هل تتغير سياسات اليابان بعد استقالة «شينزو آبي»؟
العالم يفكر
آخر تحديث:
السبت 12 سبتمبر 2020 - 12:35 ص
بتوقيت القاهرة
نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة مقالا للكاتبة إيمان فخرى يتناول الأوضاع المحتملة فى اليابان بعد استقالة رئيس وزرائها شينزو آبى، نعرض منه ما يلى.
أعلن «شينزو آبي»، فى 28 أغسطس 2020، استقالته من منصبه كرئيس وزراء لليابان، وهو المنصب الذى تبوأه منذ عام 2012، حيث تُعد فترة تولى «آبي» رئاسة الوزراء الفترة الأطول فى تاريخ اليابان لهذا المنصب. وكان من المقرر أن يُنهى ولايته فى سبتمبر 2021، لذا أدت هذه الاستقالة المفاجئة إلى إرباك الوضع الداخلى فى اليابان، ومن المتوقّع أن تكون لها تداعيات على المستوى الدولى أيضًا.
دوافع الاستقالة
تجدر الإشارة إلى أنه سبق وأن استقال «آبى» من منصبه كرئيس للوزراء فى عام 2007، أى بعد سنة واحدة من توليه المنصب، وأشارت تقارير إلى أن حالته الصحية كانت من ضمن العوامل التى دفعته للاستقالة. حيث يعانى «آبي» من التهاب القولون التقرحى. وعندما عاد «آبى» مرة أخرى كرئيس وزراء لليابان فى ديسمبر 2012، أعلن أن حالته الصحية تحسنت بسبب استخدامه دواء جديدًا.
ولكنّ «آبى» أوضح فى المؤتمر الصحفى الذى عقده للإعلان عن استقالته، فى 28 أغسطس 2020، أن حالته الصحية قد تدهورت مرة أخرى بسبب المرض نفسه، وقال: «إن حالتى الصحية السيئة لا ينبغى أن تؤدى إلى قرارات سياسية خاطئة، لأننى لم أعد قادرًا على تلبية توقعات شعب اليابان».
ويرى بعض المحللين أن هناك أسبابًا سياسية قد ساعدت «آبى» على اتخاذ ذلك القرار، ويستدل على ذلك بما ذكره «آبى» من أنه يطلب من الشعب اليابانى أن يغفر له تركه للمنصب دون تحقيق ثلاثة أهداف هى: (تعديل الدستور، وإعادة المواطنين اليابانيين الذين اختطفتهم كوريا الشمالية، والتوصل إلى معاهدة سلام مع روسيا لحل النزاع حول جزر الكوريل).
المرشحين لخلافة «آبى»
تجدر الإشارة إلى أن الانتخابات المزمع إجراؤها داخل الحزب الديمقراطى الليبرالى اليابانى فى سبتمبر سينتج عنها انتخاب رئيس للحزب، وسيلى ذلك قيام البرلمان اليابانى بانتخاب رئيس وزراء جديد. وحيث إن الحزب يحظى بالأغلبية فى مجلس النواب، فإن رئيس الحزب سيصبح هو رئيس وزراء اليابان المقبل. وفى هذا السياق، طُرحت أسماء عدد من السياسيين لخلافة «آبى»، وفيما يلى عرض لأهم المرشحين المحتملين:
1ــ شيجيرو إيشيبا: هو وزير دفاع سابق ذو ميول محافظة، يبلغ من العمر 63 عامًا. ورغم انتمائه للحزب الديمقراطى الليبرالى، إلا أنه من معارضى سياسات «آبي». حيث انتقد معدلات الفائدة المنخفضة للغاية لبنك اليابان، وأوضح أنها تُلحق الضرر بالبنوك الإقليمية، ودعا إلى معالجة عدم المساواة الاقتصادية المتزايدة.
يتصدر «إيشيبا» استطلاعات الرأى كأكثر المرشحين شعبية لخلافة «آبي». ورغم الدعم الشعبى، إلا أنه لا يتمتع بتأييد قوى داخل الحزب اليابانى الحاكم، ولكنه أعلن عن نيته الرسمية خوضَ الانتخابات داخل الحزب.
2ــ فوميو كيشيدا: والذى شغل منصب وزير الخارجية من عام 2012 إلى 2017. وهو عضو مجلس النواب اليابانى عن مدينة هيروشيما، ويبلغ من العمر 63 عامًا. ويُنظر إلى كيشيدا على أنه الخليفة المفضل لآبى، إلا أنه يحتل مرتبة متدنية فى استطلاعات الرأى. وينتمى «كيشيدا» إلى فصيل الحمائم فى الحزب، بمعنى أنه أقل حرصًا من «آبي» على مراجعة الدستور الذى أقرته اليابان بعد الحرب العالمية الثانية.
