ماذا لو فشل العالَم فى ابتكار لقاحٍ لكورونا؟

العالم يفكر
العالم يفكر

آخر تحديث: الأحد 13 سبتمبر 2020 - 7:10 م بتوقيت القاهرة

نشرت مؤسسة الفكر العربى مقالا للكاتب محمود برّى، كاتب من لبنان.. جاء فيه ما يلى.

لعلّه السؤال الأهمّ الذى نتجنّب غالبا طرحه فى زمن الكورونا: ماذا لو فشل العالَم فى ابتكار لقاح لفيروس كورونا؟
الاحتمال على غرابته ليس مستحيلا. فثمّة بالفعل «فيروسات» عجزت علوم إنسان العصر ولا تزال عاجزة، عن مُواجهتها، ولا نملك لقاحاتٍ ضدّها. هذا الكلام لأستاذ الصحّة فى «إمبريال كولدج» فى لندن البروفيسور «دايفيد نابارو»، وهو اليوم مبعوث منظّمة الصحّة العالَميّة بشأن فيروس كورونا فى الولايات المتّحدة الأمريكيّة.

الإيدز فى البال

لنأخذ فيروس نقص المناعة البشريّة (الإيدز) كمثال يعرفه الجميع. حتّى اللّحظة لا تملك البشريّة، أيّ لقاح يقينا خطر الإصابة بهذا المرض المرير. ولو استشرنا محرّك «غوغل» لأمكننا العثور على ما كانت صرَّحت به وزيرة الصحّة والخدمات الإنسانيّة الأمريكيّة «مارغريت هيكلر»، أواسط ثمانينّيات القرن الماضى، من أنّ «العُلماء الذين نجحوا فى حينه بكشْف الفيروس وتحديده – الذى أصبح يُعرف فى ما بعد بفيروس نقص المناعة البشريّة (الإيدز) – فى سبيلهم لتركيب لقاح ضدّه سيكون جاهزا للاختبار فى غضون سنتَين اثنتَين». ولقد انقضى على ذلك الوعد ما يقرب من أربعة عقود، ولقى أكثر من 32 مليون شخص حتفهم، ولا يزال العالَم ينتظر اللّقاح الذى يقى البشر هذا النوع من النهايات البائسة.
والفشل فى مدار «الإيدز» ليس الوحيد فى المجال. فهناك أمراض أخرى تسبَّبت فى إرباك العُلماء وفشل العِلم فى تدبُّر لقاحٍ لها. من ذلك مثلا اللّقاح ضدّ حمى الضنك (تصيب حوالى نصف مليون شخص سنويّا وفقا لمنظّمة الصحّة العالَميّة).

اللّهاث خلف الأمل

الجميع يتمنّى ويأمل أن يَظهر اللّقاح اليوم قبل الغد فترتاح البشريّة من هذا العبء. فهل سيتحقَّق الأمل ويَظهر اللّقاح قريبا بالفعل؟ وماذا إذا تأخّر ظهوره لعامٍ أو أكثر.. هذا إنْ ظهر؟

الأفضل ترْك الإجابة لأهلها، «دايفيد نابارو» نفسه مثلا يقول: «لا يُمكننا الافتراض أنّ اللّقاح سوف يكون مُتاحا خلال مُستقبلٍ منظور. لذا ينبغى علينا كمُجتمعات بشريّة، التعامل مع فيروس كورونا باعتباره ضيفا ثقيلا لن يُغادر قريبا، وأغلب الظنّ أنّه سيُشكِّل تهديدا مُستمرّا». وعلى النقيض من د. «نابارو»، فإنّ رئيس المعهد الوطنى الأمريكى للحساسيّة والأمراض المُعدية د. «أنتونى فاوتشى»، يرى أنّ «ابتكار لقاحٍ للكورونا يُمكن أن يتحقَّق فى غضونِ عامٍ أو أكثر قليلا»، فى حين أنّ كبير الأطبّاء الإنجليز «كريس ويتني» أعرب عن يقينه أنّ المدّة الزمنيّة التى أعلنها «فاوتشى»، قصيرة جدّا. وهذا ما يوافقه عليه «بيتر هوتز»، عميد الكليّة الوطنيّة للطبّ الاستوائى فى جامعة «بايلور» فى «هيوستون»، وهو أجاب عن سؤالٍ لشبكة C.N.N. بالقول: «لم يسبق للمُختصّين أن تمكّنوا سابقا من تصنيع لقاحٍ خلال مدّة عام إلى 18 شهرا؛ إنّها مدّة قصيرة».
وبينما تتواصل تناقضات الرأى فى سجالات العُلماء والمُتخصّصين، نجد ما لا يقلّ عن ذلك إرباكا وحيرة فى الميدان السياسى حيث تسيطر أجواء ما يُشبه «الوعود الانتخابيّة» التى غالبا ما لا يتحقّق منها شيء. فالرئيس الأمريكى دونالد ترامب الناظر بتشوّقٍ إلى ولايةٍ ثانية له، يمتطى خيول التفاؤل متحدّثا عن قرب إنتاج لقاحٍ ناجع لمُواجَهة جائحة كورونا (على أمل أن يُسهم ذلك فى تجديده ولايته). أمّا الرئيس الأسبق بيل كلينتون، فكان أعلن بخصوص الإيدز فى العام 1997 أنّ الولايات المتّحدة فى سبيلها لابتكار لقاحٍ للمرض فى غضون عقدٍ من الزمن على الأكثر. وربّما كان الأثقل من ذلك أنّ الأطبّاء المُفترَض فيهم ابتكار اللّقاح، يتحدّثون فى المجلّات الطبيّة عمّا إذا كان مرضى فيروس نقص المناعة البشريّة، يستحقّون الإنقاذ أم لا(!).

التعايُش مع الأسوأ

بدلا من حصْر كلّ جهودنا فى اتّجاهٍ واحدٍ وهو القضاء على الفيروس واختراع لقاح يقى منه، علينا أن نتعلّم كيفيّة التعايُش معه ومُتابعة دَورة حياتنا بوجوده. وفى الحصيلة، فإنّ الحياة لن تعود إلى طبيعتها بسرعة. بدايةً ستُصبح الكمّامات زيّا إلزاميّا مُشترَكا، ويكون الاستسلام لأجهزة قياس الحرارة من الجبين.. طقسا مُتواصِلا، وتتحوّل المعقّمات والمطهّرات، إلى رفيقٍ دائم فى البيت كما فى كلّ مكان. كذلك سيُصبح العمل من المنزل، طريقة حياة قياسيّة. كذلك علينا أن نأخذ فى الحسبان الأضرار الاقتصاديّة والاجتماعيّة وبالتالى السلوكيّة التى لا بدّ أن تتفاقم مع عمليّات العزْل والحجْر والإقفال الإجبارى وحظر التجوّل. وعلينا ألّا ننسى أنّ جملة ذلك كلّه سوف يستعيد هبوبه مع وخلال كلّ شتاء حيث ينشط الفيروس فى الطقس البارد ويصبح، من دون لقاحٍ يقى الناس منه، مثابة كلبٍ مسعور غير مُقيَّد.

ثمّ هناك تكاليف المعيشة حيث تتعطّل أعمال العاملين فى حقول التبادُل من بيع وشراء وما يتّصل بذلك من وظائف محاسبيّة وإداريّة وتسويقيّة.. وتبرز بوضوح قاسٍ أزمات تكاليف المعيشة، ولاسيّما فى الدول الفقيرة والعاجزة عن مُساعدة مُواطنيها، هذا فضلا عن كثرة وسعة انتشار اللّاجئين والمُهاجرين فى أربع أرجاء العالَم.
وحتّى بالنسبة إلى البلدان التى تدعم مُواطنيها بالمال والغذاء بشكلٍ مُنتظَم تحت الحجْر، فإلى أيّ مدى زمنى سيُمكنها مواصلة ذلك، وإلى أيّ حدّ ستظلّ قادرة على الإنفاق لمُتابَعة العناية بضحايا الفيروس حيث يتردّد أنّ مئات ملايين البشر سوف يمرضون بالفيروس ويكونون بحاجة للمُتابعة.
هكذا سوف يتواصل النزف الاقتصادى إلى أن يتدبّر اللّقاح، ويستمرّ فقداننا بعض المُحيطين بنا وبعض مَعارفنا وبعض أحبّائنا، وسيعتاد الحانوتيّون وحُفّار القبور مُكرَهين على دفْن الموتى بطريقةٍ أكثر عمقا لتجنُّب انتقال العدوى الفيروسيّة.

اللّهم إلّا إذا اخترنا اعتماد الوصفة العشبيّة لـ «أندرى راجولينا»، أمير مدغشقر، غير مُبالين بتحذيرات منظّمة الصحّة العالَميّة منها.

النص الأصلى

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved