.
داخليا، أمامنا سرطان الطائفية القبيح، ومخاوف أزمة اقتصادية خانقة، إضافة لقضايا حقيقية تتعلق بمياه النيل، وأمن الغذاء وأمن الطاقة. خارجيا، نظرة شاملة على خريطة مصر، وحدود الدولة المصرية التاريخية، لا يمكن معها لشخص واعٍ إلا أن ينزعج، ويقلق على أمن مصر القومى.
أمن البحر الأحمر فى خطر! انهيار الدولة فى اليمن، ومن قبلها انهيار الدولة فى الصومال، ومع تنامى ظاهرة القرصنة البحرية، تزيد المؤشرات الدالة على احتمال اضطراب الملاحة فى قناة السويس. وهو ما يعنى خسارة مصر أكبر مصدر للدخل من العملات الأجنبية، الذى بلغ العام الماضى 4.8 مليار دولار.
وأمن الحدود الغربية فى مهب الريح، فالدولة انهارت تماما فى ليبيا، وانزلق الليبيون إلى حرب أهلية بين شرقها وغربها، فى وقت تلعب فيه قوى خارجية عديدة أدوارا مهمة.
ليبيا أصبحت مصدرا لتهريب الأموال والبشر والمخدرات والسلاح إلى مصر. ورغم وجود ما يقرب من 750 ألف مصرى فى ليبيا لا نعرف مصيرهم، إلا أننا ننتظر ونترقب فقط حسم الحرب هناك.
أما أمن الحدود الجنوبية فهو قضية لا نملك رفاهية تجاهلها، نهر النيل يمر ويجرى من السودان الجنوبى إلى السودان الشمالى حتى يصل لمصر. وفى الوقت الذى ستستخرج لدولة جنوب السودان الجديدة شهادة ميلاد من مقر الأمم المتحدة بعد أقل من شهر من الآن، وتحديدا يوم 11 يوليو القادم، لا يبدو أن مصر تعرف كيف تحدد مصالحها الجنوبية فى ظل وجود دولتين سودانيتين.
أما حدودنا الشرقية فى سيناء، فرغم سيطرة تنظيم حماس على قطاع غزة، ورغم وجود حدود تبدو مستقرة مع إسرائيل، إلا أنه لا يمكن أبدا التنبؤ بما سيأتى به الغد.
وإذا ابتعدنا قليلا، فلن نجد لمصر مصالح واضحة معروفة تحافظ عليها، أو حتى أهدافا استراتيجية، تسعى لتحقيقها فى منطقة الخليج العربى. كذلك لا يوجد لدينا تصور محدد للتعامل مع القوى غير العربية مثل إثيوبيا وإيران وتركيا، ناهيك عن إسرائيل. أما موقف مصر الرسمى مما يجرى الآن فى سوريا، فلم أجد ما يمكن الإشارة إليه.
مصر، تلك الدولة الأقدم فى العالم، لا يمكنها أن تظل تلعب دور المتفرج السلبى تجاه ما يدور فى إطارها الإقليمى.
تطورات الأحداث من حولنا سببت قلقا لبعض مفكرينا وكتّابنا، مما دعاهم للتعبير فى كتاباتهم عن الحاجة لوجود مجلس أمن قومى لمصر بعد نجاح ثورة 25 يناير. فلنتطرق لتفاصيل تشكيل هذا المجلس وأهدافه وطريقة عمله. يجب أن يهدف المجلس إلى تحديد واضح للمصالح السياسة والعسكرية والاستراتيجية للدولة المصرية، وكيفية المحافظة عليها، من خلال تقييم واقعى للأوضاع الداخلية والخارجية التى تؤثر فى مصر، وسلامة شعبها وحماية واتساع دائرة مصالحها.
