الضربة الإسرائيلية للدوحة ومستقبل الإقليم

أحمد عبد ربه
أحمد عبد ربه

آخر تحديث: السبت 13 سبتمبر 2025 - 7:24 م بتوقيت القاهرة

بعد كل ضربة إسرائيلية يتم توجيهها لقيادات حماس سواء فى طهران أو لبنان أو مؤخرا فى الدوحة، يتحدث رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو بغطرسته المعتادة عن أن إسرائيل ستردع كل من يحاول الاعتداء عليها، وستقوم برسم خريطة جديدة للشرق الأوسط، دون أن يحدد بالضبط ماهية هذه الخريطة! مفهوم «الشرق الأوسط الجديد» يتم تداوله منذ سنوات، والحقيقة أنه لا توجد نسخة واحدة أو دلالة واحدة متفق عليها لهذا الجديد، ولكن ما يهمنا هنا – على أى حال – هو إبراز النسخة التى يسعى اليمين الإسرائيلى، برافديه العلمانى والدينى، إلى تحقيقها! وقبل أن نتحدث عن شكل هذا الجديد المراد إعادة هندسته، فلابد لنا أن نتحدث عن هدفه، وهو ببساطة أن تكون إسرائيل دولة «طبيعية» قائمة بلا تهديدات إقليمية، مُعترفا بها من القوى الرئيسية فى المنطقة، التى ترتبط بها – أو بمعنى أدق عبرها – بمشاريع فى مجالات الطاقة والتكنولوجيا، بالإضافة إلى شبكة مواصلات عبر إحياء فكرة قطار يربط بين المدن الرئيسية فى الإقليم وبين إسرائيل!


• • •
بحسب متابعتى للتحليلات والتصريحات الإسرائيلية بخصوص هذا المفهوم، على الأقل منذ توقيع الاتفاقيات الإبراهيمية مرورا بهجمات السابع من أكتوبر، فإن هذه الخريطة المقصود بها عدد من التغييرات الكبرى يسعى نتنياهو لتحقيقها بعد انتهاء الحرب الحالية، ومن بينها ما يلى:
أولا: إنهاء أية إمكانية لإنشاء دولة فلسطينية مستقلة، مع إعادة تعريف القضية الفلسطينية بشكل يُظهر الوجه الإنسانى لإسرائيل! بعبارة أخرى، يريد اليمين الإسرائيلى أن تنتهى ليس فقط إمكانية إنشاء هذه الدولة الفلسطينية على الأرض، لأن إقامة الدولة فى ظل المستوطنات والحصار والتضييق فى الضفة، فضلا عن غزة التى تحولت إلى حطام، أصبح مستحيلا، ولكن أيضا القضاء على الركن القانونى لإقامة الدولة أو حتى مجرد الاعتراف بها! لذلك فمن المتوقع خلال الأيام القادمة أن تقوم إسرائيل بحملة دبلوماسية ضخمة لإقناع بريطانيا وفرنسا بالعدول عن قرارهما بالاعتراف بالدولة الفلسطينية خلال اجتماعات الجمعية العامة، وهى حملة ستستمر لفترة طويلة ضد أية دولة تنوى الاعتراف بفلسطين! أما عن الوجه الإنسانى، فالمقصود به أنه بعد أن تموت فكرة الدولة الفلسطينية واقعا وقانونا، فإن إسرائيل ستواصل حديثها عن حق الفلسطينيين فقط كلاجئين، على الدول العربية أن تقبلهم، مع الإعلان عن استعداد إسرائيل للمساهمة فى تحسين أوضاعهم الإنسانية، وكذلك استعدادها للتخلص تماما من أى أطماع فى غزة، ولكن فى المقابل ستواصل مسلسل الضغط على فلسطينيى الضفة مع تدمير السلطة الفلسطينية – أو بمعنى أصح ما تبقى منها – وبناء المزيد من المستوطنات، وكذلك بالطبع التخلص من حماس أو تدمير قدراتها العسكرية إلى أبعد نقطة ممكنة.


ثانيا: وتعلقا بالنقطة الأولى، فإن التغيير الثانى المطلوب فى الإقليم هو إنهاء ارتباط القضية الفلسطينية بالتطبيع وإقامة علاقات مع دول المنطقة عن طريق استكمال الاتفاقيات الإبراهيمية، مع وضع السعودية على رأس قائمة الدول التى تسعى إسرائيل للتطبيع معها! بعبارة أخرى، تريد إسرائيل إنهاء معادلة «الأرض مقابل السلام» بمعادلة «الاستقرار السياسى والازدهار الاقتصادى لدول الإقليم مقابل السلام!» وبخصوص هذا التغيير، فلابد من الإشارة إلى أن هناك حديثا كان هامسا والآن أصبح مسموعا فى تل أبيب، يسعى لاستبدال تركيا ومصر كحليفين استراتيجيين طيلة العقود الخمسة الماضية، بالمملكة العربية السعودية والإمارات، وهو أمر مهم، وعلى الأجهزة المصرية المعنية مراعاته فى الفترة القادمة ووضع خطة لإجهاضه أو على الأقل التعامل مع تبعاته! لن تنتهى أهمية مصر ولا يمكن أن تنتهى، لأن الحقائق الجغرافية والبشرية والعسكرية بخصوص مصر لا يمكن لإسرائيل أن تتخطاها، ولكن تسعى إسرائيل بوضوح إلى أن تكون مصر تالية لكل من السعودية والإمارات فى سلم الأولويات بالنسبة لواشنطن قبل تل أبيب، وترى الأخيرة أن ترامب هو الفرصة الذهبية لها بخصوص إعادة هذا الترتيب الاستراتيجى! أما بخصوص احتمال أن تعتدى إسرائيل على مصر تحت أية ذريعة، فرغم استبعاد التحليلين الإسرائيلى والأمريكى لهذا السيناريو، إلا أن الأمر – فى رأيى – يظل واردا، وهو ما يتطلب من صانع القرار المصرى تجهيز احتمالات للرد، سواء دبلوماسية أو غير ذلك! مع ضرورة استمرار مصر فى عملية الإصلاح السياسى، فالجبهة الداخلية يجب أن تكون أفضل مما هى عليه الآن، فحتى لو كان هذا الاحتمال ضعيفا، فطالما أنه قائم فلابد من الاستعداد، ولا توجد وسيلة أفضل من تحقيق توافق ورضا سياسى داخلى لمواجهة أى احتمال! أما بخصوص الدوحة، ورغم أن الأخيرة تظل على قائمة الدول المطلوب التطبيع معها، إلا أن إسرائيل ترى أن لهذا التطبيع ثلاثة شروط: الأول، تخلى الدوحة عن تحالفاتها الاستراتيجية مع إيران؛ والثانى، التوقف عن دعم حركة حماس؛ والثالث، تحييد السياسة التحريرية لشبكة الجزيرة بخصوص إسرائيل! ولأن إسرائيل تدرك أن هذا لن يكون ممكنا فى الأجل القريب، وخصوصا بعد الضربة الجوية الأخيرة للدوحة، وعلاقات الأخيرة المتميزة مع إدارة الرئيس ترامب، فإن قضية التطبيع مع قطر مستبعدة على الأجل القصير.


ثالثا: مواصلة الضغط والحصار على النظام الإيرانى حتى يتم التأكد تماما من تدجينه ودفعه للتخلى نهائيا عن أحلام المشروع النووى، أو جعل مهمة تحقيق هذه الأحلام مستحيلة! مع السعى لتعضيد الاتصالات مع الإيرانيين المعارضين فى الخارج، وتحديدا فى أوروبا والولايات المتحدة، بحيث يتم إقامة علاقات قوية ربما تصل إلى حد التحالف بين طهران وتل أبيب إذا ما سقط النظام الدينى وتولى نظام علمانى الحكم!
رابعا: واتساقا مع النقطة السابقة، تسعى إسرائيل أيضا إلى إضعاف قدرات حزب الله والتخلص من كل قدراته العسكرية، والاستمرار فى اغتيال قياداته أو المتعاونين معه، مع الضغط على الدولة اللبنانية لإجبار حزب الله على التخلص من السلاح! مع فعل الأمر نفسه مع الحوثيين، بحيث تنتهى التهديدات العسكرية لإسرائيل سواء كانت من دول أو من الفاعلين من غير الدول.


• • •
يكون السؤال هنا: هل تتمكن إسرائيل من تنفيذ هذه التغييرات؟ حتى الآن لا يبدو أن ذلك سيكون سهلا، ولكن احتمال تحققه ليس مستحيلا أيضا، فهناك أكثر من عامل يلعب للصالح الإسرائيلى الآن، منه مثلا حالة التحالف العربى الذى لا وجود له على أرض الواقع، لا عسكريا ولا سياسيا ولا حتى اقتصاديا، ولأن تجربة الاتفاقات الإبراهيمية كانت ناجحة دون الحاجة إلى إنشاء دولة فلسطينية، فإن تل أبيب لا ترى أى سبب يجعلها تتوقف عن محاولة مد الاتفاقية لتشمل دولا جديدة كما تم الإشارة مسبقا. كذلك، فإن إدارة الرئيس ترامب لم تثبت فقط ولاءها لإسرائيل، بل وتحديدا للتيار اليمينى الحاكم، وإنما أثبتت أيضا أن واشنطن الآن، وبسبب طبيعة شخصية ترامب نفسه، ليس لديها استراتيجية محددة تجاه الشرق الأوسط، ومن ثم فإن نتنياهو، بمعاونة حلفائه فى واشنطن – وما أكثرهم – يستغلون هذا الأمر لتكون استراتيجية تل أبيب هى نفسها استراتيجية واشنطن! حتى لو تم تسريب أخبار عن استياء ترامب من نتنياهو أو غضبه من إسرائيل، فالحقيقة أن هذه التسريبات ليست سوى محاولات للخداع لا أكثر، كى يحتفظ ترامب بماء وجهه أمام حلفائه فى الخليج! كذلك مما يجعل هذا المشروع محتملا، هو تهافت سياسات وشعارات ما يسمى بتيار الممانعة العربى، سواء على مستوى الحركات السياسية، أو حتى على مستوى الحلفاء السياسيين والثقافيين لهذا التيار! يعلم نتنياهو جيدا أن هذا التيار لا يمتلك سوى شعارات فارغة يفرضها – أى هذا التيار – بقوة الأمر الواقع على محيطه المحلى والإقليمى، فلا تتبقى من آثار المعركة سوى شعارات فارغة المضمون والمعنى! العقبة الوحيدة التى قد تقف أمام مشروع «الشرق الأوسط الجديد» فى نسخته الإسرائيلية، هى عقبة مجلس التعاون الخليجى، لأن الأخير تقريبا هو المؤسسة الإقليمية العربية الوحيدة التى تتمتع بحد أدنى من التماسك المؤسسى والتوافق المصلحى، لكن ما يسيل لعاب تل أبيب هو ما سبق ووقع بين قطر وبعض دول المجلس من قطيعة كانت على وشك أن تتحول إلى مواجهة عسكرية، ويتمنى نتنياهو أن يتكرر ذلك مستقبلا! أما فيما يتعلق بجامعة الدول العربية، فلا تعليق!


أستاذ مشارك العلاقات الدولية، والمدير المشارك لمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة دنفر

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved