روسيا والناتو فى الاختبار الأوكرانى
طلعت إسماعيل
آخر تحديث:
الإثنين 13 ديسمبر 2021 - 9:25 م
بتوقيت القاهرة
تحت سقف واحدة من القاعات الرئيسية فى مبنى محدود الارتفاع، وعلى مدى يومين من شهر مارس 2017، شهد مقر حلف شمال الأطلسى «الناتو» فى العاصمة البلجيكية، بروكسل، حوارا معمقا بين وفد ضم أكاديميين ودبلوماسيين سابقين وصحفيين مصريين (كنت واحدا منهم)، وعدد من مسئولى «الناتو»، بشأن الرؤية الاستراتيجية الجديدة للحلف إزاء التعامل مع الأزمات التى طرأت على عدد من المناطق، بينها شرق أوروبا وجنوب المتوسط والشرق الأوسط.
اللقاء ركز يومها على عدد من القضايا الرئيسية وتلك الفرعية، لكن المخاوف من التهديدات الروسية للحدود الشرقية لدول الحلف كانت فى مقدمتها، خاصة بعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم فى مارس 2014، واليوم ومع تصاعد التوتر بين موسكو والحلف الأطلسى على خلفية مساعى الأخير لانضمام أوكرانيا إلى صفوفه تذكرت الحديث الموسع من مسئولى الناتو حول هذه النقطة رغم أن قضايا الشرق الأوسط ربما كانت الأكثر إلحاحا على أجندة الوفد المصرى.
نبرة الحديث التى ترددت على لسان أكثر من مسئول فى «الناتو»، ممن شاركوا فى النقاش، كانت تحمل قلقا واضحا، بل والامتعاض، من روسيا باعتبارها مصدر التهديد الأكبر للغرب، صحيح لم تتردد كلمة العدو صراحة غير أن ما تلمسه فى مجمل الكلام أن موسكو مرادف للخطر الذى يخشاه الأوروبيون على قارتهم، وهو ما «يحتم عليهم حشد الحلفاء والأصدقاء بمن فيهم دول الجوار لوقف هذا الخطر».
تعتبر موسكو ضم «الناتو» لكل من أوكرانيا وجورجيا، بمثابة تهديد حقيقى لأمنها القومى، وترى فى تنفيذ دعوة قمة حلف الأطلسى عام 2008 فى عاصمة رومانيا، بوخارست، بضم الدولتين للحلف، أمرا لا يمكن قبوله، ولتوجيه رسالة لا لبس فيها حشدت روسيا فى الأسابيع الأخيرة نحو 100 ألف جندى على حدودها مع أوكرانيا، وسط مخاوف غربية وتحذيرات أمريكية من غزو محتمل للأراضى الأوكرانية.
التوتر بشأن أوكرانيا كان مادة للحوار بين الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، ونظيره الأمريكى جو بايدن فى قمة افتراضية جمعتهما (الثلاثاء 7 ديسمبر)، ووفق بيان البيت الأبيض حذر بايدن بوتين من عقوبات اقتصادية «غير مسبوقة»، لكن التهديد قوبل بسخرية من المتحدث باسم الكرملين الذى قال فى اليوم ذاته «ندرك جيدا أن الجانب الأمريكى يدمن العقوبات».
أما بوتين فقد دافع عن حشد قواته على حدود أوكرانيا، باعتباره «إجراء دفاعيا» وقال إن «روسيا تنتهج سياسة خارجية سلمية، لكن لديها الحق فى الدفاع عن أمنها»، معتبرا أن ترك حلف الأطلسى يقترب من حدود بلاده بدون الرد سيكون «تقاعسا إجراميا».
أوروبا صاحبة النصيب الأكبر من المخاوف، اعتبرت على لسان رئيسة المفوضية الأوروبية أورزولا فون دير لاين أن «العدوان الروسى على أوكرانيا سيكون له ثمن» من دون تحديد هذا الثمن، فيما رفض الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ طلب روسيا سحب الدعوة التى وجهها الحلف إلى أوكرانيا للانضمام إلى عضويته.
وفى تحد أكبر لروسيا قال ستولتنبرغ فى مؤتمر صحفى مشترك مع المستشار الألمانى الجديد أولاف شولتس (الجمعة 10 ديسمبر) إن «علاقة الناتو بأوكرانيا ستقررها الدول الثلاثون الأعضاء فى الحلف وأوكرانيا ــ ولا أحد سواها». وأضاف: «لا يمكننا أن نقبل أن تحاول روسيا إعادة إرساء نظام تكون للقوى الكبرى فيه، مثل روسيا، مناطق نفوذ، ويمكنها فيه أن تتحكم أو تقرر ما يمكن أن يفعله أعضاء آخرون».
وعلى الرغم من هذا التصعيد فى لغة الكلام، والمخاوف من غزو روسى لأوكرانيا، هناك من يعتبر نشر القوات الروسية على الحدود الإوكرانية مجرد مناورة، ويستبعد أن يصل الأمر إلى حد الغزو الصريح، لكن المؤكد أننا أمام معركة «عض أصابع» لاختبار كل طرف قوته ونفوذه ضمن مخاض التحاولات الكبرى التى تجرى على الرقعة الدولية.