عنف على الفيسبوك
جميل مطر
آخر تحديث:
الأربعاء 12 ديسمبر 2012 - 8:40 ص
بتوقيت القاهرة
بدأت معى فضولا وانتهت هواية. أقصد متابعتى لأساليب الكتابة والتدوين والتخاطب على صفحات الفيس بوك، وبخاصة المتصلة بانطباعات «الأصدقاء» عن تطورات السياسة. اكتشفت بعد قليل أن كثيرين غيرى اكتسبوا هذه الهواية، وبينهم علماء اجتماع وأكاديميون فى مصر والصين ودول فى الغرب. هؤلاء خصصوا وقتا يتابعون فيه ويراقبون ردود فعل مستخدمى الفيسبوك للتطورات السياسية ويقيسون عنف الخطاب المتبادل بينهم ويدققون فى طبيعة سلوكهم واختلافه عن أنماط السلوك فى أنشطة مماثلة يمارسونها على وسائط إلكترونية أخرى.
توصلت، وتوصل آخرون بغير تخطيط أو تنسيق مسبق، إلى أن بعض مستخدمى الفيسبوك يميل، على غير المعتاد بين مستخدمى وسائل إتصال أخرى كالتليفون مثلا، إلى التعليق بألفاظ عنيفة وأحيانا غير مهذبة. كثيرا ما تدهشنى اللهجة المستخدمة فى بعض التعليقات والرسائل فأعود إلى اسم مستخدمها فتزداد دهشتى. أنا أعرف الشخص، أعرفها أو أعرفه، عف اللسان ورقيق الحاشية وناعم المظهر، أو خجولا يحمر وجهه إذا بدرت من محدثه كلمة أو عبارة خادشة أو إن هو نفسه أخطأ فى التعبير عن غير قصد. ذكرنى ما توصلت إليه بصديق كان يقول «قد يخدعك ما ينطق به اللسان ولكن لن يخدعك ما يسطره القلم».
أتصور أن مستخدم الفيسبوك يشعر بحرية أكبر ويكتسب ثقة مضافة فى ذاته كلما جلس إلى هذه الواسطة العجيبة ليمارس التعليق ورد الفعل. أتخيله كمن يمارس فعلا أو نشاطا فى السر مطمئنا إلى أن أحدا لا يراه. أتخيله متمكنا وقادرا وجسورا ومستعدا لمواجه الأهوال العظام. تذكرت أفلام الفارس زورو والكونت دى مونتى كريستو، وكيف كنا نخرج من صالة السينما مقتنعين أن القوة الفائقة التى يتمتع بها كل منهما نابعة من القناع الذى يرتديه ويغطى به عينيه أو جل رأسه. يشعر أنه أقوى لأن خصمه أو شريكه أو معشوقته لا ترى وجهه، ويعتقد أنه غير قابل للهزيمة لأنه يظن، كما كنا نظن، أن الاختفاء وراء ستار أو قناع ضمان كاف ضد التعرض للإصابة.
أمام الاهتمام المتزايد بالظاهرة، وأقصد ظاهرة عنف خطاب مستخدمى الفيس بوك، أجرت جامعتا كولومبيا وبيتسبرج بالولايات المتحدة دراسة انتهت إلى أن الفيسبوك يضعف قدرتنا على التحكم فى إرادتنا. ويفسر المشرفون على الدراسة هذه النتيجة بملاحظة أجمعوا عليها وهى أن مستخدم الفيسبوك يشعر عادة أنه بين أصدقاء لن يعاتبوه إذا تهور أو بالغ فى الغضب أو أمعن فى استخام العنف اللفظى. ومع ذلك فقد لوحظ من ناحية أخرى أن مستخدمى الفيسبوك، فى غالبيتهم، يسعون دائما إلى تحسين صورتهم. نجدهم يغيرون «طللتهم» بين الحين والآخر فلا يستقرون طويلا على صورة أو رسم. حريصون دائما على الظهور فى أبهى مظهر و«على آخر موضة». لوحظ كذلك سرعة اكتسابهم لجسارة فى استخدام ألفاظ لم يعتادوا استخدامها فى لقاءاتهم العادية. بعضهم يهتم جدا بالحصول على أكبر عدد ممكن من التشجيع عبر Like ويعتبرونه شهادة إنجاز وتقدير، «الأمر الذى يزيد من ثقتنا بأنفسنا ويضخم ذواتنا، غير مدركين أنه يؤدى فى النهاية إلى ضعف قدرتنا على التحكم فى إرادتنا والسيطرة على أهدافنا عند الغضب والانفعال».
يقول معدو الدراسة، ومنهم الأستاذة Sherry Turkle، إنهم لاحظوا أن السلوك الناتج عن تضخم الذات لدى مستخدم الفيسبوك لمدد طويلة أشبه ما يكون بسلوك من تناول جرعات نبيذ أكثر من المعتاد، يتصرف بجرأة ويصدر رأيه بسرعة وكثيرا ما يخطئ الحكم على الأمور وتهيمن على أحكامه العاطفة. لاحظوا أيضا أنهم، أى مستخدمو الفيسبوك، يستهلكون كميات أكبر من الطعام وبخاصة الشيكولاتة والأكلات المسببة للسمنة.
مثير للدهشة القول بأن بعض التغير فى سلوك مستخدمى الفيس بوك ناتج عن غياب عنصر التواجه المباشر بمعنى أن أطراف الخطاب المتبادل لا ترى وجوه بعضها البعض، أقول مثير للدهشة لأنه بحكم التعريف كان الأصل فى فكرة الفيسبوك هو وجود «الوجه»، وليس غيابه.