ضرورة ممارسة السياسة
علي محمد فخرو
آخر تحديث:
الأربعاء 13 أبريل 2022 - 9:35 م
بتوقيت القاهرة
فى مقال الأسبوع الماضى توصلنا إلى أن هناك محاولات مكثفة لتكوين شخصية شابة عربية خليجية لا تهتم بالسياسة، فكرا والتزاما بمسئوليات وطنية وقومية واجبة ونضالا من أجل تحقق تلك الالتزامات، وتكتفى بأن تكون جزءا كفؤا مطيعا من ماكينة الإنتاج الاقتصادى. وبالطبع ذلك يصدق على كل الوطن العربى دون استثناء.
لنطرح السؤال التالى: لماذا التركيز على تشويه وتدمير الجانب السياسى فى تلك الشخصية؟ لأن علم السياسة هو، كما يقال، معنى بكل مكونات الدولة وتنظيمها وقيمها، وكل تفاصيل الحياة اليومية فيها، أى أنه علم الدولة.
هذا الاتساع فى الاهتمامات سيجعله علما مرتبطا أشد الارتباط بالثقافة العميقة الملتزمة التى تتداخل، أسئلة وإجابات، بعلوم التاريخ والاقتصاد والاجتماع والقانون والنفس، وحتى إلى حدود عوالم العلوم الطبيعية. من هنا كانت علاقة السياسة بالثقافة علاقة تبادلية، ولتصبح الثقافة شرطا من شروط التكون السياسى الناضج المتزن العقلانى.
من هنا أيضا ذلك الاهتمام بالسياسة من قبل كبار مفكرى وفلاسفة وفقهاء العالم القدامى من أمثال كونفوشيوس وأفلاطون وأرسطو ونبى الإسلام محمد (صلعم) والفارابى وابن رشد وابن خلدون والألوف من غيرهم عبر التاريخ وعبر الأزمنة الحاضرة.
ذلك المشهد للسياسة، علما ووعيا وممارسة والتزاما أخلاقيا وتحكيما لضمير يقظ بالغ الحساسية، هو الذى يخيف الجهات التى تسعى لتشويه شخصية الإنسان العربى فى الوطن العربى كله. تلك الجهات لا يهمها أن تكون السياسة هواية عابرة، تنشط أحيانا لتغفو أحيانا أخرى، مرتبطة بمطلب معيشى متغير محدود يقود إلى فورة مؤقتة. ما يخيفها هى الثوابت الكبرى فى الفكر والمنهجية والنضال الطويل الأمد، وعلى الأخص الجانب التنظيمى المصر على نقل المجتمعات إلى حالات متقدمة من ممارسة الديمقراطية العادلة الحقيقية، غير المظهرية، فى حقول السياسة والاقتصاد والاجتماع، وليس فقط فى الأمور السياسية التنظيمية، من مثل الانتخابات الدورية والمجالس.
الخوف هو من الفكر النير القلق المتسائل الإبداعى، المرتبط بالعلم والثقافة العميقة والحساسية المفرطة لفضيلة العدالة، عدالة الحق والقسط والميزان فى وجه الظلم والطغيان.
لا نحتاج إلى التذكير بالأخطار التى تحيق بأمة العرب، من المحيط إلى الخليج وبدون استثناء على الإطلاق. الخروج من ذلك لن تكفيه جهود الحكومات مهما بلغت من الكفاءة والشفافية ونظافة اليد. هذه المهمة تحتاج إلى جهود المجتمعات أيضا، وعلى الأخص شاباتها وشبابها. من هنا أفضل للحكومات، بدلا من إبعادهم عن السياسة، أو إغرائهم بممارسة أنشطة سياسية انتهازية مبتذلة، أن تعينهم على ممارسة نشاطات سياسية سلمية ديموقراطية متزنة، بفتح الباب على مصراعيه، وضمن قوانين عادلة، لقيام شتى أشكال المؤسسات السياسية، من أحزاب وجمعيات ونقابات ونوادٍ وروابط مستقلة وديمواقراطية.
وهى قادرة على أن تبدأ بجعل الانتقال إلى ذلك من خلال تعليم ثقافة سياسية عقلانية لكل الطلاب، لإنتاج مواطن مسئول، ومن خلال تدريب على ممارسة تلك الثقافة فى المدرسة والجامعة.
لم يبعد الشباب والشابات عن تعلم وممارسة علم السياسة فى أى مكان إلا وكانت النتيجة وبالا على المجتمع الذى يصبح أسيرا للانتهازية والزبونية وكل أنواع المظالم والفساد.