3ــ تارو كونو: وهو وزير الدفاع الحالى البالغ من العمر 56 عامًا. وشغل سابقًا منصب وزير الخارجية ووزير الإصلاح الإدارى. واشتهر بتأييد سياسات «آبي» الصارمة تجاه مطالب كوريا الجنوبية بقيام اليابان بدفع مزيد من التعويضات عن الانتهاكات التى وقعت أثناء الحرب العالمية الثانية.
4ــ يوشيهيدى سوجا: وهو سياسى عصامى من أشد المؤيدين المخلصين لآبى منذ توليه رئاسة الوزراء عام 2007. وقام بحثّه على الترشح مرة أخرى عام 2012. وقام «آبي» بتعيين «سوجا» فى منصب كبير أمناء مجلس الوزراء، وهو منصب محورى يتضمن العمل كمتحدث رسمى رفيع المستوى، وتنسيق السياسات على المستوى الوطنى.
ورغم أنه أنكر حتى الآن رغبته فى الترشح لمنصب رئيس الوزراء، إلا أن «سوجا» قام بتنظيم حملة دعائية فى الأسبوع الذى سبق استقالة «آبي»، حيث أجرى مقابلات مع أربع مؤسسات إعلامية رئيسية على الأقل. إلا أن نفوذه قد تأثر بالفضائح التى أطاحت باثنين من الوزراء المقربين له فى أكتوبر الماضى.
5ــ تارو آسو: وهو وزير المالية ويتولّى أيضًا منصب نائب رئيس الوزراء، ويبلغ من العمر 79 عامًا. وحال غياب الإجماع حول المرشح الذى سيخلف «آبي»، فمن المرجح أن يقوم أعضاء الحزب الحاكم بانتخابه كزعيم مؤقت.
ولكن ما قد يُقلل فرصه فى الترشح، هو أنه فى عام 2008، تم انتخاب «آسو» زعيمًا للحزب، وبالتالى رئيسًا للوزراء، على أمل أن يتمكن من إحياء تواجد الحزب على الساحة السياسية. إلا أنه تمت الإطاحة بالحزب فى هزيمة تاريخية فى الانتخابات عام 2009، وظل الحزب فى صفوف المعارضة حتى عام 2012.
6ــ شينجيرو كويزومى: وزير البيئة الحالى ونجل رئيس الوزراء السابق جونيشيرو كويزومى. وهو يتفق مع «آبي» فى بعض وجهات النظر المحافظة، حيث قام بزيارة ضريح ياسوكونى لضحايا الحرب المثير للجدل فى طوكيو. ولكن نظرًا لصغر سنه حيث يبلغ من العمر 39 عامًا فقط، فمن المرجح أنه لن يكون رئيس الوزراء القادم، إلا أن عددًا من المراقبين يرون أنه سيشغل ذلك المنصب يومًا ما.
7ــ توشيميتسو موتيجى: يشغل منصب وزير الخارجية الحالى، ويبلغ من العمر 64 عامًا. وقد شغل سابقًا منصب وزير الاقتصاد، كما شغل منصب وزير التجارة فى عهد «آبي« عندما عاد الأخير إلى السلطة فى عام 2012، وكان له دور بارز فى المحادثات بشأن اتفاقية التجارة الحرة للشراكة عبر المحيط الهادئ.
ومن بين المرشحين المحتملين لخلافة «آبي» كلٌّ من: «كاتسونوبو كاتو» وزير الصحة، و«ياسوتوشى نيشيمورا» وزير الاقتصاد، اللذين كان لهما دور محورى منذ تفشِّى فيروس كورونا. وهناك أيضًا «سيكو نودا» التى شغلت فى السابق منصب وزيرة الشئون الداخلية، وهى المرأة الوحيدة التى أبدت رغبتها فى أن تصبح أول امرأة تشغل منصب رئاسة الوزراء.
ولكن يظل الأوفر حظًّا هو «إيشيبا» الذى حصل ــ وفقًا لاستطلاعات الرأي ــ على دعم 34% من المشمولين بهذه الاستطلاعات، فى حين أن «سوجا» قد حصل على 14% فقط. وفى استطلاع رأى آخر أجراه تليفزيون طوكيو، حصل «إيشيبا» على تأييد 28٪، يليه «تارو كونو» بنسبة 15٪، فى حين احتل «سوجا» المركز الرابع بنسبة 11٪.
