ثقافة الصورة

آخر تحديث: الجمعة 12 سبتمبر 2025 - 7:50 م بتوقيت القاهرة

نشرت جريدة الرياض السعودية مقالًا للكاتب خالد الخضرى، تناول فيه أن الصورة لم تعد مجرد انعكاس للواقع بل غدت قوة فاعلة توجه السلوك وتعيد صياغة المفاهيم والقيم؛ لأن الصورة قديما كانت وسيلة توثق المشاهد والأحداث وتكون دليلًا على الحقيقة، أما اليوم فالصورة نراها طبقًا لما يريد من التقطها حسب رؤيته ووجهة نظره يوصلها لنا كيفما شاء، لذا ينبه كاتب المقال إلى ضرورة التعامل مع ما نراه بوعى نقدى يوازن بين متعة الصورة الجمالية وخطورتها التوجيهية.. نعرض من المقال ما يلى:

فى عصرنا الحاضر لم تعد الصورة مجرد انعكاس للواقع أو أداة لتوثيقه، بل غدت لغة قائمة بذاتها، تمتلك قدرة هائلة على التأثير فى الوعى الجمعى وتشكيل الرأى العام وصناعة القيم الجمالية والاجتماعية. هذه المكانة المتصاعدة للصورة جعلت كثيرًا من المفكرين يطلقون على زمننا تسمية «عصر الصورة»، حيث تغدو الصورة أكثر بلاغة من الكلمة وأسرع وصولًا من النصوص المطوّلة.

والصورة لم تعد مجرد وسيط بصرى، بل لغة عالمية يتجاوز فهمها الحدود اللغوية والثقافية، فهى قادرة على نقل المعنى والإيحاء والإقناع دون الحاجة إلى ترجمة.

هذه الخصوصية جعلت الصورة الأداة الأكثر حضورًا فى الإعلام، والإعلان، والفنون، وحتى فى التفاعلات اليومية عبر وسائل التواصل الاجتماعى،

ونجد أن الصورة اليوم لها سلطتها، حيث تمتلك سلطة مزدوجة، بين سلطة الإقناع، وسلطة التوجيه، فسلطة الإقناع: تُبنى على آلية التأثير المباشر فى العاطفة، مما يجعلها أكثر إقناعًا من الحجج العقلية البحتة.

وسلطة التوجيه: كون الصورة لا تعكس الواقع دائمًا، بل تعيد صياغته وتوجيه إدراكنا له وفق منظور من يلتقطها أو يصنعها.

ومن الناحية الاجتماعية تشكل الصورة اليوم جزءًا من الثقافة اليومية للأفراد، حيث تحدد أذواقهم، وتعيد صياغة هوياتهم، بل وتؤثر فى سلوكهم الاستهلاكى والثقافى والمعرفى، فالإعلانات مثلًا تصنع أنماطًا جديدة من الرغبات، ووسائل الإعلام تسهم فى تشكيل المواقف الجماهيرية عبر اختيار زوايا معينة للصورة.

ورغم جماليات الصورة وقدرتها على إغناء التجربة الإنسانية، قإن لها جانبًا مقلقًا يتمثل فى قدرتها على التضليل عبر التلاعب بالتقنيات الرقمية والفوتوشوب، أو عبر توجيه الرسائل بشكل غير مباشر. لذا فإن التعامل مع الصورة يحتاج إلى وعى نقدى يوازن بين المتعة الجمالية واليقظة الفكرية.

إن ثقافة الصورة ليست مجرد ظاهرة بصرية، بل هى منظومة فكرية واجتماعية تعكس تحولات عميقة فى طرق الإدراك والتواصل والتأثير.