إيلون ماسك.. رئيسا؟!
محمد سالم
آخر تحديث:
الثلاثاء 14 يناير 2025 - 6:30 م
بتوقيت القاهرة
فى الساعات الأولى من صباح يوم الأربعاء السادس من نوفمبر 2024 ووسط هتافات الآلاف من مؤيديه، دخل المرشح الرئاسى دونالد ترامب إلى قاعة احتفالات مركز المؤتمرات فى ويست بالم بيتش بولاية فلوريدا مختالًا بانتصاره على منافسته مرشحة الحزب الديمقراطى كاميلا هاريس محاطًا بأفراد عائلته وأعضاء بارزين فى حملته الانتخابية ليلقى خطاب النصر، قائلًا: «أود أن أشكر الشعب الأمريكى على الشرف الاستثنائى بانتخابى الرئيس السابع والأربعين»، «هذا انتصار رائع للشعب الأمريكى، والذى سيسمح لنا بجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى». وعلى مدى أكثر قليلًا من 25 دقيقة تحدث فيها عن هذا الانتصار شكر أفراد عائلته فردًا فردًا، وعددًا من قادة حملته الانتخابية ومعاونيه، متحدثًا عن عدد من الشخصيات التى كان لها الأثر الأبرز فى هذا الفوز.
والحقيقة أن هدفى من هذه المقدمة ليس وصف لحظة انتصار ترامب الذى كان متوقعًا، ولكن إلقاء الضوء على الشخصية الرئيسية فى هذا المقال وأقصد هنا رجل الأعمال الأشهر والأكثر ثراء فى العالم إيلون ماسك، فاعتبارًا من الدقيقة الثانية عشرة من حديث ترامب ولمدة أربع دقائق كاملة لم يترك الرئيس المنتخب صفةً حميدةً إلًا ووصفه بها، فهو النجم الخارق «Super Star»، والعبقرى الذى لا يوجد مثيل له فى العالم كله، وأنه يتوجب على الولايات المتحدة أن ترعى وتحافظ على مثل هذه العبقريات إنه رجل مميز، إنه عبقرى خارق. علينا أن نحمى عباقرتنا. ليس لدينا الكثير منهم. علينا أن نحمى عباقرتنا الخارقين.
بعد هذا الاحتفال بأيام قليلة، أعلن الرئيس المنتخب، أنه سوف ينشئ وزارة جديدة أطلق عليها «وزارة الكفاءة الحكومية» - Department Of Government Efficiency أو DOGE، معلنًا أنه سوف يعين لها وزيرين لإدارتها: إيلون ماسك، والمرشح الجمهورى السابق فيفك راماسوامى، مضيفًا: «وسوف يعملان معًا على تمهيد الطريق أمام إدارتى لتفكيك البيروقراطية الحكومية، وتقليص اللوائح الزائدة، وخفض النفقات غير الضرورية، وإعادة هيكلة الوكالات الفيدرالية».
الحقيقة أن أول ما تبادر إلى ذهنى هو جودة الفكرة فى حد ذاتها، أى أن تكون هناك وزارة بهذا الهدف خصوصًا فى هذا المجتمع الديمقراطى، ولكنى توقفت عند نقطة كيف يكون هناك رئيسان لمؤسسة معينة؟ فهذا مفهوم جديد فى الإدارة سوف ننتظر لنرى كيف ستسير الأمور. ومع مرور الأيام وتناثر التساؤلات حول هذه الوزارة الجديدة، تم استدعاء الوزيرين المرشحين فى الأسبوع الأول من شهر ديسمبر الماضى إلى «الكابيتول» لمناقشة هذه الوزارة الجديدة التى على الرغم من أنها تحظى بدعم واضح من ترامب، وتحمل اسم «وزارة»، فإنها ليست وزارة حكومية رسمية! بل هى نوع من الهيئات التى ستعمل كهيئة استشارية يكون لها خط مباشر مع البيت الأبيض، وتم تحديد نهاية عملها فى يوم 4 يوليو عام 2026. وفى مقال رأى نُشر فى صحيفة وول ستريت جورنال، قال ماسك وراماسوامى: إنهما سيعملان كمتطوعين خارجيين، وليس كمسئولين أو موظفين فيدراليين، وسوف تكون مهمتهما تقديم التوجيه للبيت الأبيض بشأن خفض الإنفاق، واقتراح عدد من اللوائح إلى الرئيس الذى يمكنه، من خلال إجراء تنفيذى، إيقاف تطبيقها على الفور وبدء عملية المراجعة والإلغاء. من ناحية أخرى أشار إيلون ماسك إلى أنه يستطيع خفض ما يقرب من ثلث الإنفاق الحكومى الفيدرالى بقيمة قد تصل إلى تريليونى دولار، ما يعنى أن هناك ما يقرب من نصف مليون وظيفة فيدرالية سوف يتم إلغاؤها!
