العشوائيات والتعليم الفنى
عماد الغزالي
آخر تحديث:
الإثنين 13 أبريل 2015 - 9:15 ص
بتوقيت القاهرة
استحدث التعديل الوزارى الأخير وزارة للتعليم الفنى، وضم تشكيل حكومة محلب فى صيغته الأولى وزارة للعشوائيات والتنمية الحضارية، وأتصور أن الاختيارين يعبران عن توجّه عام للحكومة فى المرحلة المقبلة، وإلا: فما الذى يدفعها إلى إنشاء وزارة لكليهما؟
أما العشوائيات فخطورتها أوضح من أن تخطئها عين، وتمددها الذى بدأ منذ ثمانينيات القرن الماضى تجاوز العاصمة إلى كل محافظات مصر.
حسب الإحصائيات الرسمية، فإن مصر بها أكثر من 1200 منطقة عشوائية يسكنها أكثر من 16 مليون مواطن، وتستحوذ القاهرة وحدها على أكثر من 50% من هذه المناطق، فضلا عن سكنى المقابر، وهى ظاهرة تنفرد بها دون سواها من عواصم العالم.
والحقيقة أن الكلام عن خطورة العشوائيات لم يتوقف منذ بدأت الظاهرة، لكن جهود محاصرتها والقضاء عليها لم تحقق نتائج ملموسة على الأرض، بل على العكس، توسعّت واستفحلت، حتى صرنا مجتمعا عشوائيا إلا قليلا.
وكما قلت لك من قبل، فإن غياب التخطيط وفوضى البناء وبشاعة المنظر، ليست هى الجوانب الأخطر فى تسيّد العشوائيات، الأكثر فداحة هى أنماط السلوك المعبّرة عن هذا التحوّل، والذين يتساءلون عن التحولات التى طالت الشخصية المصرية، وتراجع قيم الجدعنة والشهامة والإيثار ومراعاة حقوق الجار، لا يمكنهم تجاهل التمدد الأخطبوطى للعشوائيات، والباحثون عن أسباب العنف والتطرف وضعف الانتماء، لا يغيب عنهم تأثير هذه البيئة على قاطنيها.
وأتصور أن وجود وزارة للعشوائيات يعنى أن الحكومة تأخذ الأمر هذه المرة على محمل الجد، ونتمنى أن نرى أثرا قريبا لهذه الجدية، وأن يعكس النجاح فى هذا الملف صورة للتعاون بين الجهود الرسمية ومؤسسات المجتمع المدنى الناشطة فى هذا المجال.
نتمنى أيضا أن يكون تخصيص وزارة للتعليم الفنى، بداية للتفكير بطريقة أكثر عملية وابتكارا فى ملف التعليم كله، وأن نتخلص من أوهام كانت ثمارها ملايين العاطلين من حملة المؤهلات العليا، كثير منهم دخل الجامعة وغادرها، دون أن يتعلم شيئا.
الأمر إذن يتعلق بالمحتوى وباحتياجات سوق العمل، وهنا بالضبط مربط الفرس.
تخصيص وزارة للتعليم الفنى، يعنى أن الدولة باتت تدرك أهمية هذا القطاع، وأنها تحتاج إلى حرفيين ومهنيين على درجة عالية من التخصص والمهارة فى المرحلة المقبلة.
غير أن هذا التوجّه تعوقه مشكلتان رئيسيتان، أولاهما نظرة المجتمع المتدنية لخريجى هذه المدارس من حملة «الدبلومات الصناعية والفنية»، والثانية هى مناهج التعليم والإمكانات المتاحة بهذه النوعية من المدارس.
أما المناهج والإمكانات وتحسين مستوى الخريجين، فأمر فى رقبة الوزير ووزارته المستحدثة، وعلى الحكومة إن كانت جادة فى اختيارها، أن تدعم هذا التوجه كى توفر للسوق ما تحتاجه، عوضا عن مئات الآلاف من الخريجين الذين لا تحتاجهم سوق العمل.
أما نظرة المجتمع فتستلزم إجراءات عملية لا تتوقف على التوعية والدعاية، وقد جربناها فى حملات تنظيم النسل، وكانت النتيجة معدلات زيادة سكانية هى بين الأعلى فى العالم!
ما أقترحه هو أن تتحول هذه المدارس إلى «كليات مجتمع»، هذه تجربة سبقتنا إليها دولة الإمارات ودول عديدة أخرى فى العالم، منحت خريجى هذه المدارس شهادات عليا لا دبلومات فنية، وصار خريجوها فخورين بأنفسهم بين أقرانهم، والمجتمع أيضا فخور بعطائهم.
هذه الكليات ستكون معملا لإنتاج الصنايعى «النمكى» الذى افتقدناه فى سوق عمل يعبث به كل من هب ودب، وبداية لتغيير نظرة المجتمع الدونية لأصحاب الحرف والصنائع.
أرجوكم.. فكروا خارج الصندوق.