وتعد ضرورة أن يؤسس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الآن وبسرعة، مجلس أمن قومى، يكون بمثابة الجهة الأساسية التى يعتمد عليها رئيس الجمهورية القادم، بمجرد توليه مهام منصبه، فى التعامل مع القضايا المهمة التى يترتب على الفشل فى إدارتها تهديدا لأمن مصر بمعناه الشامل. والأمن يتضمن ليس فقط القضايا العسكرية والنظام العام، بل يتوسع مفهوم الأمن ليضم الأمن الاقتصادى والمائى والبيئى والصحى وأمن الطاقة وغيرها من المقومات الأساسية للدولة. ويعد المجلس الذراع اليمنى للرئيس القادم فى تخطيط سياسات الدولة فى هذه المجالات.
ويرأس المجلس رئيس الجمهورية حال انتخابه، ويضم المجلس 18 عضوا أساسيا (غير متفرغين)، إضافة إلى مستشار الرئيس للأمن القومى، يختاره رئيس الجمهورية، ويقوم هذا المستشار بعدة مهام من ضمنها التنسيق بين عمل كل وحدات المجلس. ويجتمع المجلس بانتظام مرة واحدة شهريا، ويجتمع كذلك كلما دعت الضرورة.
وأعضاء المجلس هم: رئيس الجمهورية المنتخب، نائب رئيس الجمهورية، مستشار الأمن القومى، رئيس الوزراء، وزير الدفاع، رئيس هيئة الأركان، وزير الخارجية، رئيس جهاز المخابرات العامة، رئيس جهاز المخابرات العسكرية، وزير الداخلية، مدير جهاز الأمن الوطنى، خبير قانون دولى، خبير دبلوماسى، خبير موارد طبيعية (مياه ــ نفط ــ غاز)، خبير إعلامى، خبير مالى، خبير صحة، خبير تكنولوجيا، خبير شئون دينية ومجتمعية، خبير اتصالات.
ويكون المجلس مؤسسة مستقلة ملحقة برئاسة الجمهورية، ويساعد كل عضو فريق عمل يضم عددا محدودا من المتخصصين كل فى مجاله. ويجب ألا يتم جمع هؤلاء المتخصصين بين أى وظائف أو مناصب أخرى خلال فترة خدمتهم فى مجلس الأمن القومى. ويفضل أن نتخلص من عقدة الاستعانة بـ«أهل الخبرة» و«المشهود لهم بمواقفهم الوطنية»، وأن يتم الاستعانة بكفاءات متفرغة ممن لا تتعدى أعمارهم الخمسين عاما.
وهكذا يصبح مجلس الأمن القومى آلية محورية ترتكز عليها صناعة السياسة الأمنية لمصر بالمفهوم الواسع. ويمكن للمجلس صياغة التحالفات الاستراتيجية بين الأجهزة المصرية وغيرها من أجهزة الدول الصديقة، وأن يضع خطوطا حمراء واضحة لمصالح مصر الإقليمية. ويمكن أن تصدر قرارات المجلس بأغلبية أعضائه، ولا تكون قرارات المجلس نهائية إلا بعد موافقة مجلس الشعب المنتخب.
وفى واشنطن، والعديد من عواصم العالم المهمة، تتبارى مراكز التفكير والبحث، والمؤسسات الأمنية والاستخباراتية الحكومية وغير الحكومية، فى محاولة لفهم ما يحدث فى منطقتنا، ووضعه فى إطاره الجديد لخدمة مصالح هذه الدولة أو تلك. أما نحن فلم نبدأ بعد مهمة فهم واقعنا الجديد وإدارة مصالحنا فى إطاره.
دول كثيرة غنية بمؤسساتها المختلفة، اختارت أن تنشئ مجلسا للأمن القومى لخدمة الرئيس وإمداده بكل ما يحتاج ليصنع سياسات الدولة بطريقة صحيحة. الولايات المتحدة أنشأت مجلسها للأمن القومى عام 1947، وأسست تركيا مجلسها عام 1961، وأنشأت إسرائيل مجلسها عام 1999، والمملكة السعودية عام 2005، كما أن للهند والبرازيل وعشرات الدول الأخرى مجالس لأمنها القومى. علينا ألا نتراخى فى تأسيس مجلس أمن قومى مصرى حقيقى فى زمن يهدد أى تأخير الكثير من مصالحنا القومية.