تداعيات دولية
عبّر الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» عن استيائه الشديد لترك «آبي» منصبه، ووصفه بالرجل النبيل والصديق العظيم. ويُعزَى ذلك إلى أن «آبي» ظل حليفًا قويًّا للولايات المتحدة منذ عام 2012. وبالتالى فإن خسارة تلك الشراكة فى الوقت الذى تشتد فيه المنافسة الجيوسياسية بين الولايات المتحدة والصين هو أمر مقلق لواشنطن.
فالولايات المتحدة تترقب اختيار خليفة «آبي» وذلك فى ضوء تخوفها من انزلاق اليابان فى حالة من الجمود السياسى. علاوة على قلق واشنطن من توجهات الزعيم اليابانى القادم فيما يخص السياسة الخارجية والدفاعية لليابان.
أما بالنسبة للصين التى تعد الشريك التجارى الأكبر لليابان، فقد يبدو أن العلاقات بين اليابان والصين قد تحسنت على مدار العامين الماضيين. حيث قام رئيس مجلس الدولة الصينى بزيارة طوكيو فى مايو 2018، وقام «آبي» بزيارة بكين فى العام التالى كأول زعيم يابانى يزور الصين منذ ثمانى سنوات. إلا أن عددًا كبيرًا من المراقبين يرون أن بكين قد تنفست الصعداء بعد استقالة «آبي»، الذى تزامنت عودته لحكم اليابان فى عام 2012 مع تولى «شى جين بينغ» السلطة فى الصين فى العام ذاته. وطوال ثمانى سنوات ظلت بكين تراقب بحذر طوكيو وهى توسع علاقاتها الاقتصادية والخارجية.
كما شعرت الصين بقلق بالغ من اهتمام «آبي» بتخفيف بعض القيود التى فرضتها بلاده على نفسها فى أعقاب الحرب العالمية الثانية. حيث قام فى عام 2014 بتخفيف القيود الذاتية التى فرضتها اليابان حول تصدير الأسلحة، وبدأت اليابان فى توقيع اتفاقيات لنقل المعدات والتكنولوجيا الدفاعية اليابانية إلى الخارج. وأثمرت جهود إدارة «آبي» عن توقيع عقد مع الفلبين فى 28 أغسطس يتم بموجبه توريد رادارات للمراقبة الجوية من شركة ميتسوبيشى اليابانية بقيمة 103.5 ملايين دولار أمريكى. وتعد هذه الصفقة أكبر الصادرات الدفاعية لليابان منذ عام 2014.
كما تجدر الإشارة إلى أنه فى الآونة الأخيرة، دشن «آبي» صندوقًا لمرحلة ما بعد الوباء بهدف جذب الشركات اليابانية لعملياتها الخارجية التى تتخذ من الصين مقرًّا لها، مما يسرع من إعادة تشكيل العلاقات التجارية اليابانية والعالمية مع الصين.
وخلال فترة حكمه، لم يعترض «آبى» فقط على التوغل الصينى المستمر فى المياه الإقليمية حول جزر سينكاكو - دياويو المتنازع عليها بين اليابان والصين، بل قام أيضًا بتعميق التعاون الأمنى لليابان مع أستراليا والهند، وحافظ على علاقة وثيقة مع تايوان، مما مثل تهديدًا مباشرًا للصين.
لذا تأمل الصين فى ألا يتبنى خليفة «آبي» الرؤية الإقليمية ذاتها القائمة على توسيع وتعزيز الدور اليابانى فى منطقة المحيطين الهندى والهادئ والعالم.
إلا أن بعض المحللين الآخرين يؤكدون أن نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية ستلعب دورًا محوريًّا فى تشكيل نهج طوكيو تجاه القضايا الإقليمية، خاصة مع الصين. فإذا فاز «ترامب» بولاية ثانية، فإن العلاقات الصينية اليابانية ستتأثر بدون شك. أما فى حال فوز «جو بايدن» الذى من المتوقع أن يتبنى سياسة «أقل تطرفًا» تجاه الصين، فإن ذلك سيعمل على دعم اليابان فى الاستمرار فى انتهاج سياسة متوازنة مع الصين، مما سينعكس بشكل إيجابى على استقرار الوضع الأمنى فى القارة الآسيوية.
ختامًا، سيتعين على رئيس الوزراء اليابانى الجديد مواجهة عدة تحديات، أبرزها مواجهة أزمة كورونا وآثارها الاقتصادية. وكذلك سيواجه بيئة جيوسياسية إقليمية ودولية معقدة تتسم بالمنافسة المتزايدة بين أكبر شريك تجارى لليابان (الصين) وأقوى حليف أمنى لها (الولايات المتحدة).
النص الأصلى:
https://bit.ly/2ZqML0K