«صفقة القرن».. صفقة زائفة
من الصحافة الإسرائيلية
آخر تحديث:
الأربعاء 12 سبتمبر 2018 - 10:05 م
بتوقيت القاهرة
يوم الاثنين الماضى استقبل أبو مازن وفدا من كبار المسئولين فى حركة السلام الآن، وأعضاء كنيست، لأكثر من ساعة ونصف الساعة، وتحدث معهم فى مختلف القضايا السياسية المطروحة. وذكر أشخاص حضروا الاجتماع بأن الرئيس كان يقظا جدا، يعرف جيدا عما يتحدث عنه.
فى وقت ما فى ذروة الحديث وصل أبو مازن إلى اتصالاته مع البيت الأبيض، وقال أمام ضيوفه: «التقيت 4 مرات مع ترامب. وأعرب أمامى عن تأييده لفكرة الدولتين»، لكن ليس بصورة علنية بل بصورة شخصية. وروى أبو مازن أنه فى أحد اللقاءات مع موفدى الرئيس، جاريد كوشنر وجيمس غرينبلات، سأله أحدهما عن رأيه بفكرة الكونفيدارلية. دولة واحدة عاصمتها عمان وحاكمها هو الملك الأردنى، تمتد على ثلاث مناطق فى البلد: الضفة الشرقية لنهر الأردن، والضفة الغربية وقطاع غزة. رد أبو مازن بذكاء، قال نوافق فقط إذا انضمت إسرائيل.
د. هرئيل حوريف من جامعة تل أبيب، وباحث فى شئون الساحة الفلسطينية، ذكرنا هذا الأسبوع بأن اقتراح انشاء كونفيدرالية لحل المشكلة الفلسطينية طرحه الملك حسين للمرة الأولى. حدث هذا سنة 1972، عشية حرب يوم الغفران، حين كانت مملكته تتعافى من أحداث أيلول الأسود التى قام بها الفلسطينيون لإسقاط حكمه. ولقد تبنى العديد من الفلسطينيين الفكرة. فكرة دولة فلسطينية على ضفتى نهر الأردن تُحكم من عمان، هى مكسب فى نظرهم.
لكن منذ ذلك الحين مر تقريبا خمسة عقود. وأقيمت على الضفة الغربية من الأردن مستوطنات عبرية، وإذا كان هناك من يسعى إلى ضمها، من السهل جدا أن تصبح جزءا من أرض إسرائيل. الملك حسين توفى، وآخر شيء يرغب فيه ابنه ووريثه هو أن يستقبل أربعة ملايين فلسطينى.
هذه القصة ستثير شروحات فى الموسوعة التى لم تُكتب بعد لتاريخ عملية السلام. سيقال دفاعا عن ترامب أن مندوبيه طرحا الاقتراح من دون أن يقصداه حقا. وحديث كهذا له ديناميته الخاصة. وليس كل ما يقال شفهيا فى الغرفة يمثل رغبة أحد الطرفين فى الذهاب فيه حتى النهاية. عضو الكنيست كاسينيا سفتلوفا (المعسكر الصهيوني) التى حضرت الاجتماع لخصت بجملة قصيرة مقدار جدية الاقتراح قالت: «هذا بالون اختبار أطلقاه، وهو أعاده إلينا» وفى رأيها «لا يشكل هذا كلاما جديا من قبل الإدارة».
مع ذلك يشير هذا الكلام إلى الانجازات الضئيلة التى حققها البيت الأبيض على المسار الفلسطينى. قبل عامين، وقبل وصوله إلى البيت الأبيض وعد ترامب بخطة سلام، سماها «صفقة القرن» وكان واثقا من تحقيقها. وقال ذات مرة إذا كانت القدس هى المشكلة سنزيلها عن الطاولة، وبذلك تنحل المشكلة. على الرغم من الوعود التى ألمحت بأن الصفقة ستحدث، وعلى الرغم من الكلمات الكبيرة والزيارات المتعاقبة لموفديه إلى القدس ورام الله، فإن خطة السلام لم تُعرض حتى الآن. وحاليا اقتصر عمل الطاقم الأمريكى على التشاجر مع أحد الطرفين فى المفاوضات.
حتى هذه الأيام يؤكد الأمريكيون أن خطة السلام ستُعرض بعد وقت قصير. عمليا هم تخلوا عن نيتهم، خشية من أن ترفضها بشدة السلطة الفلسطينية. منذ ستة أشهر كتبت هنا أن خطة ترامب للسلام قد جُمدت خوفا من الفشل. وإذا جرى تقديم خطة ما فى المستقبل القريب، فإنها ستكون كخطوة تكتيكية، هدفها البرهنة على رفض أبومازن.
عندما رأى موفدا الرئيس الأمريكى فشلهما فى الحصول على ثقة الطرفين، توجها نحو الخطة ب. غزة أولا، خطة لإعادة إعمار غزة، وحاولا أن يضما إليهما سائر اللاعبين فى المنطقة. مع نتنياهو نجحا، ولبرهة بدا أن شيئا ما بدأ يتراكم. أصحاب السمع المرهف كان يمكنهم أن يسمعوا رئيس الحكومة يتحدث بدءا من شهر يوليو هذه السنة وللمرة الأولى، عن الحاجة لإعادة إعمار غزة. وكعادته وافق الاتحاد الأوروبى على أن يكون شريكا. وأيضا الأمم المتحدة. أبومازن وقف ضد، لكن فى مرحلة معينة أبدى مرونة وقال للأمريكيين أنه مستعد لتخصيص آليات مالية فى السلطة ويضعها فى خدمة الدول المانحة. من الطبيعى ألا يرغب أحد فى إجراء صفقات مباشرة مع عباس. فى النهاية تحدث المصريون مع زعامة «حماس» عن تفاصيل الخطة التى كما هو متوقع كان ردها إيجابيا.
ظهرت المشكلة الكبيرة عندما بدأ الموفدان مساعيهما لضم الدول العربية، مصر والسعودية وقطر ودولة اتحاد الإمارات العربية، التى من دونها لا يمكن أن تتحقق الخطة لأن المطلوب من طرف ما أن يقدم المبلغ الكبير من المال. حتى الآن نادرا ما أعربت هذه الدول عن دعم قطاع غزة. المشكلة الفلسطينية لم تعد تهمها كما كانت فى الماضى. لكن كوشنر وغرينبلات حملا روحا منعشة ورغبة قوية فى العمل، والتزاما استثنائيا من جانب حكومة إسرائيل، وأجواء جيدة وجديدة فى العلاقات مع القاهرة والرياض.
إنّما هناك فى عمق الخليج حدث شيء عقد الموضوع. الوساطة السياسية عملية حساسة. من أجل انضمام طرف ما إليها يجب أن تعرف ما هى مصلحته فى ذلك وأن تتحدث عنها. الموفدان المعنيان لم يعرفا كيف يقومان بالمهمة. لقد تعاملا مع الحكام العرب كخدم. ونسيا قاعدة أساسية فى العمل الخيرى. عندما تطلب مساعدة من المتبرع عليك أن تُشعره بقيمته. لقد ذهب الموفدان إلى الرياض والدوحة وأبوظبى كما لو أن هذه الدول آلات صرف مالية آلية. حتى ولى العهد السعودى محمد بن سلمان المحبب من الأمريكيين عموما، فهم فورا ما المقصود، وطلب بتهذيب من مستشارية عدم تشجيع الاتصال مع الاثنين.
جاكى حوغى
محلل الشئون العربية فى إذاعة الجيش الإسرائيلى
معاريف
مؤسسة الدراسات الفلسطينية