هموم الصحافة بين السرجاني وشهدي عطية
سيد محمود
آخر تحديث:
الثلاثاء 14 مارس 2023 - 8:50 م
بتوقيت القاهرة
كنت أودّ لو أن زملائى الصحفيين وجدوا الوقت لقراءة كتابين جديدين حول الصحافة، قبل التوجه يوم الجمعة؛ لانتخاب نقيب جديد وأعضاء جدد لمجلس النقابة، أحدهما يبحث فى ماضيها القريب جدا والثانى حول ماضيها البعيد جدا جدا، الأول بعنوان «أحوال الصحافة المصرية قبل وبعد ثورة يناير» وهو من تأليف الصديق الراحل خالد السرجانى وإصدار دار المرايا والثانى للزميل شهدى عطية وعنوانه «حدث فى شارع الصحافة» وأصدرته دار كلمة.
وهناك الكثير الذى يجمع بين الكتابين رغم التباعد الزمنى بينهما، ضم الأول مقالات كتبها الراحل العزيز فى الصفحة التى حررها فى الاصدار الثانى لصحيفة الدستور وجمعتها زوجته الفاضلة نادية الدكرورى فى عمل بطولى تستحق عليه التحية.
يشمل الكتاب خمس مقدمات للاصدقاء الكبار يحيى قلاش وعبدالله السناوى وسيد كراوية وأسامة الرحيمى والروائى أحمد صبرى ابو الفتوح وحاولت تلك المقدمات مقاربة موضوع الكتاب وشخص مؤلفه من مختلف الزوايا الانسانية والمهنية وتوقفت كثيرا أمام شجاعته فى تناول شئون المهنية فى زمن حافل بالكثير من التحولات التى وضعت مهنة الصحافة أمام تحديات كثيرة ارتبطت فى معظمها بالعلاقة مع السلطة أو التحول إلى الوسائط الجديدة.
انشغل السرجانى وقد اقتربت منه كثيرا بمستقبل المهنة واعطى الكثير من الوقت للقراءة حول واقعها وما تعرضت له من هجمات أثرت على صدقيتها، وعلاقتها بالقارئ ويذكر القراء المعنيون بالأمر مدى حرصه على تتبع وتقييم أدوار الزملاء الذين تولوا مواقع قيادية فى الصحف وأكثر ما شغله مراقبة سلوكهم المهنى فى الادارة والتحرير وفى العلاقة مع ملاك هذه الصحف سواء كانت الملكية حكومية أو خاصة.
كتب الراحل كثيرا حول هيكلة الإعلام وطرق اعادة النظر فى أشكال الملكية وعن الحاجة للشفافية والمراقبة وابتكار طرق تمويلية جديدة تحرر الإعلام من التبعية لرأس المال لضمان أكبر قدر من الاستقلال وكنت أظن أن التغييرات التى أصابت المهنة بعد رحيله قد تجعل الكثير من القضايا التى تناولها فى ذمة التاريخ إلا أننى سرعان ما تراجعت عن هذا الظن وانا أراجع برامج الزملاء الذين تقدموا لانتخابات النقابة وحاول بعضهم ترجمة الآمال التى شغلت السرجانى فى شكل برامج عمل نتمنى لو استطاعوا تنفيذ ربع ما فيها، القاصى والدانى يعلم ما تعانى منه الصحافة اليوم وجزء كبير من مشكلات المهنة مرتبط بأصحابها ولعل هذا ما ينشغل به الكتاب الثانى الذى ألفه الزميل شهدى عطية الذى يمكن ضمه لفئة المؤرخين الهواة الذين قدموا للمهنة خدمات جليلة وقد أهدانى الكتاب الصديق وائل لطفى ولفت نظرى لما فيه من جهد وقبلها بسنوات ساعدنى فيس بوك على اكتشاف القدرات الكبيرة التى يملكها شهدى عطية فى البحث الأرشيفى حول تاريخ المهنة، وهو كما فهمت منه فى اللقاء الوحيد بيننا ضمن جولة شراء لكتب ومجلات قديمة أنه يهوى شراء المجلات القديمة ويكاد يمتلك الاعداد النادرة من مجلات اللطائف المصورة والمصور وآخر ساعة وغيرها من المجلات المهمة التى يقوم بأرشفتها فى ملفات لموضوعات وأشخاص.
وبفضل هذا الاهتمام تحول شهدى من شغوف بالاقتناء إلى باحث يؤدى مهمته باقصى درجات الإتقان، لذلك اعتنى فى كتابه بتقديم صورة بانورامية المناخ الليبرالى الذى ساعد على تألق مواهب صحفية كبيرة مثل محمد حسنين هيكل واحمد بهاء الدين وإحسان عبدالقدوس ومحمد التابعى واستعاد الكثير من المعارك الكاشفة.
وفِى كتابه المكتوب برشاقة حقيقية يمكن ادراك ان الصحافة هى افضل ترمومتر لقياس درجة حرارة المجتمع وحيويته كما يصحح شهدى الكثير من الامور المرتبطة بالتاريخ الصحفى للاستاذ هيكل ويصوب بعض الوقائع الخاصة بهذا التاريخ، وينشر المواد الصحفية الاولى التى كتبها بما فى ذلك النصوص الادبية الاولى له والتى تعطى إشارات أولية لموهبته الرئيسية فى السرد الصحفى ويكاد يكون الجسم الرئيس فى الكتاب مخصصا بشكل كامل للأستاذ هيكل وكنت أفضل لو ركز على هذا الجانب على الأقل فى العنوان لولا انه قدم ايضا عدة معلومات مهمة عن بدايات الأستاذ أحمد بهاء الدين وكشف الكثير من معاركه، ليس فقط مع السلطة وإنما مع زملاء مهنته.
وأهم ما فى تلك المعارك انها لم تكن حول مغانم خاصة بل توجهت كلها لصالح الحفاظ على قيم مهنية رفيعة عمل على إقرارها فى المؤسسات التى عمل فيها وهى قيم انحازت لما اسماه السرجانى حق القارئ، وهنا مربط الفرس فيما يجمع بين السرجانى وجهد شهدى عطية فقد اهتما معا بالاشارة إلى ان أى ازدهار فى المهنة مرتبط بمناخ سياسى واجتماعى وبالتالى لا يمكن لنا أن نفسر لمعان مواهب كبيرة مثل إحسان عبدالقدوس ومحمد التابعى والأخوين على ومصطفى أمين وهيكل وبهاء وموسى صبرى وصلاح جاهين بمعزل عن العصر الليبرالى ودون النظر فى نمط الملكية التى أضرت به قوانين تأميم الصحافة ضررا كبيرا وأدى ضمن ما أدى ان تحول الصحافة فى واقعها الحالى إلى عمل بيروقراطى وظيفى يخلو من الخيال.
وأخيرا كنت أتمنى لو تم تحرير كتاب شهدى عطية وتبويبه بطريقة مختلفة تضمن للقارئ انتقالا سلسا من بين موضوعاته لو اعتمد طريقة اخرى فى التبويب أو فهرسة المحتوى لكن هذه الملاحظة لا تقلل ابدا من جمال الكتاب وتفرده.