تشرتشل؟ نتنياهو يذكّر أكثر فأكثر بمؤسّس الحركة الفاشية موسوليني
من الصحافة الإسرائيلية
آخر تحديث:
الجمعة 13 يونيو 2025 - 8:40 م
بتوقيت القاهرة
بعد مُضِىّ عامين ونصف العام من ولاية حكومة نتنياهو وسموتريتش وبن غفير، يمكن الاعتراف بأن: إسرائيل لم تعد ديمقراطية، وفى حالة تراجُع، وعلى كثير من الصُعد، باتت دولة تطبّق «الفكر الفاشى» الذى كتبه ونشره بينيتو موسولينى فى كتابه فى سنة 1932. يمكن الادّعاء أن ربط حكومة نتنياهو بمصطلحات، مثل الفاشية، هو مجرد أداة يستغلها اليسار من أجل التنافس السياسى، لكن من المهم الوقوف على مبادئ فكر موسولينى الفاشى، وكيف تطبِّقه حكومة إسرائيل. وأطرح أمامكم بعض هذه المبادئ باختصار:
القومجية وتعظيم الدولة. هذه الأفكار هى الأهم فى الفكر الفاشى. فالدولة، بتوجيه من السلطة، هى التى تمثل ضمير الإنسان وإرادته. والحكومة، لا المجتمع، هى المسئولة عن تعليم المواطَنة، وهى التى تُخضع العلم والقانون للسلطة، وتنمّى ثقافة أمنية وعنيفة. والقومية العرقية المتطرفة هى سِمة أيديولوجية واضحة لحكومة إسرائيل، إذ تشرّع الحكومة تقريبا كل إجراء عسكرى، أو اقتصادى، أو استيطانى، يرسّخ تفوُّق الدولة اليهودية.
الفكرة والتطبيق
تتضمن الفاشية نظرية فكرية، وهى الحقيقة المطلقة، فضلا عن مبادئ عمل واضحة. يمثّل الانقلاب الدستورى الذى قام به ياريف ليفين، وبدعم من نتنياهو، خطة تهدف إلى إلغاء استقلالية المنظومة القضائية. أمّا خطة شلومو كرعى، فهى باب للسيطرة السياسية على الإعلام؛ هذا علاوةً على أن الهجوم على منظومات تطبيق القانون وأجهزة الأمن هو أداة قمع أُخرى، هدفها الإسكات. أمّا التضحية، فبات معناها المصلحة الخاصة والاستعداد للتضحية بحياة الفرد لمصلحة الدولة. نتنياهو وداعموه يشعلون حربا من دون معنى، ويخاطرون بحياة المخطوفين، بعكس موقف أغلبية الجمهور.
الذكورية. عظّم موسولينى من مكانة القوة الذكورية وتأثيرها فى الصراعات العسكرية والقرارات القومية. وحكومة نتنياهو الحالية التى تقود إسرائيل نحو صراع داخلى وخارجى غير مسبوقَين، تتألف من 28 وزيراً وفقط 5 وزيرات. وما لا يقل خطورةً عن ذلك: أنه لا يوجد اليوم مديرة عامة فى وزارة واحدة فى الحكومة. وبعكس أغلبية الدول المتطورة، لا يوجد ضمان قانونى للتمثيل النسائى فى إسرائيل، فى الأساس، بسبب معارضة الأحزاب الحريدية.
التدين
الفاشية الدينية لها مكانة محترمة، حتى إنها محمية. ذهب نتنياهو وحكومته بعيدا فى قضية مكانة الدين فى الدولة، وعلى كثير من الصُعد، حتى إنهم ذهبوا أبعد من الرؤية الفاشية. فالقوانين العرقية واختراق الدين فى كثير من الأجهزة فى الدولة ووجوده فى الحيز العام، أمور كلها قرّبت إسرائيل من نموذج الدولة الثيوقراطية تحت حُكم نتنياهو.
الانضباط والسلطة. إن هدف الفاشية هو فرض السيطرة، من دون معارضة، أو انتقادات مدنية. فى البداية، نجح نتنياهو فى ترويض نواب حزبه الذين باتوا يتماشون معه، ويلتفون حول «القائد الأعلى»، ويؤيدونه. بعد ذلك، شنّ رئيس الحكومة والمحيطون به جملة من التحريض المنظّم ضد أجهزة إنفاذ القانون، كانت تهدف إلى السيطرة على الموظفين الذين يخدمون الجمهور، وغير مُنتخبين، وسعوا لاستبدال المستشارة القضائية للحكومة وتعيين أشخاص مقرّبين منهم فى قيادة الشرطة والإعلام، والآن، فى «الشاباك»، باختيار ديفيد زينى لرئاسة الجهاز.
دعم الحرب
الأيديولوجيا الفاشية تتبرأ من السعى للسلام الدائم، وتشكك فى النيات الحسنة للشعوب المحيطة. الفاشية تدعم أيضا الاحتلال والتوسع الجغرافى. نتنياهو وشركاؤه يعارضون إنهاء الحرب فى غزة، على الرغم من اغتيال جميع قادة الهرم القيادى السياسى والعسكرى لـ«حماس»، وهناك وزراء، من ضمنهم وزراء فى «الليكود»، يصرّحون علناً بأن الطموح هو احتلال القطاع وتجديد الاستيطان اليهودى فيه.
لكن النزعة التوتاليتارية هى الشىء الوحيد الذى يُعد من أساسات الفاشية، ولم تُطبّق على أنصار نتنياهو فى إسرائيل. بحسب الفكرة الشمولية، يجب أن يكون هناك حزب واحد وزعيم، يُخضعان مؤسسات الدولة والمجتمع لسيطرتهما الكاملة. هذا لم يحدث بعد، لكن الأساس النفسى الشمولى موجود فى وعى نتنياهو، وهنا يكمن الخطر.
قبل نتنياهو، كانت إسرائيل نموذجا من ديمقراطية استثنائية. إنها الدولة الديمقراطية الوحيدة فى العالم التى تعيش صراعا عنيفا لا يمكن السيطرة عليه، وحدودها ليست ثابتة، وهويتها القومية معرّفة بحسب الدين، وحكومتها هى الأكثر مركزيةً فى العالم الديمقراطى. ونظامها الانتخابى غير موجود فى الأغلبية العظمى من دول منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية (OECD)، وتفتقر إلى نظام حكومى إقليمى، وإلى دستور وسياسة منظّمة من أجل تقليص الفجوات داخل المجتمع، كالسياسات الموجودة فى الدول الديمقراطية.
وبدلاً من حلّ كلّ هذه الإشكاليات، اختارت حكومة إسرائيل تفكيك منظومات الحكم كليا فى الدولة. ويستمر نتنياهو فى التفاخر برؤية تشرتشل وقيادته، لكنه يذكّر أكثر بالسياسة الهدّامة لمؤسس الحركة الفاشية موسولينى.
ساغى إلباز
هاآرتس
مؤسسة الدراسات الفلسطينية