النقد الغائب
سيد محمود
آخر تحديث:
الأربعاء 13 نوفمبر 2024 - 2:54 م
بتوقيت القاهرة
ينشغل المتابعون للإنتاج الإبداعى فى العالم بسؤال مزمن حول قيمة ما يتم إنتاجه وعرضه على الناس وخلال السنوات السابقة اتسعت الفجوة بين الأعمال الرائجة تجاريا ورؤى النقاد الفاعلين فى مختلف الصناعات الإبداعية.
انظر حولك وستجد نقاد الأدب اليوم يتجنبون الروايات والكتب الرائجة سواء من باب التعالى أو عدم القدرة على التعامل مع تلك الأعمال وتحليلها انطلاقا من المنطق الفنى الذى يحكمها.
نفس الشىء تقريبا يمكن تطبيقه على الأعمال السينمائية التى كانت فى الماضى أكثر حضورا؛ وبيننا من يتذكر أن أفلام يوسف شاهين ومن بعدها أفلام مخرجى الواقعية الجديدة كانت تواجه عزوفا جماهيريا مثلها مثل الأفلام عالية القيمة التى تحتفل بها مهرجانات عالمية لكن الجمهور يعطيها ظهره على العكس من الأفلام التجارية التى تحقق إيرادات خيالية ورغم ضعف مستواها فإنها تجد حظا أوفر من الدعاية على المنصات الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعى التى أصبحت أكثر تأثيرا من الصحف والمجلات الراسخة التى لم تعد تحتفى كما فى السابق بالمقالات النقدية وتفضل المراجعات السريعة.
ومن المعلوم كذلك أن (المؤثرين) أو الانفلونسر يلعبون الدور الأهم فى توجيه ذائقة الجمهور وخياراته.
وأمام هذا الارتباك الحاصل فإن أية محاولة للسؤال عن وضعية النقد اليوم تستحق تحية تقدير لأنها تعيد وضع العربة أمام الحصان وتعمل على إعادة صياغة الأسئلة بشكل صحيح حول الدور الذى يمكن للنقد أن يلعبه اليوم.
ولا أزال أذكر الأثر الكبير الذى تركه مؤتمر النقد الدولى الذى كان يتولى تنظيمه أستاذنا الراحل الدكتور عز الدين إسماعيل، كما نذكر بالخير مؤتمرات المجلس الأعلى للثقافة أيام عزه حول قضايا المصطلح النقدى أو تلك المحاضرات التى شملت مشاركات أسماء مثل إدوارد سعيد أو جاك دريدا.
ولكل تلك الأسباب نالت أعمال الدورة الثانية من مؤتمر النقد السينمائى الدولى، الذى أطلقته هيئة الأفلام فى المملكة العربية السعودية ترحيبا كبيرا من مختلف أجيال النقد فى عالمنا العربى.
وقد خصصت دورة هذا العام لتناول موضوع مهم وجديد وهو «الصوت فى السينما» وبحث خلالها مُختلف تأثيرات الصوت فى تجربة الفيلم وأثره فى صناعة السينما، وذلك بتناول الجوانب المختلفة لهذا الموضوع والتى تشمل الموسيقى التصويرية والمؤثرات الصوتية وأصوات الطبيعة.
أتيح لمتابعى المؤتمر حضور ندوات مع أسماء مهمة فى السينما العربية الجديدة من بينها المخرجة المغربية أسماء المدير وعرضت كذلك أفلاما ذات أهمية كبيرة ومن بينها أعمال المخرج السورى الراحل عمر أميرالاى كما استقطبت الدورة أسماء مهمة سواء من داخل المملكة أو من خارجها، ومن بينها خيرى بشارة، ابراهيم العريس وكمال رمزى وليالى بدر وأمل الجمل وهوفيك حبشيان، رامى عبد الرازق، محمد هاشم عبد السلام محمد طارق ومحمد عبد الجليل، ورامى المتولى واحمد عزت عامر إضافة إلى أحمد شوقى وقيس قاسم من العراق وشريف المبروكى من تونس ونور السيف من السعودية.
فتح المؤتمر نقاشا مهما حول الفرص الواسعة التى تهيأت أمام الأسماء الجديدة فى السينما العربية فى إطار الاهتمام الكبير الذى توليه هيئة الأفلام لتأسيسِ وتطويرِ واستدامةِ القطاع السينمائى هناك مستهدفة تمكين النقد من ممارسة دوره كعنصر فاعل فى العملية الابداعية والربط بين منتج العمل والمتلقى.
وخلال جلسات المؤتمر تم تنظيم عروض لبعض الأفلام وورش عمل كما تم تنظيم معرض بعنوان «نبض الصوت» بمشاركة فنانين سعوديين منهم «محمد الفرج» و«لولوة الحمود».
ومع كل الترحيب بالمبادرة المهمة إلا أنها كانت بحاجة إلى توقيت آخر حيث أن أعمالها تبدأ وتنتهى فى برزخ ضيق لا يساعد فى تعزيز رسالتها، فأعمال الدورة تختتم قبل يوم واحد من انطلاق مهرجان القاهرة السينمائى كما أنها تبدأ بعد أسبوع واحد من ختام مهرجان الجونة الأمر الذى يسبب ارتباكا فى جدول المهتمين من النقاد ومن أهل الصناعة.
وأتصور أن التفكير فى توقيت آخر قد يساهم مساهمة فعالة فى إثراء النقاشات بالأسماء الفاعلة.
وعلى الرغم من أهمية ما طرح من أفكار خاصة فى معظم الجلسات وبالذات التى تناولت تجارب الصوت فى السينما السعودية الجديدة إلا أن وجود أصحاب تجارب مهمة فى إنتاج شريط الصوت فى السينما العالمية والعربية كان بإمكانه أن يترك تأثيرا أكبر على الأجيال التى تسعى لبناء خبرات، فالسعودية تملك اليوم الإمكانيات والكوادر التى تجعلها قادرة على استضافة أسماء تحلل منجز (بن بيرت) الذى ابتكر اسمًا لمهنته وهو مصمم الصوت عام 1977، مع فيلم (حرب النجوم) كما كنت أتوقع تحليلا لأعمال كريستوفر نولان أو تاركوفسكى وديفيد لنش وعباس كيارستمى، وكذلك أعمال ايليا سليمان عربيا حيث يلعب الصوت دورا رئيسيا.
من جهة أخرى فإن المؤتمر يحتاج إلى تكريس حضور أكبر للنقاد الأكاديميين داخل الجلسات لأنهم بحاجة لفرص احتكاك مع منتجى المحتوى الإعلامى باختلافه صوره ومستوياته لتجسير الفجوة بين منتجى الخطاب الأكاديمى وبين المؤثرين فى بناء العلاقة مع الجمهور ومنتجى الإبداعات الجديدة وما يشجع على التوسع فى هذا الاتجاه أن الشركة المنظمة يديرها الدكتور صالح زمانان وهو بخلاف إنتاجه الابداعى ينتظم فى دراسة أكاديمية متخصصة تجعله أكثر انحيازا لهذا الجانب، كما أنه من المفيد كذلك تنظيم عروض للأفلام تكون ذاتها موضوعا للتحليل عبر نماذج من النقد التطبيقى الفعال والأهم هو جعل هذه المناسبة مناسبة جماهيرية مفتوحة للمهتمين من جميع الأعمار والتجارب لكى يتم ترسيخها كتقليد.