غزة.. وهل ماتت ضمائرنا؟!

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الأحد 13 يوليه 2025 - 8:15 م بتوقيت القاهرة

هل مات ضمير العالم تماما بحيث إن خبر مقتل نحو مائة فلسطينى يوميا معظمهم يقف فى طوابير للحصول على الحد الأدنى من الغذاء، يتحول إلى خبر عادى لا يهز أى مشاعر أو يثير أى نخوة؟!

دائما يقال إن الصحفيين والإعلاميين ينبغى أن يلتزموا الحياد ويتعاملوا مع الصراعات بموضوعية حتى ينقلوا الأخبار للقراء والمشاهدين بصورة كاملة بعيدا عن التلوين والتحيز.

نعم، على أى صحفى وإعلامى مهنى جاد أن ينقل الأخبار كما هى، لكن هو إنسان أولا وأخيرا ولديه قلب ومشاعر، ومن حقه أن يتأثر ويبكى ويصرخ كأى مواطن آخر، حينما يرى عمليات الإبادة الجماعية الدائرة الآن فى قطاع غزة، وفى العديد من بلدان المنطقة على يد آلة القتل الإسرائيلية المدعومة أمريكيا.

أخطر ما يمكن أن يصيب ضمير وقلب وعقل أى إنسان أن يطبع مع الظلم والقتل والإبادة.

نوعية الأخبار الشاذة والغريبة والمؤلمة القادمة من غزة لم تعد تثير اندهاش الناس، وهكذا فأن يقوم جندى أمريكى يفترض أنه يحرس ما يسمى بمنطقة المساعدات الإنسانية بإلقاء قنبلة على الفلسطينيين الذين يريدون الحصول على أى قدر من الطعام، لم يعد أمرا يثير الاندهاش.

 ومن أسوا الأخبار التى قرأتها خلال العدوان الإسرائيلى الأخير على إيران أن بعض الطيارين الإسرائيليين وهم عائدون من عمليات العدوان قالوا لقاداتهم: «لدينا ذخيرة وقنابل إضافية لم نستخدمها، هل يمكننا أن نسقطها على غزة؟!!».

رأينا أيضا ضابطا إسرائيليا يحض جيرانه ومعارفه غير العسكريين ليقوموا بنزهة فى غزة يصطادون خلالها أكبر قدر من الفلسطينيين الأبرياء.

رأينا ضباطا وجنودا إسرائيليين يقتلون فلسطينيين قرب ما يسمى بمحور نتساريم وحينما يقترب أهلهم لسحب جثثهم لدفنها، يقوم الجنود بقتلهم، وهكذ، يتم ترك الجثث لتنبشها الكلاب الجائعة أمام أعين الأقارب والأهل.

أدين العدوان الإسرائيلى على غزة بكل ما أملك من كلمات، ويمكن أن أتفهم أن يسعى الجيش الإسرائيلى للانتقام من مقاتلى فصائل المقاومة الفلسطينية بسبب عملية «طوفان الأقصى» التى مرغت سمعة الجيش الإسرائيلى فى الوحل، رغم أن هذه الفصائل يحق لها مقاومة المحتل بكل الوسائل، لكن لا أفهم بالمطلق كيف يمكن لجيش يقول إنه محترف وأخلاقى ويطبق كل معايير وقواعد الاشتباك أن يستأسد على أبرياء، ويعتبر ذلك بطولة؟!!.

لكن صرنا ندرك أن هذا جيش عنصرى يخدم فى بلد معظم أفراده من العنصريين المتطرفين القتلة إلا من قلة قليلة.

لكن ما لا نفهمه هو هذا الصمت العربى والدولى، على شعب كامل يتعرض للإبادة الجماعية كل لحظة.

كيف يمكن الصمت على الاستهداف الممنهج للأبرياء الفلسطينيين الذين يصطفون فى طوابير للحصول على المساعدات، فى منطقة خاضعة لسيطرة الجيش الإسرائيلى، وتديرها مؤسسة أمريكية تدعى أنها إنسانية؟!!!

كيف يمكن قتل نحو مائة فلسطينى ينتظرون المساعدات يوميا؟!

ما الذى ينتظره العرب والعالم للتحرك؟!.

نعم هناك بيانات إدانة وتنديد وشجب واستنكار كل يوم من عدد كبير من الدول العربية والعالمية، لكن ما الذى تفيده هذه البيانات إذا كانت المجزرة مستمرة بهذه الوتيرة؟!

ألم يسأل البعض نفسه: أن ما يحدث عمليا هو تهجير صامت، فبدلا من طرد الفلسطينيين أحياء للخارج وتحمل تكاليف مادية وصعوبات سياسية وإدانات دولية، يتم قتلهم بهذه الوتيرة كل يوم؟!.

وبالتالى تحقق إسرائيل هدفها، وتدفع ما تبقى من الفلسطينيين إلى مغادرة أرضهم؟!

ما الذى تنتظره الدول العربية وأى دولة تدعى أنها تفهم معنى الإنسانية بعد المقترحات الإسرائيلية الهادفة إلى احتلال ٤٠٪ من مساحة قطاع غزة، وحشر معظم سكانه فيما يسمى بالمدينة الإنسانية فى رفح، أليست هذه هى الخطوة التى تسبق التهجير القسرى مباشرة؟!.

حينما غزت أمريكا العراق فى مارس 2003 وكان عدد الضحايا العراقيين مائة يوميا كان هذا يعنى أنه خبر صفحة أولى، ولكن حينما صار هذا الرقم يتكرر كل يوم، صار مكانه فى الصفحات الداخلية.

وهذه الظاهرة تتكرر فى كل الأحداث الكبرى التى تشهد ضحايا كثيرين.

صرنا جميعا نتعامل مع الضحايا باعتبارهم أرقاما، وليسوا بشرا لهم أهل وأحبة وأطفال والأهم لهم حق إنسانى فى حياة كريمة.

بالطبع هناك استثناءات لهذا الصمت وهنا أحب أن أوجه التحية والشكر والتقدير للسيدة فرانشيسكا ألبانيز المحامية والأكاديمية الإيطالية والمقررة الخاصة للأمم المتحدة بشأن الأراضى الفلسطينية المحتلة.

هذه السيدة تحدت السائد وسمت الأشياء بمسمياتها، وكان منطقيا أن تفرض عليها إدارة ترامب العقويات.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved