دوافع التنافس الصيني الأمريكي على النفوذ في غرب إفريقيا
العالم يفكر
آخر تحديث:
الثلاثاء 13 فبراير 2024 - 7:27 م
بتوقيت القاهرة
نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة مقالا اشترك فى إعداده باحثو المركز، تناولوا فيه أسباب اهتمام بكين وواشنطن بمنطقة غرب إفريقيا، والآليات المتبعة لبلوغ أهدافهم، إضافة إلى عرض تداعيات هذا التنافس على منطقة غرب إفريقيا... نعرض من المقال ما يلى:
قام وزير الخارجية الصينى، وانج يى، خلال الفترة من 13 إلى 18 يناير 2024، بجولة إفريقية فى إطار تقليد دبلوماسى يمتد إلى 34 عاما، شملت بالإضافة إلى مصر وتونس، كوت ديفوار وتوجو، الواقعتين فى منطقة غرب إفريقيا. تلتها بنحو ثلاثة أيام، جولة مماثلة لنظيره الأمريكى، أنتونى بلينكن، إلى ذات المنطقة فى الفترة من 21 إلى 26 يناير، وهى الرابعة له إلى القارة السمراء منذ توليه منصبه، زار خلالها أربع دول، وهى الرأس الأخضر وكوت ديفوار ونيجيريا وأنجولا. وهو ما يعكس وجود تنافس متنامٍ بين بكين وواشنطن على النفوذ والهيمنة فى المنطقة ذات الأهمية الجيواستراتيجية للدولتين.
• • •
برزت أخيرا دوافع وأسباب عدة متباينة، عكست تجدد اهتمام بكين وواشنطن بمنطقة غرب إفريقيا عموما، والساحل الإفريقى خصوصا، ما دفعهما إلى زيادة حضورهما فى هذه المنطقة، وهو ما يمكن تناوله على النحو الآتى:
1ــ الحد من الوجود الاستراتيجى للقوى المنافسة: لا يعد الحضور الصينى والأمريكى فى منطقة غرب إفريقيا والساحل جديدا، بل يمتد لعقود طويلة. وهو ما يعكس الاهتمام المتزايد من قبل القوتين العظميين بهذه المنطقة ذات الأهمية الجيواستراتيجية لكليهما، وذلك بالنظر إلى ارتباطهما بمصالح عديدة ومتشابكة فى المنطقة. وبالتالى، فإنه يمكن تفسير حرص بكين وواشنطن على زيادة حضورهما فى المنطقة برغبتهما فى الحد من أو تقليل وجود القوة الأخرى المنافسة لها فى المنطقة، ومحاولة الانفراد بالسيطرة والنفوذ على المنطقة.
2ــ الإمكانات الاقتصادية الهائلة: تزخر دول غرب إفريقيا بكميات هائلة من الثروات والموارد الاقتصادية المتنوعة، كاليورانيوم والذهب والنفط والغاز، إذ تحتوى على 40% من الاحتياطيات العالمية للذهب، الذى تنتج 70% من إنتاجه العالمى فى الوقت الراهن، كما تحتوى على 9% من إجمالى الاحتياطيات العالمية للنفط. كما تمتلك أيضا سوقا استهلاكية ضخمة يصل تعدادها إلى 350 مليون نسمة. فضلا عن أنها تعد منطقة ذات مستقبل واعد للاستثمارات الخارجية، وهى مقصد للشركات الدولية متعددة الجنسيات. وبالتالى، فهى تعتبر ذات أهمية كبرى للاقتصادين الصينى والأمريكى، فى ظل ما تحظى به من إمكانات وموارد اقتصادية ضخمة يمكن أن يصب توظيفها فى مصلحة كل من بكين وواشنطن.
• • •
فى سياق تنافس بكين وواشنطن على زيادة حضورهما فى غرب إفريقيا والساحل، توظف الدولتان مجموعة متنوعة من الآليات والأدوات، لتحقيق أهدافهما ومصالحهما فى المنطقة، والتى يمكن توضيحها على النحو الآتى:
1ــ الدعم السياسى للنظم الحاكمة: تحرص الصين والولايات المتحدة، فى سياق تنافسهما على الزعامة والنفوذ فى منطقة غرب إفريقيا، على إبداء التأييد الواضح للنظم الحاكمة فى هذه الدول. فمن جانبها، حرصت بكين خلال الجولة الأخيرة لوزير خارجيتها، وانج يى، إلى كل من توجو وكوت ديفوار، على إبداء دعمها ومساندتها للدولتين. فقد أكد قائد الدبلوماسية الصينية دعم بلاده لتوجو فى مساعيها لتأمين سيادتها وأمنها وتنميتها، وهو الأمر الذى يعكس وجود رغبة متبادلة لدى الدولتين فى تعميق العلاقات الثنائية، التى تمتد لخمسة عقود، بينهما فى المرحلة المقبلة.
2ــ تعميق التعاون التجارى والاقتصادى: يمثل الجانب الاقتصادى والتجارى أحد الأبعاد المهمة فى سياق العلاقات بين الصين ومنطقة غرب إفريقيا، وتتعدد الآليات والأدوات التى توظفها الصين فى هذا الإطار. إذ تعمل بكين على توطيد علاقاتها الاقتصادية مع هذه الدول، من خلال التبادلات التجارية والاستثمارية، علاوة على مشاركة هذه الدول فى مبادرة الحزام والطريق الصينية.
3ــ تعزيز التعاون الأمنى والعسكرى: تعول الصين على دور أكبر للمجتمع الدولى فى العمل على استبباب الأمن والاستقرار فى منطقة غرب إفريقيا والساحل. فقد دعا داى بينج، نائب المندوب الدائم للصين بالأمم المتحدة، فى 11 يناير 2024، إلى تحقيق السلام والاستقرار ومكافحة الإرهاب والتنمية الاقتصادية فى دول غرب إفريقيا ومنطقة الساحل، من خلال بذل المجتمع الدولى جهوده لدعم هذه الدول فى تحقيق هذا الهدف.
كما تعمل الصين على تعزيز وجودها البحرى والعسكرى فى منطقة غرب إفريقيا، من خلال زيارات أساطيلها البحرية إلى المنطقة. وفى هذا الإطار، وصل أسطول بحرى صينى بقيادة المدمرة ناننينج، فى 2 يوليو 2023، إلى نيجيريا، بهدف مواجهة التهديدات التى تعترض الأمن البحرى والحفاظ على الاستقرار فى خليج غينيا، وذلك بالتعاون مع القوات البحرية النيجيرية.
أما الولايات المتحدة، فتعمل على ترسيخ وجودها فى المنطقة من خلال إقامة القواعد العسكرية. إذ تحاول واشنطن تعميق علاقاتها مع دول غرب إفريقيا التى تتمتع بدرجة كبيرة من الاستقرار، تمهيدا لإقامة قواعد عسكرية جديدة تقلل من اعتمادها على قاعدة أجاديس، التى أقامتها واشنطن فى شمال النيجر بتكلفة 100 مليون دولار، وتضم ألف جندى أمريكى، ولاسيما فى ظل حالة عدم الاستقرار التى تعانى منها النيجر بعد الانقلاب العسكرى الأخير.
