الفراغ مساحة لاكتشاف الذات

صحافة عربية
صحافة عربية

آخر تحديث: الخميس 12 يونيو 2025 - 7:15 م بتوقيت القاهرة

نشرت جريدة الخليج الإماراتية مقالا للكاتبة شيماء المرزوقى، توضح فيه أن وقت الفراغ أصبح أمرًا لا يطاق للكثيرين، إذ تمجد الثقافة المعاصرة الإنتاج المستمر والانشغال الدائم، مما يعنى ارتباط قيمة الفرد بما ينجزه. هذا الأمر يجعل الراحة تبدو تقصيرًا، والتأمل ترفًا، والفراغ علامة على الكسل. ختاما، تؤكد الكاتبة أن الفراغ هو مساحة ثمينة من الوقت لإعادة الاتصال بالذات وترتيب الأفكار والإبداع.. نعرض من المقال ما يلى:

فى لحظة هدوء، حين لا يوجد شىء محدد لفعله، تجد الكثير من الناس يسرعون إلى هواتفهم، أو يشغلون أنفسهم بأى نشاط عشوائى. وكأن الفراغ.. ولو لدقائق، أصبح شيئًا لا يحتمل، قد يكون فى طابور الانتظار، أو فى لحظة استراحة، أو حتى خلال الجلوس فى المنزل دون جدول مزدحم. أصبح اللاشىء عبئًا، والهدوء خانقًا، أو شيئًا غير اعتيادى، بينما كان فى أزمنة سابقة يعتبر نعمة..

هذا النفور من الفراغ له أسس نفسية واجتماعية. نحن نعيش فى ثقافة تمجد الإنجاز والانشغال، وتربط القيمة الذاتية بالإنتاج المستمر، فأصبحنا، دون أن نشعر، نعتبر الراحة تقصيرًا، والتأمل ترفًا غير اعتيادى، والفراغ علامة على الكسل. فى المقابل، الشعور بالانشغال يمنحنا إحساسًا زائفًا بالأهمية، حتى لو كان ذلك الانشغال بلا هدف..

دراسة مثيرة للاهتمام نُشرت عام 2014 فى مجلة العلوم بعنوان: «فقط فكر: صعوبة البقاء مع العقل حين لا يشغله شىء»، هدفت إلى اختبار مدى راحة الأشخاص عند تركهم بمفردهم مع أفكارهم، دون أى مصادر ترفيهية. ووُجد أن كثيرًا من المشاركين شعروا بعدم الراحة لدرجة أن بعضهم فضّل الحصول على صدمة كهربائية خفيفة، على الجلوس فى هدوء دون فعل شىء لمدة 6 إلى 15 دقيقة.

النتائج تسلط الضوء على التحديات التى يواجهها الناس عند محاولة الانخراط فى التفكير التأملى، دون مشتتات. هذه النتيجة الصادمة تعبر عن مدى صعوبة تقبل العقل البشرى لفكرة الفراغ فى عصرنا الحديث، وكأننا فقدنا مهارة الوجود مع أفكارنا ببساطة.

الفراغ لا يعنى بالضرورة الفراغ العقلى، بل هو مساحة لإعادة الاتصال بالذات. فى لحظات السكون، تبدأ الأفكار العميقة بالظهور، وتتجلى الإبداعات الصغيرة التى لا تخرج وسط الضجيج. كثير من الفنانين والكتّاب والباحثين، أشاروا إلى أن أفضل أفكارهم جاءت فى لحظات بلا هدف، حين لم يكن هناك شىء يقوم بإلهائهم أو يشتتهم.

الفراغ، فى جوهره، ليس وقتًا ضائعًا، بل وقت يفسح المجال للهدوء، للتفكير، للخيال، أو حتى للراحة الجسدية والنفسية التى لا غنى عنها.

فى هذا العصر الذى يطالبنا بالركض المستمر، يصبح التوقف فعلًا عميقًا، والفراغ فرصة نادرة، لاكتشاف ما يدور فى داخلنا، حين لا يشتتنا أى شىء فى الخارج.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved