مصر الجديدة (1)
عماد الغزالي
آخر تحديث:
الإثنين 14 فبراير 2011 - 9:53 ص
بتوقيت القاهرة
أنقذت ثورة 25 يناير البلاد من نظام فاسد مستبد، لكن الأهم، أنها أنقذتها من السيناريو الأسوأ الذى طالما حذرنا منه على مدى سنوات، سيناريو الفوضى الاجتماعية الشاملة التى تحصد فى طريقها الأخضر واليابس.
كان هذا السيناريو المريع هو الأقرب للحدوث، بالنظر إلى زيادة معدلات الفقر والتفاوت الحاد فى الدخول وتوزيع الثروة، إضافة إلى الزواج المحرم بين البيزنس والسياسة، الذى نقل الممارسات الاحتكارية الفظة من الاقتصاد وحسابات البنوك، إلى البرلمان وأوجه النشاط العام، وأرجو أن ننتبه إلى التمايزات الأساسية بين ماجرى على الأرض (ثورة الشباب)، وما كان يخشى وقوعه (ثورة الجياع)...
الأولى أشعل شرارتها أبناء الطبقة الوسطى، وأدارتها عقول شابة واعية بالعصر وتحولاته، قادرة على التعامل مع منجزاته التكنولوجية فى أعلى تجلياتها، حتى إن كثيرين باتوا يطلقون عليها ثورة الفيس بوك.
ولأن مطالب هذه الثورة كانت صادقة ومعبرة عن أشواق حقيقية لدى جموع المصريين، التف حولها الجميع، وتدافعت إلى نصرتها مختلف الشرائح الاجتماعية والقوى السياسية، وتجاوب معها الملايين فى المحروسة، من الصعيد للسلوم، واستفادت ثورة الشباب من هذا الزخم المبهر، فرفعت سقف مطالبها يوما بعد آخر، وتحدت سطوة النظام وغشامته، وقابلت عناده بعناد أشد، حتى حققت مطلبها الأول برحيل الرئيس.
أما الثانية، فلا تتجاوز مطالبها شهوة الانتقام، ليس فقط ممن تسببوا فى إفقار أصحابها، وأعنى نظام مبارك وكل المحيطين به من الفاسدين وآكلى لحوم البشر، وإنما أيضا من المستورين والعائشين على حدود الكفاية، وبديهى أن الأخيرين سيكونون هم الهدف الأسهل، ولا بأس من المصارحة بأن الذين حملوا العصى وسكاكين المطبخ ونزلوا إلى الشوارع فى ليلة السبت الأسود وما تلاها، لم يرفعوها فى وجه بلطجية النظام والهاربين من السجون فحسب، وإنما أيضا فى مواجهة النازحين من أحزمة الفقر وضواحى العشوائيات، مصريون ضد مصريين.
ثورة يناير قامت دفاعا عن الدولة التى تآكلت أركانها وتهاوت دعائمها بفعل نظام شائخ فاسد مترهل، وهى بما رفعته من مطالب، إنما استهدفت استعادة الدولة المصرية من خاطفيها، وبناء دولة عصرية قوامها الحرية والعدالة الاجتماعية وسيادة القانون، أما انتفاضة المحرومين فلن تلتفت كثيرا إلى هذه «التجريدات»، التى لاتصمد أمام عضة الجوع وتوحشه.
ثورة المحرومين عنوانها الثأر ولا شىء بعد، أما ثورة الشباب فتقول لكم بوضوح لا يقبل اللبس: من الآن فصاعدا سيختار المصريون رئيسهم فى انتخابات حرة نزيهة، من الآن فصاعدا سيختارون من يمثلونهم فى المجالس النيابية والبلدية دون أن تزيّف إرادتهم، من الآن فصاعدا لن تنهب مواردنا ولن تباع أراضينا وشركاتنا فى سوق النخاسة، من الآن فصاعدا نحن يد واحدة، أغنياء وفقراء، مسلمين وأقباطا، شبابا ورجالا، نساء وأطفالا، فى رباط إلى يوم الدين.
من الآن فصاعدا: الشارع لنا.
أقول هذا للخائفين من القادم، عشاق الاستقرار الزائف والجمود المقيت، كى يدركوا كم كان الخطر مريعا ومحدقا لو لم تكن ثورة 25 يناير.