• • •
هناك العديد من التداعيات التى يمكن أن تترتب على تنامى التنافس الصينى الأمريكى فى منطقة غرب إفريقيا والساحل، ويمكن توضيح أهمها على النحو التالى:
1ــ تزايد الحضور الصينى: من المتوقع أن تشهد الفترة المقبلة تزايدا ملحوظا فى الانخراط الصينى فى منطقة الغرب الإفريقى، ولاسيما من الناحية الاقتصادية والتجارية والاستثمارية، وهو الجانب الذى تركز عليه الصين بدرجة كبيرة فى إطار علاقاتها مع دول المنطقة، فى ظل حاجة اقتصادها إلى النفط والثروات المعدنية الكبيرة التى تزخر بها المنطقة، وكذلك حاجة الأخيرة إلى الاستثمارات الصينية. فقد قامت بكين خلال العقود القليلة الماضية بضخ استثمارات ضخمة فى إفريقيا فى مجالات منها تطوير البنية التحتية والموارد الطبيعية. كما نجحت فى تجاوز الولايات المتحدة كأكبر مستثمر فى إفريقيا.
2ــ تراجع الحضور الأمريكى: على الرغم مما عكسته جولة وزير الخارجية الأمريكى الأخيرة فى منطقة غرب إفريقيا والساحل من تجدد الاهتمام الأمريكى بالقارة الإفريقية وقضاياها، فإن ثمة اتجاها يذهب إلى أن تركيز الولايات المتحدة بشكل كبير على التعامل مع الأزمات المتفاقمة فى منطقة الشرق الأوسط، كالحرب الإسرائيلية فى قطاع غزة، والأوضاع المضطربة فى البحر الأحمر، علاوة على أزمة الحرب فى أوكرانيا، بجانب انشغالها بالتنافس مع الصين، وعدم وفاء الرئيس الأمريكى جو بايدن بتعهده بزيارة إفريقيا فى العام الماضى، يجعلها لا تبدى اهتماما كبيرا بالتعامل مع الأوضاع فى منطقة غرب إفريقيا والساحل، وهو ما يضعف قدرتها على تحقيق الأمن والاستقرار فى غرب إفريقيا، وهو ما يجعل هذه المنطقة ساحة لتزايد النفوذ الصينى والروسى.
3ــ إشكالية الموازنة بين بكين وواشنطن: يفرض التنافس بين الصين والولايات المتحدة على الزعامة والنفوذ فى منطقة غرب إفريقيا على دول هذه المنطقة ضرورة الموازنة فى علاقاتها بين الدولتين، لتجنب الانحياز إلى أحد الجانبين. ومن الواضح أن دول المنطقة تدرك بشكل كبير هذه الإشكالية وتدير علاقاتها مع الدولتين بناء على حسابات دقيقة تراعى فيها مصلحتها الوطنية بالدرجة الأولى، دونما أى اعتبار لاعتبارات التنافس الاستراتيجى بين بكين وواشنطن فى المنطقة.
وفى التقدير، يمكن القول إن الفترة الأخيرة شهدت بروز العديد من العوامل التى دفعت الصين والولايات المتحدة إلى زيادة حضورهما فى منطقة غرب إفريقيا والساحل، بما يعكس تجدد التنافس بين القوتين الكبريين على النفوذ والهيمنة فى هذه المنطقة الجيواستراتيجية من إفريقيا والعالم، عبر توظيف كل طرف منهما لما يمتلكه من آليات وأدوات دبلوماسية واقتصادية وعسكرية، لتحقيق أقصى استفادة ممكنة، بما يصب فى زيادة نقاط القوة لطرف على حساب الآخر. ومع ذلك، فإن الواقع يشير إلى أن الصين تمضى بخطى واثقة نحو ترسيخ وجودها فى الغرب الإفريقى والساحل، ارتكازا إلى دبلوماسيتها الاقتصادية والتجارية، فى الوقت الذى يتضاءل فيه نسبيا الاهتمام الأمريكى بالفعل بأزمات المنطقة، رغم زيارات كبار دبلوماسييها، بسبب انشغالها بأزمات إقليمية وعالمية أخرى تحظى بالأولوية لدى واشنطن على حساب إفريقيا. وهو ما يترك المجال مفتوحا أمام بكين لزيادة حضورها فى القارة من بوابة قيادتها لما يسمى «الجنوب العالمى».
النص الأصلي