التنمر الاقتصادى الأمريكى.. المخاطر والتحديات

أيمن النحراوى
أيمن النحراوى

آخر تحديث: الخميس 13 مارس 2025 - 6:35 م بتوقيت القاهرة

القوة الاقتصادية الأمريكية التى تصل قيمة ناتجها المحلى الإجمالى إلى 30 تريليون دولار، مقارنة بالصين 19 تريليون دولار، وألمانيا 5 تريليونات دولار، واليابان 4 تريليونات دولار، تجعل الفارق شاسعا بين الولايات المتحدة وأقرب منافسيها الاقتصاديين، لكن الولايات المتحدة زعيمة الرأسمالية والليبرالية فى العالم، هى نفسها الآن التى تقوض اتفاق التجارة الحرة ومنظمة التجارة العالمية بانتهاجها سياسات اقتصادية وتجارية أحادية حمائية ومعوقة تجاه الدول الأخرى.
يعرف العالم كله أن السياسة والاقتصاد وجهان لعملة واحدة، لكن لم يدر فى ذهن أحد أن تتجه الأمور فى العالم إلى خليط غير مسبوق من التنمر الاقتصادى والابتزاز السياسى، والذى تجلت مشاهده أثناء اللقاء العاصف بين الرئيسين الأمريكى والأوكرانى فى لقاء مذاع على مرأى ومسمع من العالم بأسره.
الرئيس ترامب قام دون مواربة أثناء زيارة زيلينسكى له فى البيت الأبيض باستغلال الوضع العسكرى والاقتصادى المتدهور لأوكرانيا، وأمره بتوقيع إتفاقية إطارية تتيح للولايات المتحدة استغلال موارد أوكرانيا الهائلة من المعادن الاستراتيجية والنادرة، وذلك فى مقابل ما حصلت عليه أوكرانيا من مساعدات أمريكية، مبررا مطلبه بأن تلك الاتفاقية ستبقى الولايات المتحدة معنية بضمان الأمن والاستقرار فى أوكرانيا.
فى أوروبا أيضا امتدت المطامع الاقتصادية الأمريكية إلى جزيرة جرينلاند، بإعلان الرئيس الأمريكى عن رغبته فى شراء جزيرة جرينلاند، ثم تحريضه سكانها على الاستقلال عن الدنمارك والانضمام للولايات المتحدة، ويبدو أن ذلك دافعه الثروات الطبيعية الضخمة التى تتمتع بها، حيث تحتوى الجزيرة على النفط والغاز الطبيعى والمعادن الثمينة مثل الليثيوم والكوبالت، التى تعتبر حيوية لتصنيع السيارات الكهربائية وتوربينات الرياح.
جرينلاند تعتبر أيضا ذات أهمية جيوسياسية واستراتيجية كبرى كموقع اتصال حاكم بين أمريكا الشمالية وأوروبا، ما يجعلها ذات أهمية قصوى من منظور الدفاع والأمن الأمريكى والممرات البحرية الحيوية مثل ممر الشحن الشمالى الغربى الذى يربط بين جرينلاند وأيسلندا والمملكة المتحدة وأوروبا والولايات المتحدة.
• • •
التنمر الاقتصادى الأمريكى أخذ شكلاً آخر تجاه المكسيك الجارة وثانى أهم شريك تجارى، حين فرض الرئيس ترامب فى أسبوع رئاسته الأول رسوما تجارية 25 % على الصادرات المكسيكية، رابطا إياها بملفات أخرى مثل تهريب المخدرات والهجرة غير الشرعية، وكرد فعل ردت رئيسة المكسيك بقوة على قرار ترامب، وذكرت عددا من أهم الصادرات الأمريكية للمكسيك، كما ذكرت بديلا لكل منها يمكن للمكسيكيين شراءه من أى مكان فى العالم.
لكن رئيسة المكسيك ورغبة فى عدم التصعيد مع إدارة الرئيس ترامب أعلنت عن استراتيجية لإعادة المواطنين المكسيكيين المُرحَّلين، كما طمأنت الرئيس ترامب على الموقف الحازم للمكسيك ضد عصابات تهريب المخدرات التى يعتبرها ترامب منظمات إرهابية أجنبية، بل واتهم حكومة المكسيك بأنها فى تحالف غير مقبول مع تلك العصابات، وهدد بعدد من الإجراءات الأمريكية منها تنفيذ ضربات خارج الحدود وتجميد الأصول المكسيكية، واحتجاز مسئولين مكسيكيين.
