محمد حسنين هيكل.. في ذكراه

ناجح إبراهيم
ناجح إبراهيم

آخر تحديث: الجمعة 12 سبتمبر 2025 - 7:50 م بتوقيت القاهرة

     •    قرأت معظم كتب المرحوم محمد حسنين هيكل، وبعضها قرأته عدة مرات، وكنت فى صغرى مواظبا على قراءة مقاله (بصراحة) رغم صغر سنى نسبيا وقتها، وكنت أسمعه يوم الجمعة في الإذاعة، وكنت أفهم بعضه ولا أفهم أشياء كثيرة منه لعدم تعمقى السياسى وقتها، ولكن فترة المعتقل أتاحت لى التجول بعمق فى عقل هيكل وفكره والتأمل فى إيجابياته وسلبياته وحسناته وأخطائه.

     •    وهيكل كغيره من الشخصيات العامة وقع بين مطرقة تقديس محبيه وتلاميذه، وبين سندان تبخيسه وغمط تميزه وتفرده وإنجازاته من قبل خصومه.

     •    والحقيقة أن مصر عادة تقع بين فكى كماشة التقديس المضل والتبخيس المخل، وسواء اتفق البعض مع المرحوم هيكل أو اختلفوا فإنه سيظل الصحفى المصرى الوحيد الذى وصل للعالمية والذى كتب لصحف العالم الكبرى، والتقى كل صناع القرار المؤثرين فى العالم، والتقى معظم مفكرى العالم وفنانيه وكتابه، والوحيد الذى انتشرت كتبه السياسية باللغتين العربية والإنجليزية فى العالمين العربى والغربى، ومن القلائل الذين كتبوا فى السياسة بلغة أدبية رصينة تمثل السهل الممتنع، وتعد كتبه نافذة مهمة للغرب والشرق لمعرفة شئون الشرق الأوسط عامة ومصر خاصة.

     •    والبعض يعتقد أن قربه من السلطة فى بعض فترات حياته هو سر هذا النجاح الكبير الذى حققه هيكل فى حياته.. وهذا غير صحيح فكلنا يرى صحفيين وكُتابا فى كل العصور كلما اقتربوا من السلطة كلما ازدادوا فشلا وغباءً، وكلنا يعرف بعض الصحفيين الذين كانوا مقربين من مبارك «كان الذين يكتبون لهم أكثر من الذين يقرأون كتاباتهم».

     •    كان هيكل غاية فى الذكاء الاجتماعى والإنسانى أكثر من السياسى من وجهة نظرى، فصنع علاقة شديدة الإحكام بينه وبين الحاكم.. وحافظ على مسافة من الاعتزاز بنفسه وملكاته تحول بينه وبين أن تذوب شخصيته فى شخص الحاكم أو ينزلق فى وصلات نفاق فج له، أو يتخذه الحاكم مطية من مطاياه.

     •    فقد كان يرى نفسه صنوا للحاكم وفى نفس الوقت لا يحب الاصطدام بالحكام لأنه يدرك بأسهم وسوء عاقبة غضبهم.. وقد ساعده على ذلك يقينه أنه أكبر من المناصب، فلم يسع إليها أو يجر خلفها مثل كثيرين، لأن ذكاءه الاجتماعى والإنسانى علمه وأخبره بأن موقع المفكر والموجه الحر أعظم من أى منصب يدخله دائرة البيروقراطية المصرية التى تبتلع أى مفكر وتطمس عقله.

     •    أما الذى حيرنى طويلا فى حياة المرحوم هيكل فهو توصيف علاقته بالرئيس عبدالناصر وموقعه منه.. وأرى أن هيكل هو الملهم غير المباشر ومن وراء ستار لعبد الناصر.. وكان يلعب دور الأستاذ والمعلم له دون أن يشعر الأخير بذلك، على طريقة «بيدبا الفيلسوف» مع «دبشليم الملك» فى «كليلة ودمنة» حيث كان الفيلسوف بنصح الملك بطريقة غير مباشرة بأن يقص له قصصًا رائعة تعلمه طريقة الحكم السديدة على ألسنة الحيوانات والطيور.. وهى طريقة رائعة لمن يقترب من الحكام ويريد نصحهم.

     •    وهناك روايات تاريخية سردها هيكل نفسه فى كتبه دون أن يدرى تؤكد ذلك.. ومنها استقدامه لعدد من المفكرين الاشتراكيين من الهند ويوغسلافيا وغيرها جلسوا أشهرا مع ناصر - فى شبابه وفى بدايات حكمه - تولوا إقناعه بكل ما ذهب إليه من اشتراكية وشمولية واهتمام بالعدالة الاجتماعية على حساب الحريات العامة والديمقراطية وتداول السلطة.

     •    وقد كان هيكل يملك إمكانيات قريبة من «بيدبا الفيلسوف» فى طريقة العرض والإقناع وربط المعلومات بعضها ببعض بما يستطيع به إبهار عبدالناصر وتعليمه أيضا بطريق غير مباشر.

     •    ولذلك يعد هيكل، من وجهة نظرى، شريكا لعبد الناصر فى إنجازاته وإخفاقاته وانتصاراته وهزائمه، ويعد دفاعه المستمر عن ناصر والغفلة عن كل عيوب عصره هو دفاع عن نفسه فى المقام الأول، رحمه الله رحمة واسعة.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved