الذكاء الاصطناعي.. ولعبة التسعير

صحافة عربية
صحافة عربية

آخر تحديث: الثلاثاء 12 أغسطس 2025 - 7:40 م بتوقيت القاهرة

 

نشرت جريدة الرياض السعودية مقالا للكاتب خالد رمضان، تناول فيه التحول العالمى نحو استخدام الذكاء الاصطناعى فى التسعير الشخصى؛ حيث يتم تحديد أسعار المنتجات والخدمات لكل مستهلك على حدة بناءً على بياناته الرقمية وسلوكه الشرائى، الأمر الذى يثير قلقًا بشأن خصوصية المستهلك ويدفع إلى البحث عن طرق لحماية نفسه من هذه الخوارزميات.. نعرض من المقال ما يلى:

يبدو أن هناك اتجاهًا عالميًا يتشكل لاستخدام الذكاء الاصطناعى فى التسعير الشخصى؛ حيث يبرز كساحرٍ يحيك خيوطًا غير مرئية لتحديد سعر كل شىء تشتريه، من تذكرة الطائرة إلى سيارة أحلامك، بل وحتى بيضة إفطارك، تخيل أنك تدخل مطعمًا بسيطًا، تطلب طبقًا عاديًا، ثم تصدمك الفاتورة بسعر وجبة سياحية، لماذا؟ لأنك، ببساطة، تبدو مستعدًا لدفع المزيد.. هذه ليست قصة خيالية، بل اتجاه يتشكل يقوده الذكاء الاصطناعى تحت شعار ثورة التسعير الجديدة، وأحدث مثال على ذلك، إعلان شركة دلتا للطيران الأمريكية، هذا الأسبوع، عن تخصيص أسعار تذاكرها بناءً على هوية كل مسافر.

فى الماضى، كان التسعير الشخصى فنًا يتقنه التجار فى الأسواق.. ينظر البائع إلى زبونه، يقرأ لغة جسده، يزن قدرته المالية، ثم يبدأ مساومة قد تنتهى بسعر يرضى الطرفين، أو يُغضب أحدهما، وهناك نكتة قديمة توضح هذه الفكرة.. رجل ثرى يطلب بيضة فى مطعم متواضع، وعندما يرى الفاتورة يسأل مذهولًا: هل البيض نادر هنا؟ فيرد صاحب المطعم بمكر: لا، لكن الأثرياء هم النادرون.. اليوم، أصبح الذكاء الاصطناعى هو ذلك التاجر الماكر، لكنه لا يحتاج إلى نظرة عين أو حدس بشرى، يكفيه أن يغوص فى بحر بياناتك الرقمية ليحدد السعر الذى ستدفعه.

من القطاع المالى إلى الألعاب الإلكترونية، ومن وكالات السيارات إلى متاجر التجزئة، ينتشر التسعير الشخصى كالنار فى الهشيم، وهو يعتمد على فكرة بسيطة: لماذا نبيع للجميع بالسعر نفسه إذا كان المشترى مستعدًا للدفع أكثر؟ ببساطة يقوم الذكاء الاصطناعى بتحليل عاداتك الشرائية، مواقعك الجغرافية، وحتى دخلك المحتمل، ليصيغ سعرًا يبدو عادلاً.. للبائع بالطبع.. وقبل عصر الذكاء الاصطناعى، كانت الشركات تعتمد على قاعدة التكلفة بالإضافة، حيث تضيف هامش ربح ثابت على تكلفة المنتج، لكن هذا النموذج كان كمن يوزع الحلوى بالتساوى على أطفال حفلة، بغض النظر عن شهيتهم، والآن بفضل منجم الذهب الذى وفرته المدفوعات الإلكترونية، يعرف الذكاء الاصطناعى شهية كل زبون.. كل نقرة، كل عملية شراء، كل بحث على الإنترنت، يُخزّن ويُحلل ليصبح سلاحًا يُستخدم لتحديد السعر الأمثل أو بالأحرى، السعر الأعلى لكل فرد.

فى عام 2024، أصدرت لجنة التجارة الفيدرالية الأمريكية أوامر استدعاء لشركات مثل «ماستركارد» و«جى بى مورجان»، للتحقيق فى كيفية استخدام الذكاء الاصطناعى لتغيير الأسعار بناءً على بيانات المستهلكين.. الأخطر من ذلك، أن خوارزميات الذكاء الاصطناعى قد تتواطأ فيما بينها لرفع الأسعار دون تدخل بشرى، مما يضع المستهلك فى مواجهة شبكة ذكية لا ترحم، والآن فى ظل هذا العالم الذى يراقب كل خطواتك الرقمية، يصبح السؤال: كيف تحمى جيبك من عيون الذكاء الاصطناعى؟ هل هناك مفر؟ الإجابة نعم، ولكنه حل يتطلب بعض الدهاء.. أولاً، عُد إلى النقود الورقية عند التسوق فى المتاجر التقليدية؛ فهى لا تترك أثرًا يمكن تتبعه، وثانيًا، نظّف ذاكرة متصفحك بانتظام، فملفات تعريف الارتباط وسجل البحث هما عينا الذكاء الاصطناعى التى تراقبك، وثالثًا، استخدم شبكات افتراضية خاصة (VPN) لإخفاء موقعك الجغرافى، فالموقع مؤشر قوى يستخدمه التجار لتقدير قدرتك الشرائية، والخلاصة أن التسعير الشخصى بات أقوى من أى وقت مضى بفضل الذكاء الاصطناعى.. إنه يعد بأرباح طائلة للشركات، ويضع المستهلك فى تحدٍ جديد: كيف تحافظ على خصوصيتك فى عالم يعرف عنك أكثر مما تود؟ فى هذه اللعبة، يصبح الذكاء الاصطناعى هو القط، وأنت الفأر، فهل ستتمكن من الإفلات من مخالب الأسعار المصممة خصيصًا لك؟

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved