خطة ترامب وما حولها.. الأسئلة الصعبة!

عبد الله السناوي
عبد الله السناوي

آخر تحديث: الأحد 12 أكتوبر 2025 - 7:00 م بتوقيت القاهرة

«ليس فى طاقة إسرائيل أن تحارب العالم».

كان ذلك استخلاصا للرئيس الأمريكى دونالد ترامب أبلغه لرئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو فى معرض إقناعه بقبول خطة إنهاء الحرب بغزة.

العبارة، بوقع كلماتها ورسائلها، تنطوى على نوع من الإقرار بخطورة اتساع الاحتجاجات الشعبية الأوروبية على مستقبل الدولة العبرية ومصيرها.

خطة «ترامب»، التى أُنجزت للتوّ مرحلتها الأولى وتحيط بها الأسئلة الصعبة كألغام مراحلها التالية، استهدفت إنقاذ إسرائيل أولاً وقبل كل شىء، حتى لا تتحول إلى دولة منبوذة. هذه هى الحقيقة التى لا يصح إنكارها.

إذا أردنا أن نصارح أنفسنا بالحقائق فإن الفضل الأساسى لوقف إطلاق النار يعود إلى ضجر قطاعات متزايدة داخل الرأى العام الأوروبى بالذات من المجازر المتصلة التى تُرتكب فى غزة المحاصرة والجائعة دون خشية عقاب، كأنّ إسرائيل دولة فوق القانون.

 هذه حقيقة أخرى.

استنفرت المآسى المروعة الضمير الإنسانى فى احتجاجات شملت العواصم والمدن الأوروبية والغربية الكبرى بلا استثناء تقريبا، وداخل الولايات المتحدة نفسها.

بدت الاحتجاجات والتظاهرات الإيطالية الأكثر زخما؛ تظاهر فى العاصمة روما نحو مليون إيطالى فى يوم الإضراب العام. تلاحق رئيسة الوزراء اليمينية جورجيا ميلونى أمام المحاكم المحلية والدولية بتهمة التواطؤ فى حرب الإبادة على غزة. كان ذلك تطورا ينبئ بتغييرات عميقة سوف تحدث لا محالة فى توجهات المؤسسات الأوروبية وطبيعة نظرتها إلى عدالة القضية الفلسطينية.

بالاتجاه نفسه أصدر البرلمان الإسبانى قانونا غير مسبوق بـ«حظر تصدير أى معدات عسكرية، أو سلع، أو تكنولوجيا يمكن أن تُستخدم لأغراض قتالية، إلى إسرائيل».

بدأ الموقف الألمانى المؤيد تقليديا لإسرائيل يتزحزح إلى مساحات جديدة تؤكد على حق الفلسطينيين فى تقرير مصيرهم وامتلاك دولة.

إنه قوة الرأى العام ضاغطة ومؤثرة على مراكز صنع القرار. اعترف ترامب نفسه بتراجع نفوذ اللوبيات الإسرائيلية داخل مجلسى الكونجرس.

لخّصت مشاهد أسطول الصمود، بحشودها السياسية والثقافية والفنية، وبالطريقة العنصرية والمهينة التى عومِل بها ناشطوه من قِبَل الاحتلال، مستويات عالية من الغضب. تعالت فى الشوارع هتافات «فلسطين حرة» و«تسقط الصهيونية».

بدا ذلك جرس إنذار لترامب قبل الانتخابات النيابية الوشيكة.

ثم كان مشهد الخطاب المتعجرف الذى ألقاه نتنياهو أمام قاعة شبه فارغة بالجمعية العامة للأمم المتحدة تعبيرا عن عزلة دولية لا يمكن إنكارها.

فى السياق نفسه بدا زخم الاعترافات بالدولة الفلسطينية من دول غربية عهد عنها دعم وتأييد سياسات تل أبيب على مدى الصراع العربى الإسرائيلى، إنذارا أخيرا بتغيير محتمل فى طبيعة العلاقات معها.

لقطع الطريق على هزيمة استراتيجية نهائية لإسرائيل سارع ترامب إلى طرح خطته بالتنسيق مع نتنياهو.

استهدفت خطته تخفيف حدة الغضب الدولى على «العدوانية الإسرائيلية» وإفلاتها من الحساب، وتغيير البيئة العامة بتصويرها كشريك فى بناء السلام!

كان التقبل الإسرائيلى لتلك الخطة إجباريا، وليس عن اقتناع.

«فى النهاية ستتلاشى صور النصر من الشاشات، وتبقى صورة الركام فى غزة والقبور فى إسرائيل، وستبدأ الأسئلة الصعبة: هل كل ذلك يستحق؟ هل كنا نحتاج فعلاً إلى هذه الحرب؟ من الذى انتصر فعلاً؟»

كانت تلك أسئلة جوهرية طرحها الكاتب الصحفى الإسرائيلى جدعون ليفى على صفحات «هاآرتس».

فى القفز على الأسئلة الصعبة جهل وتجهيل بتعقيدات الأزمة الإسرائيلية المستفحلة.

يوحى نتنياهو مرة أن الحرب حققت أهدافها، ومرة أخرى يقول إنها لم تتحقق بعد وأنه يحتاج إلى وقت إضافى لإتمام مهمته فى استعادة الأسرى والرهائن وتقويض «حماس» ومنعها من العودة إلى حكم غزة.

رغم المعاناة المأساوية الفلسطينية قتلاً وتجويعا وإذلالاً يصعب القفز إلى نتائج نهائية، إسرائيل لم تنتصر والفلسطينيون لم يهزموا.

بتعبير آخر هُزمت إسرائيل أخلاقياً بصورة يصعب ترميمها ولم تحقق أهدافها المعلنة حتى الآن.

إحدى الفرضيات الشائعة أن ترامب يعمل على أن يحقق للإسرائيليين بالتفاوض ما لم يحققوه بالحرب.

ورغم ما يطلق عليه نتنياهو بـ«الإنجازات» قاصدا حروبه على جبهات عديدة، إلا أن غياب أى أفق سياسى لليوم التالى، فى فلسطين وخارجها على السواء، وتهيؤ إسرائيل لتوسيع عملياتها العسكرية ضد إيران وفى لبنان واليمن يجعل من شبه المستحيل الحديث عن سلام إقليمى وتطبيع علاقات مع الدولة العبرية.

لا يمتلك ترامب أى تصور متماسك ومنصف لتسوية القضية الفلسطينية أو للسلام الإقليمى الذى بدأ يتحدّث عنه فى مداخلاته المسهبة.

عزل غزة عن عمقها الفلسطينى فى الضفة الغربية مستحيل، وتجاهل حق الفلسطينيين فى تقرير مصيرهم بأنفسهم مستحيل آخر.

القضية الفلسطينية قضية تحرير وطنى أولا وأخيرا.

هذه حقيقة نهائية؛ إذا ما غابت فإن أى أحاديث عن سلام مستدام أو نزع سلاح المقاومة أو إدارة غزة من غير الفلسطينيين محض أوهام سوف تتحطم بعد وقت أو آخر على صخور الحقائق.

لأول مرة يعلن ترامب انفتاحه على مشروع حل الدولتين، لكنه يتبنّى فى الوقت نفسه صيَغاً لحكم غزة تستبعد الفلسطينيين.

هذه فوضى أفكار لا خطط سلام.

لا أحد بوسعه أن يعول على نتنياهو فى التزام استحقاقات المراحل التالية.

مراوغاته تسحب من الخطة نسبتها إلى أى نوع من السلام باستثناء ما يوصف بـ«سلام القوة».

إن الاحتفاء الإنسانى والضرورى بوقف إطلاق النار شىء، والحذر من الألغام الماثلة والمنتظرة شىء آخر تماما.

العالم كله تنفّس الصعداء، وأكبر خطأ يمكن أن نرتكبه هو عدم المضى قدما فى استثمار ثورة الضمير الإنسانى لنصرة القضية الفلسطينية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved