كتابان إسرائيليان جديدان عن الحرب.. يروجان لرؤى غير دقيقة
من الصحافة الإسرائيلية
آخر تحديث:
الثلاثاء 13 أغسطس 2024 - 8:26 م
بتوقيت القاهرة
بداية، يقول الكاتب إن هجمات السابع من أكتوبر، وانسحاب إسرائيل من منطقة حدود غزة والجليل الأعلى، والصعوبة التى واجهتها فى هزيمة حماس وإعادة الرهائن وردع حزب الله وإيران، أعادت إلى الأذهان السؤال الذى أرعب آباء الصهيونية: هل تستطيع الدولة اليهودية البقاء فى منطقة عربية إسلامية يسعى نصفها إلى تدميرها بينما يقبل النصف الآخر ذلك بحماس مكتوم فى أفضل الأحوال؟
وهنا يقترح آرى شافيت، مؤلف كتاب «الحرب الوجودية: من الكارثة إلى النصر إلى البعث»، الصادر عن دار نشر يديعوت، وهو من هواة توثيق الصهيونية والمجتمع الإسرائيلى، والأستاذ الجامعى أورى بار جوزيف، مؤلف كتاب «ما وراء الجدار الحديدى: ما الذى ينقص مفهوم الأمن الإسرائيلى»، الصادر عن دار نشر كينيرت، تحديث مفهوم الأمن الإسرائيلى وتكييفه لتلبية المطالب التى تفرضها الحرب الحالية.
ويتساءل كل من شافيت وبار جوزيف عن ما إذا كانت المبادئ التى صاغها أحد المؤسسين الأوائل للدولة اليهودية، ديفيد بن جوريون، قابلة للتطبيق فى الوقت الحاضر ــ الوقوف بقوة ضد العرب حتى يتعبوا من الصراع ويتركونا وشأننا إلى الأبد.
إن الإجابة التى تنبع من الكتابين العبريين إيجابية إلى حد ما. إذ لا ينظر بار جوزيف وشافيت إلى حكومة نتنياهو على أنها السبب فى اضطراب أوضاع المجتمع الإسرائيلى والحرب الراهنة، كما تدعى الحركات الاحتجاجية. أما نقطة الخلاف بينهما تدور حول الإجابة على ما سينقذ إسرائيل ويضمن وجودها للأجيال القادمة ــ الحرب أم السلام.
• • •
إن شافيت مؤيد لوجهة نظر باراك التى تزعم أن إسرائيل عبارة عن «فيلا وسط الغابة» ــ أو على حد تعبيره، أن إسرائيل «واحة من الحرية محاطة بالعداء والاستبداد والتعصب». وبالتالى، يتوقع شافيت من القوى الغربية أن تنظر إلى إسرائيل باعتبارها «أوكرانيا الثانية»، وأن تدعمها دون تحفظ.
ولكن هناك مشكلة صغيرة فى هذا السرد: فالعالم لا يرى قوات الدفاع الإسرائيلية باعتبارها تجسيدًا عصريًا لمتمردى جيتو وارسو. بل على العكس من ذلك تشبه قطاعات كبيرة ومهمة من الرأى العام الغربى ما تفعله إسرائيل فى غزة بأساليب الرومان والآشوريين لقمع الانتفاضات من حصار وتجويع واحتلال وتدمير وقتل. فى المقابل، يتجاهل شافيت عشرات الآلاف من الفلسطينيين الذين قتلوا فى قطاع غزة، والتصريحات التى أدلى بها نتنياهو ورؤساء الجيش بأن «إسرائيل ستكون مسئولة عن الأمن فى غزة» ــ وهو تصريح واضح يشير إلى إعادة الاحتلال.
ولكن شافيت يعوض عن سطحية تحليله التاريخى بخطة عمل مفصلة للتعبئة الوطنية، قبل شن حرب وقائية ضد إيران. وهو يقترح أن تعمل إسرائيل على تقليص خسائرها فى غزة والشمال، والموافقة على وقف إطلاق النار وإعادة الرهائن، ثم إجراء انتخابات سريعة للكنيست تؤدى إلى ظهور قيادة وطنية جديدة.
فى السياق نفسه، يرى شافيت أن إسرائيل يجب عليها أن تتخذ عدة إجراءات لتتحول إلى «أسبرطة». أولا، مضاعفة الأموال المخصصة للأمن. ثانيا، تمديد الخدمة العسكرية الإلزامية إلى أربعين شهرًا. ثالثًا، خدمة جنود الاحتياط حتى سن الخامسة والستين. رابعًا، تركيز الصناعة من جديد على إنتاج الأسلحة. خامسًا، سيصبح كل الجنود من الرجال والنساء مقاتلين. سادسًا، زيادة عدد الجيش البرى بنسبة 40%. سابعًا، إنشاء فيلق صواريخ تقليدى فضلاً عن «حرس وطنى حقيقى» للتعامل مع «الهجوم الفلسطينى والانتفاضة داخل إسرائيل ذات السيادة». ثامنًا، جمع الأسلحة غير القانونية. تاسعًا، تحويل المجتمعات الحدودية إلى مواقع محصنة. عاشرًا، تنفيذ مهام «الشرطة» فى الأراضى المحتلة بواسطة قوة جديدة بدلاً من الجيش الإسرائيلى، الذى سوف يركز على الاستعداد للحرب. أحد عشر، تجنيد الرجال المتدينين فى «فيلق الجبهة الداخلية المتدين». اثنا عشر، سيتعين على المجتمع العربى «المساهمة بنصيبه» من خلال الخدمة فى الخدمات الطبية والإنقاذ والمنظمات «التى لا تشارك فى القتال النشط».
ولكن هناك سؤالا واحدا لا يزال دون إجابة: من الذى قد يرغب فى العيش فى هذا البلد؟ من المؤكد أن شافيت لديه علم بموجة الأكاديميين والأسر العلمانية الثرية المهاجرة من إسرائيل، والتى بدأت مع الانقلاب الدستورى فى العام الماضى والمخاوف من القمع الدينى، وتصاعدت أثناء الحرب. هل يتخيل شافيت أن أولئك الذين يغادرون إسرائيل سيعودون ليخدم أطفالهم فى الجيش إلى الأبد، على أمل هزيمة إيران؟ بل ربما يحدث العكس وهو مهاجرة عدد آخر من المواطنين لتجنب هذا المصير. إضافة إلى إدراك شافيت رفض الحريديم التجنيد فى ظل هذه الأوضاع الراهنة.
• • •
وعلى النقيض من شافيت، فإن بار جوزيف يؤيد الممارسات الدبلوماسية للوصول إلى السلام. وفى مقدمة كتابه يقول: «لقد فاجأ هجوم السابع من أكتوبر مفهوم الأمن القومى، ولكن نتائجه كانت فى المقام الأول نتاجًا لقرارات خاطئة اتخذت فى الساعات التى سبقت الهجوم». والسؤال الأثقل فى نظره هو لماذا فشلت إسرائيل، بعد ستة وسبعين عاما من قيام الدولة واستثمارات ضخمة فى الدفاع، فى تحقيق المهمة الصهيونية الأساسية المتمثلة فى توفير وطن آمن لليهود؟.
إن جوهر كتاب «ما وراء الجدار الحديدى» يتلخص فى عرض تاريخى شامل لكيفية تشكيل مفهوم الأمن الإسرائيلى. وهو يستند فى كتابه إلى الأسس التى أرساها زميله الراحل فى جامعة حيفا، أفنير يانيف، فى كتابه الذى صدر فى تسعينيات القرن العشرين تحت عنوان «السياسة والاستراتيجية فى إسرائيل». ويدعو بار جوزيف إلى مناقشة أهداف إسرائيل من امتلاك السلاح النووى ومدى قدرتها على منع أعدائها من امتلاكه.
معلومة أخرى، يركز مفهوم الأمن الإسرائيلى لدى بار جوزيف على الترتيبات الدبلوماسية لتحقيق السلام، التى لا تلقى ترحيبًا فى إسرائيل. ويعتمد نموذجه على الاتفاقيات التى تخدم مصالح الجانبين، ويعرض على سبيل المثال معاهدة السلام مع مصر ــ التى كان من الممكن التوصل إليها قبل حرب يوم الغفران ومنع اندلاعها، ولكن لم يتم التوصل إليها إلا بعد الحرب والاضطرابات السياسية فى إسرائيل.
فى السياق نفسه، يعتقد بار جوزيف أن التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين أمر ممكن وضرورى، لأن تخفيف حدة الصراع معهم من شأنه أن يقلل من العداء تجاه إسرائيل ويحرم إيران وأنصارها من الذريعة لمواصلة النضال. هذا ليس كل شىء، يقترح بار جوزيف أيضا ترتيبا إقليميا لنزع السلاح النووى بدلاً من التمسك بالأمل الزائف فى أن تتمكن إسرائيل من قصف وتدمير البرامج النووية لأعدائها.
• • •
إن المشكلة الرئيسية فى كتاب بار جوزيف ــ كما هى الحال مع كتاب شافيت ــ تكمن فى تجاهلهما للتغيرات التى مرت بها إسرائيل وما زالت تمر بها. فكلا الكتابين مليئان بالحنين إلى إسرائيل التى أسسها حزب العمل ماباى، وبن جوريون، وموشيه ديان. ويكفى أن ننظر إلى قائمة المصادر التى استقى كل منهما منها لندرك أنهما ظلا فى مناطق الراحة التى كانا يعيشان فيها: مجموعات من المثقفين السابقين فى المؤسسة الدفاعية ونظرائهم الأكاديميين، والممثلين المعلنين للنظام القديم، أى الاستناد إلى أشخاص ذوى الخبرة جلسوا فى غرف العمليات واجتماعات مجلس الوزراء، ولكن نفوذهم تضاءل، وحل محلهم حاخامات صهاينة متدينون وطلابهم.
ويؤكد الكاتب أن مفهوم الأمن الإسرائيلى يستحق مناقشة معمقة وتعديلاً للواقع الذى نشأ فى أعقاب هجوم السابع من أكتوبر وبسببه. ولكن من الأهمية بمكان أن يبدأ هذا النقاش بالاعتراف، على الرغم من الألم الذى قد يصاحبه، بأن إسرائيل تحكمها حكومة قومية دينية ــ أعلنت عند تشكيلها أن اليهود وحدهم لهم الحق فى «كل أرض إسرائيل»، وتسعى إلى ضم الضفة الغربية وقطاع غزة، وتفكيك المؤسسات الوطنية واستقلال القضاء، وتعميق «الهوية اليهودية» مع كل خطوة.
هذه هى القصة، ولن تختفى من تلقاء نفسها إذا ما عدنا إلى ساحات المعارك البطولية فى الحروب الماضية مثل تل الذخيرة والمزرعة الصينية. وعلى هذا فإن أولئك الذين يدافعون عن الحرب مثل شافيت وأولئك الذين يقترحون السلام مثل بار جوزيف لابد وأن يشرحوا أولاً كيف يحققون أهدافهم فى إسرائيل اليمينية المتدينة المنقسمة داخليًا.
ألوف بن
جريدة هآارتس
ترجمة وتلخيص: وفاء هاني عمر
النص الأصلي