• • •
إذا بحثنا فى حسابات المكسب والخسارة، وحيث إنه من المسلمات فى السياسة بالتحديد، ليس هناك شيئًا مجانيًا، فماذا قدمه السيد ماسك للرئيس المنتخب لكى يحصل على كل هذه المزايا؟ والإجابة: 277 مليون دولار عدًا ونقدًا لحملته الانتخابية متضمنة دعمًا لعدد من المرشحين الجمهوريين فى انتخابات الكونجرس الأخيرة، وهذا أكبر دعم يقدم فى هذه الانتخابات. على الجانب الآخر كيف سوف يستفيد ماسك من فترة رئاسة ترامب؟ والإجابة: الكثير، بالإضافة لتوليه مهام وزارة سوف يكون لها اليد العليا فى الإنفاق الفيدرالى، فمن خلال ملكيته لشركة سبيس إكس، التى تهيمن بالفعل على أعمال إرسال الأقمار الصناعية الحكومية إلى الفضاء، بل توسعت أيضًا إلى بناء أقمار صناعية للتجسس فى الوقت الذى يبدو فيه البنتاغون ووكالات التجسس الأمريكية على استعداد لاستثمار مليارات الدولارات فيها، وبالطبع سوف تكون شركة ماسك أول المرشحين للفوز بهذه العقود.
والحقيقة فإن هذا الرجل يُشهد له بالعبقرية فعلًا، وله العديد من الصفات التى تؤهله ليكون فى صدارة ترتيب رجال الأعمال الأكثر ثراءً فى العالم اليوم، فقد بلغت ثروته فى ديسمبر الماضى 486 مليار دولار، فهو يتميز أولًا بتنوع «محفظة» شركاته، فمعظم رجال الأعمال الأشهر والأغنى فى العالم هم أصحاب أعمال متخصصة، ونذكر على سبيل المثال «جيف بيزوس»، مالك شركة أمازون، يليه لارى أليسون مالك شركة أوراكل، ثم مارك زوكربرج، مالك شركة ميتا، وغيرهم، لكن يجمع بينهم أن لكل منهم مجاله المحدد، وشركته المتخصصة فى المجال الذى تعمل فيه. أما ماسك بالإضافة إلى شركة سبيس إكس، فهو مؤسس ومالك أو رئيس شركة تسلا للسيارات الكهربائية ورائد صناعتها، ومنصة إكس (تويتر سابقًا) للتواصل الاجتماعى، وشركة ستار لينك للاتصالات عن طريق الأقمار الصناعية، وشركة إكس إيه أى للذكاء الاصطناعى، وشركة بورنج لحفر الأنفاق، وشركة نيورالينك لزرع الشرائح الإلكترونية فى البشر، بالإضافة إلى أن هناك بعض الدلالات على دخوله مجال صناعة التليفونات المحمولة التى سوف تقلب هذا المجال رأسا على عقب -إذا صحت هذه الأقوال- كونها سوف تحتوى على مميزات فائقة، مثل: الشحن بالضوء، والاتصال المجانى بالإنترنت على مدار الساعة مستخدمةً شبكته العالمية للأقمار الصناعية ستار لينك، وأخيرًا السعر الذى إن صح قد يتسبب فى إنهاء مسيرة عمالقة الشركات العالمية فى هذا المجال مثل أبل وسامسونج. ويتميز ماسك ثانيًا بحسن اختياره لفرق العمل التى تعمل فى مشروعاته، فمعظم هذه المشروعات ناجحة وتحقق أهدافها فى الوقت المحدد، وترتفع قيمتها السوقية مع كل يوم عمل جديد.
• • •
وإذا انتقلنا للحديث عن مشروع إيلون ماسك الجديد، وهو مشروعه السياسى، فالمعلومات المتوافرة تفيد بأنه كان غير منتمٍ لأى من الأحزاب حتى حدثت محاولة اغتيال الرئيس ترامب بإطلاق النار عليه أثناء إلقاء خطابه فى تجمع انتخابى يوليو الماضى، وتغيّر موقف إيلون ماسك وأيد ترامب كمرشح بعد ثوانٍ من إخراجه من المسرح على يد عملاء الخدمة السرية، وألقى بثقله وقدراته فى دعم ترامب فى حملته الانتخابية حتى فاز بها فعلًا. ومنذ إعلان الفوز بدأت بشائر رد الجميل تظهر على السطح، بإعلان ترامب عن تعيين ماسك وزيرا لوزارة جديدة، وبدأنا من الجهة الأخرى نلاحظ إفصاح ماسك عن بعض آرائه السياسية. بدءًا من أوروبا فأعلن عن مباركته للبرنامج السياسى لحزب أقصى اليمين فى ألمانيا لأن أحزاب اليمين هى الوحيدة القادرة على إنقاذ ألمانيا، مرورًا ببريطانيا، حيث أفادت جريدة الفاينانشيال تايمز، بأن إيلون ماسك ناقش سرًا مع حلفائه كيفية إقالة السير كير ستارمر من منصبه كرئيس وزراء المملكة المتحدة قبل الانتخابات العامة المقبلة، وانتهى عند جارته كندا والتى لم تسلم من تصريح ترامب بأن عليها أن تزيل الحدود الوهمية بينها وبين أمريكا وتنضم إليها بصفتها الولاية رقم 51، ولما تجرأ جاستين ترودو رئيس الوزراء الكندى وكتب على منصة إكس: «إن فرصة انضمام كندا لأمريكا تقل عن فرصة بقاء كرة الثلج فى جهنم»، جاء له الرد من إيلون ماسك، قائلًا له: «أنت لست محافظ كندا الآن، وبالتالى فرأيك لا قيمة له».
هذا الطموح السياسى الواضح لماسك والذى جعل عددًا من أعضاء الكونجرس يطلقون عليه لقب «الرئيس» لا بد وأن يكون له هدف، والطبيعى أن يكون هذا الهدف هو خلافة ترامب فى رئاسة الولايات المتحدة، ولكن لحظه السيئ الدستور الأمريكى يمنع ترشح أى أمريكى للرئاسة ما لم يكن من مواليد الولايات المتحدة الأمريكية، وحيث إن ماسك من مواليد جنوب إفريقيا وحصل على الجنسية الأمريكية عام 2002، فهو غير قابل للترشح للرئاسة إلا إذا تم تعديل الدستور. وحين سئل المتخصصون فى القانون الدستورى أورى بعضهم باستحالة تعديل الدستور، ووصفه البعض الآخر بأنه «مستبعد».
• • •
أما إيلون ماسك، والبالغ من العمر ثلاثة وخمسين عامًا الآن، فلا أعتقد بأنه سوف يستسلم، فهو دائمًا يحقق أهدافه، فهو الآن أغنى رجل فى العالم، وسوف يصبح أول تريليونير، بنهاية عام 2027 حسب بعض التقديرات وإن كنت أرى إمكانية تحقيق ذلك بنهاية العام المقبل، وسوف يتسلم ماسك بعد أيام مهامه وزيرًا فى الحكومة الأمريكية لوزارة -عمليًا- سوف تشرف على باقى الوزارات، وبهذا المنصب وصِلته الحميمة بالرئيس سوف تتسع أعماله أكثر وأكثر حتى أن من الممكن أن يحقق حلمه القديم بالوصول إلى كوكب المريخ واستعماره. فهل سوف يستعصى عليه بعد كل ذلك تعديل مادة واحدة فى الدستور؟
أربع سنوات بالنسبة لشخصية مثل السيد ماسك كافية لأن يحقق هدفه الأخير والأسمى، وهو جلوسه فى المكتب البيضاوى على كرسى أقوى رجل فى العالم، فهل سنرى يوم 20 يناير 2029 إيلون ماسك يقف فى الواجهة الغربية لمبنى الكابيتول يحلف اليمين الدستورية رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية أم سيكون على متن سفينة فضاء تتبع شركة سبيس إكس فى طريقها للمريخ ليصبح هناك رئيسًا للعالم الجديد؟