أوتوستراد الحرية
خولة مطر
آخر تحديث:
الثلاثاء 12 يوليه 2011 - 9:09 ص
بتوقيت القاهرة
هكذا علينا أن نبدأ من أول الحرف الأول. نقف عنده. نتمعن ما يمكن أن يقال الآن وليس كما كان يقال فى الماضى.. هذه منطقة تصرخ مطالبة بحق استعصى على شعوبها لسنين طويلة ووقف العالم يتفرج ربما يراقب مدى قدرة هذه الشعوب على الصبر حتى تعب الصبر من صبرها ربما!! ها هى الآن تحاول أن تخرج من ذاك القفص.. بل هى تخرج من جلدها تبتعد عن كل ذاك الإرث شديد التلوث والتلون. تبنى من جديد ربما إنسانا جديدا ليس فقط حرا ومصونة كرامته بل أيضا هو جزء من ذاك الكون الواسع.. هو مواطن ضمن البشرية الممتدة عبر البحار والمحيطات.. جزء من بشرية كثرت ألوانها وأعراقها وأديانها وطوائفها وأجناسها و..... جزء منهم أى أن نكون جزءا أيضا من تلك الثقافة الكونية.. أن نتعلم أن للآخر حقا كما هو لى وأنه على احترامه وأن هناك قواعد وأنظمة وأن العالم لا تحكمه الفوضى إلا أحيانا طبعا! ونحن نعرف متى تسيطر القوة تتلاشى العدالة!
<<<
تلك الصرخة التى بدأت تخرج من حناجر العرب.. كل العرب بمختلف ألوانهم وأعمارهم وأجناسهم وأديانهم تنادى بالحرية والكرامة والعدالة فترك العالم أشغاله والتفت اليها إلى هذه المنطقة وكأنه يرى ماردا استفاق من غيبوبة سريرية طالت حتى نسيت البشرية أن هناك بشرا يعيشون هنا.. فى هذا المكان.. هذه البقعة المعزولة عن ثقافة الحق والعدالة المفتوحة لكل سماسرة الدنيا!
حينما لفت شباب ونساء وشيوخ هذه الأرض أنظار العالم شكلت تلك مرحلة فى تاريخ هذه المنطقة فأصبح عليها، أى الشعوب العربية الثائرة، مسئولية جديدة أنها تأتى فى هذه المرحلة من تاريخ الكون وتبدأ ثورتها عندما استكانت الدول حتى قيل إن بعض الدول الصناعية بحاجة لتتعلم من ثورة الشعب المصرى والشعب التونسى وشعوب العرب التى لاتزال تدفع دمها قطرة قطرة من أجل الحرية والكرامة والعدالة.. هنا بدأ المختصون والمراسلون الصحفيون والمحللون فى تحليل الخطوة والصرخة والبيان والكلمة والجملة.. ولذلك برزت الحاجة إلى أن تكون هذه الثورات كونية.. بمعنى أن تكون باتساع العالم متفهمه ومناديه بالعدالة والحرية والكرامة لكل البشر دون تمييز أو تفرقة بين إنسان وآخر.. أن تحتضن مبادئ الإنسانية الكونية وتسكنها عندها.. حتى قال بعض المعلقين إن بعض هذه الثورات تنادى بحق فئة دون أخرى ورددوا فى تحاليلهم ومقالاتهم «عندما تطالب بحقك عليك ألا تنسى أن للآخر حقا أيضا...».
لذلك خرجت هذه الثورات من مسئوليتها عن الميدان ثم الشارع المقارب والشوارع المحيطة ثم المدينة وبعدها البلد بأكمله لتكون مسئولة عن ثقافة جديدة ترسخها مناهج حداثية وحديثة.. فلا يمكن لثائر أن ينكر حق أى شخص أو فرد فى الكون فى نفس ما يطالب هو أو هى به.. ولا يمكن أن تجزئ الحرية والعدالة والكرامة وتقسم حسب أمزجة أو... أو... أو... وبدت الحاجة أكثر من أى وقت مضى إلى أن تترسخ لدينا ثقافة حقوق الإنسان الواسعة التى شارك فى صياغتها كثير من رجال ونساء هذه الأرض الممتدة من المحيط إلى الخليج.. التى دفع أيضا كثيرا من نساء ورجال نفس تلك الأرض دماءهم على مر سنين طويلة من أجل ترسيخها كفكر وثقافة وحضارة لهذه الشعوب التى حتما تستحق أن تصان حقوقها كاملة غير مجزأة.
<<<
مع بناء الثورات وتعدد مساراتها ومواجهتها للعديد من الصعاب والعراقيل بعضها يبدو شيئا من تركة الأنظمة السابقة وبعضها يصنعه بشر من داخل كل بلد وخارجه.. يصنعه الكارهون للحرية حد دفع الثورات لمنعها وعرقلتها والجاهلون للعدالة حد تصورهم بأن العدالة هى أن أستأثر أنا بالثروات وأرمى بالفتات للشعب!! أولئك لم يعرفوا معنى الكرامة وأن فاقد الشىء لا يعرفه ولا يمنحه أيضا.. هذه الثورات، بكل هؤلاء البشر، كلما تشبثت بقيمها الكونية كلما استطاعت أن تنتصر لتلك القيم ولشعوبها وأن تنشر الروح الجديدة.. وتردد خطابا جديدا إلا أنه قديم جدا قدم تطلع الإنسان للحرية بل انتزاعها أيضا. فالثورات الأصعب هى تلك التى تغير المفاهيم والأخلاق والطباع وهنا التحدى الأكبر وهنا طريق الوصول إلى أوتوستراد الكون.