كندا الجارة الشمالية للولايات المتحدة وأهم شركائها التجاريين، تعرضت لذات التنمر الأمريكى من الرئيس ترامب الذى فرض على صادراتها رسومًا تجارية 25%، ثم خرج من عالم الاقتصاد إلى عالم السياسة بتصريح مدوٍ عن رغبته فى ضم كندا إلى الولايات المتحدة لتكون الولاية الحادية والخمسين، وهو ما أصاب الكنديين بالوجوم والهلع، فخرج رئيس وزرائها يعلن استعداده لمزيد من التعاون والتكامل لكن ليس على حساب سيادة كندا واستقلالها.
• • •
الهند التى تعد أحد الشركاء التجاريين المهمين للولايات المتحدة، وصفها الرئيس ترامب بأنها ملك الرسوم الجمركية وحذرها بأنها لن تكون محصنة من الزيادة فى الرسوم الجمركية، وخاصة أن هناك عجزا تجاريا بين الولايات المتحدة والهند بقيمة 50 مليار دولار لصالح الهند.
لم تكن الصين بعيدة عما يحدث فقد قامت إدارة الرئيس ترامب بفرض رسوم جمركية على الصين مرتين، المرة الأولى خلال الأسبوع الأول من تنصيبه وكانت بنسبة 10% ثم ضاعفتها إلى 20% الأسبوع الماضى، فردت الصين على ذلك بفرض رسوم جمركية بنسبة 10% و15% على مجموعة كبيرة من الصادرات الزراعية الأمريكية وفرضت قيودا على عدد من الشركات الأمريكية.
وفى ظل ذلك التصعيد خرج وزير التجارة الصينى ليعلن أن الصين لن تستسلم للتنمر الأمريكى، وإن اقتصادها يستطيع التعامل مع الرسوم الجمركية الجديدة التى فرضها الرئيس ترامب وغيرها من التحديات، مؤكدا أن سياسة الإكراه والتهديدات لن تفلح مع الصين، وأن الصين مصرة على الدفاع عن مصالحها، ورغم ذلك فقد لجأ فى النهاية إلى الحكمة الصينية بقوله أنه لا يوجد رابحون فى أى حرب تجارية، وأن الحوار البناء يمكن أن يحل الكثير من المشكلات.
فى ذات الإطار جدد ترامب تهديده لدول مجموعة بريكس التى تضم الهند والصين وروسيا والبرازيل، والتى تسير فى خطوات تأسيس عملة مجموعة بريكس الخاصة، بأنه إذا حدث أى تداول لتلك العملة، وأرادت تلك الدول العبث مع الدولار أو الانتقاص من مكانته الاقتصادية العالمية، فسيصدر قراره بأن تكون الرسوم الجمركية بنسبة 100% على الأقل على صادرات تلك الدول للولايات المتحدة.
• • •
كل ما سبق من أعمال التنمر الاقتصادى مازال مندرجا تحت سياسات تبادل التأثير والتأثر بين دول ذات اقتصاديات قوية واختيارات متنوعة ومتعددة من البدائل والشركاء التجاريين، لكنها ستكون طامة كبرى فى اليوم الذى ستلجأ إدارة ترامب فيه لممارسة ذلك الأسلوب على دول ذات اقتصادات نامية أو أحوال اقتصادية هشة لتحقيق مآرب سياسية معينة بإجبارها على اتخاذ قرارات تأبى أن تتخذها تلك الدول فى الأحوال العادية.
والدول الأكثر ترشيحا لذلك هى الدول النامية فى إفريقيا وآسيا، كما أن منطقة الشرق الأوسط أيضا مرشحة لذلك بشدة وهى منطقة تحظى باهتمام الرئيس ترامب الذى يسعى لفرض رؤيته على واحدة من أخطر القضايا فى المنطقة والعالم وهى القضية الفلسطينية.
ليس من المستبعد، بل هو من المحتمل والوارد، لجوء الرئيس ترامب إلى سلاح التنمر الاقتصادى لفرض رؤيته عن ما يسمى الاتفاقات الإبراهيمية، وقام بموجب ذلك بفرض رسوم من جانب واحد على التجارة الخارجية لدولة معينة، أو منع المعونات والمساعدات الاقتصادية عن هذه الدولة لإجبارها على الانصياع والرضوخ، وهى سياسة براجماتية متطرفة واردة التنفيذ.

أستاذ ومستشار الاقتصاد الدولى واللوجيستيات

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved