ولا تزال المعركة مستمرة

محمد سعد عبدالحفيظ
محمد سعد عبدالحفيظ

آخر تحديث: الأحد 12 أكتوبر 2025 - 7:05 م بتوقيت القاهرة

ربما قد نطوى صفحة هذا الفصل من فصول صراعنا الممتد مع دولة الاحتلال، وربما قد يكون هناك «مُلحق» بعد ساعات أو أيام، فحكومة بنيامين نتنياهو التى قبلت بـ«وقف إطلاق النار على مضض»، قد تعاود قصف أحياء ومدن القطاع تحت ذريعة تفجير الأنفاق أو عدم التزام حماس بما جاء فى خطة الرئيس الأمريكى أو غيرها من الذرائع.

لم يحقق الاتفاق لإسرائيل «الانتصار المطلق» الذى تعهَّد به نتنياهو، بل كان بمثابة «استسلام وتركيع» للدولة العبرية حسب تعبير المحلل الإسرائيلى ناداف شراجاى الذى يرى أن بلاده قبلت الاتفاق باعتباره «شرًا لابد منه»، لذا تظل فرضية تجدد القتال قائمة ولو بوتيرة وتكتيكات مغايرة.

يدرك رئيس الوزراء الإسرائيلى، أن سكوت أصوات المدافع والطائرات، وعودة الحياة إلى ما كانت عليه قبل 7 أكتوبر 2023، قد يضع مستقبله السياسى على الحافة، وربما يحكم عليه بالسجن، وعليه فمن أجل أمنه السياسى والشخصى، قد يعيد تكرار سيناريو لبنان، إذ خرق اتفاقه مع حزب الله آلاف المرات، وحول الجنوب إلى منطقة مستباحة بذريعة فشل الحكومة اللبنانية فى نزع سلاح الحزب.

أيا كان السيناريو القادم، سواء نجح مؤتمر «شرم الشيخ» فى فرض هدنة طويلة الأجل، أو عادت تل أبيب إلى مخططها القاضى بتحويل القطاع إلى ضفة غربية جديدة أو جنوب لبنان آخر، فإن معارك «يومنا التالى» التى لا يجب ألا تتوقف أبدًا، هى معارك «السردية» حتى يظل العدو منبوذًا مُحاصرًا بجرائمه.

بعد إدراكها أن العالم بدأ يتعامل معها كدولة مارقة يلاحق قادتها وجنودها بتهم ارتكاب جرائم إبادة جماعية وتطهير عرقى، تسعى إسرائيل لترميم صورتها فى الوعى الجمعى العالمى، لذا فإن توثيق المجازر والدمار وإعادة إنتاجه ونشره وملاحقة مجرمى الحرب الصهاينة قضائيًا فى دول العالم، تلك هى المعركة الممتدة، حتى لا ينسى العالم.

حصل الفلسطينيون، بعد عامين على تعاطف دولى غير مسبوق، كما نالت حركة حماس ــ ومعها فصائل المقاومة ــ اعترافًا دوليًا لم يسبق أن حظيت به من قبل، حسبما ذهب الكاتب الصحفى الإسرائيلى آڤى يسخروف، الذى أقر فى مقاله بـ«يديعوت أحرونوت» قبل يومين بأن الحركة حققت «إنجازات سياسية يلاحظها العالم أجمع»، فيما فرضت على بلاده عزلة لم تشهدها من قبل.

وهو ما ذهب إليه أيضا الكاتب جدعون ليفى الذى أشار فى «هاآرتس» إلى أن «حماس أنهت هذه الحرب وهى واقفة على أرجلها.. غزة أصبحت هيروشيما، لكن روحها ما زالت حية.. تم إبعاد القضية الفلسطينية عن جدول الأعمال الدولى، وجاءت الحرب ووضعتها على رأس القائمة.. أصبح العالم يحبهم ويتعاطف معهم».

هذا الإنجاز قد يتبدد لو تركنا الساحة، وعدنا إلى ما كنا عليه قبل «الطوفان» الذى يعد من أبرز إنجازاته عودة القضية الفلسطينية لجدول أعمال العالم، بعد أن كادت بعض العواصم تستعد لتكفينها ودفنها فى مقابر التطبيع.

ضمن مكاسب الطوفان بعيدة المدى، تأثير ما جرى على الأجيال العربية الجديدة تلك التى كادت تسقط القضية الفلسطينية من حساباتها بعدما تم تغييبها عن المناهج ومنابر الإعلام العربى، إذ أيقظت صور الشهادة والتضحية مشاعر الثأر والرغبة بالانتقام فى وجدان جيل «z»، وهو رصيد لا يُقدّر بثمن، وقد يصبح قوة ضاغطة إذا ما أحسنَّا استثمارها، فهذا الجيل يملك من الأدوات التى يستطيع أن يخاطب بها نظراءه فى باقى دول العالم.

خصصت إسرائيل، حسب وثائق FARA الأمريكية، أكثر من نصف مليار شيكل لـتسليح وسائل التواصل الاجتماعى والذكاء الاصطناعى ضمن أكبر حملة دعائية لتجميل صورتها فى الغرب، لذا فعلى العرب أن يمتلكوا مشروعًا مضادًا يُرسخ روايتهم فى الفضاء الدولى ويحفر فى وجدان الإنسانية صور الإبادة والدمار فى غزة.

سقط عشرات الآلاف من الفلسطينيين، ودُمرت غزة، لكن معارك حركات التحرر لا تُقاس بعدد الشهداء أو بحجم الركام، بل بالثبات والصمود، ومدى القدرة على استنزاف المحتل وحصاره، وإفساد مخططاته وأهدافه، فإسرائيل صارت كيانا إرهابيا، وقادته صاروا ملاحقين جنائيا، لا يمكن لأى نظام فى العالم أو المنطقة أن يقنع شعبه بأنها دولة تسعى إلى التعايش السلمى، لكن الخطر أن ما تحقق قد يتبخر على أعتاب الخلافات الفلسطينية الفلسطينية والعربية العربية.

أول الطريق هو مصالحة فلسطينية فلسطينية، تحقق وحدة الصوت الفلسطينى، وجبهة عربية موحدة قادرة على مواجهة الخطر الإسرائيلى الذى أثبتت الأحداث أنه لن يستثنى أحدا، لا مهادن أو ممانع.

المعركة الحالية قد توقفت، لكن «الطوفان» لم يتوقف.. الحرب لم تنتهِ بعد، فقط انتقلت من ميادين القتال إلى ساحات أخرى، من السلاح إلى الكلمة والصورة، ومن التفخيخ والتفجير إلى البناء والعلم والوحدة، هكذا يجب أن نستعد للجولات القادمة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved