تعريف النجاح والفشل فى التكنولوجيا
محمد زهران
آخر تحديث:
الجمعة 14 مارس 2025 - 7:10 م
بتوقيت القاهرة
إذا نظرنا إلى المائة سنة الماضية سنلاحظ ظهور عدد كبير من التكنولوجيات أكثر من أى قرن آخر فى تاريخ البشرية، التقدم العلمى يؤدى إلى ظهور تكنولوجيات متقدمة والتى بدورها تؤدى إلى تسارع عملية الاكتشافات العلمية والاختراعات التكنولوجية، لكن إذا نظرنا إلى تلك التكنولوجيات يمكننا أن نقسمها إلى ثلاثة أقسام:
• قسم لم يرَ النور وظهر فقط فى براءات الاختراع والتقارير داخل معامل الأبحاث. السبب فى ذلك أن العلماء المسئولين عن تلك الاختراعات أو مدراءهم لم يتمتعوا بنظرة مستقبلية عن أهمية اختراعهم أو لم يمتلكوا موهبة إنشاء الشركات وقيادتها، فعلى سبيل المثال اختراع ماوس الكمبيوتر فى معامل شركة زيروكس لم يكن ليرى النور لولا زيارة ستيف جوبز للمعامل ورؤيته المستقبلية لأهميته.
• قسم ظهر كمنتج لكن لم يعش طويلاً واختفى من السوق. منذ عدة سنوات (حوالى 2012) ظهرت ما عرفت بنظارات جوجل (Google Glasses) والتى تتيح لمن يرتديها أن يسجل فيديو لما يراه، لم يعش هذا المنتج طويلاً لأسباب عديدة واختفى من الأسواق فى 2015. هناك أيضا تكنولوجيا تلمع وتنتشر ثم تظهر تكنولوجيا أكثر تقدما أو أقل تكلفة تؤدى إلى اختفاء التكنولوجيا الأولى مثلما حدث مع ديسكات الكمبيوتر القديمة.
• قسم ظهر كمنتج ولمع وعاش طويلاً والأمثلة هنا كثيرة مثل التليفونات المحمولة ثم الذكية… إلخ.
مقالنا اليوم يتحدث عن الأسباب التى تؤدى بالتكنولوجيا إلى النجاح أو الفشل، وهذا يحتاج أن نعرف ما هو مقياس النجاح أو الفشل فى التكنولوجيا. فى العصر الذى نعيش فيه يكون مقياس النجاح هو النجاح الاقتصادى لهذه التكنولوجيا، أى ما ستجلبه هذه التكنولوجيا من عائد حين تتحول إلى منتج أو خدمة تباع للجمهور. هذا عامل مهم لكنه ليس الأوحد وجعله العامل الأهم هو فقط نتاج العصر الرأسمالى القاسى الذى نعيشه. لكن العائد الاقتصادى وحده لا يكفى كمقياس للنجاح وإلا كانت تجارة الممنوعات من التكنولوجيات الناجحة.
أعتقد أنه يمكننا القول بنجاح تكنولوجيا معينة إذا حققت الشروط التالية، وهذا رأى شخصى يحتاج إلى مناقشة:
• التأثير فى عدد كبير من الناس.
• هذا التأثير فى أغلبه إيجابى.
• الموارد المستخدمة لإنتاج تلك التكنولوجيا سهلة الحصول عليها وليست مكلفة.
العاملان الأول والثالث يضمنان العامل الاقتصادى. العامل الثانى هو الأصعب ليس فقط لأنه ليس من السهل قياسه، ولكن كل تكنولوجيا ولها الوجه الإيجابى والآخر السلبى، ومعرفة أيهما يطغى على الآخر يحتاج إلى دراسات دقيقة من علماء النفس والاجتماع، بل والطب العضوى فى بعض الأحيان.
سنتجول فى باقى المقال فى رحاب بعض التكنولوجيات التى نراها الآن ملء السمع والبصر ونحاول تحليل ما إذا كانت ستستمر فى نجاحها أم ستأتى تكنولوجيا أخرى تطغى عليها.
...
لا يمكننا أن نتكلم عن التكنولوجيا فى أيامنا هذه دون أن نذكر الذكاء الاصطناعى فهو موضة هذا العصر، تحديدًا نتكلم عن الجيل الحالى مما يعرف بتعليم الآلة. تم الإعلان عن جائزة تيورنج لعام 2024 وتلك الجائزة تعتبر نوبل الكمبيوتر، وقد فاز بها كل من أندرو بارتو وريتشارد سوتون لأبحاثهما فى أحد أنواع تعليم الآلة يسمى (Reinforcement Learning)
وله استخدامات عديدة خاصة فى مجالات الروبوتات والسيارات ذاتية القيادة وحتى الدرونز. هذا مثال على أن هناك أنواعا مختلفة من تعليم الآلة، لذلك لا يمكن الكلام عن الذكاء الاصطناعى بعامة لكن يمكن أن نتكلم عن كل نوع على حدة. النوع المسمى بتعليم الآلة والمعتمد على طريقة مبسطة لعمل المخ هو الأكثر شهرة الآن، فهل هو نموذج لتكنولوجيا ناجحة؟ على المستوى الأكاديمى فهو ناجح لكن ماذا عن استخدامه كمنتج أو خدمة؟
هذه التكنولوجيا بدأت تغزو جميع مناحى الحياة وبالتالى تحقق العامل الأول من العوامل الثلاثة التى ذكرناها وهو التأثير فى عدد كبير من الناس.
نأتى إلى العامل الثانى وهذا لا نستطيع أن نجزم به ويحتاج إلى دراسات عديدة ومتعمقة فى إيجابيات تلك التكنولوجيا مثل القدرة على تحليل كم مهول من البيانات لا يقدر عليها الإنسان العادى، وظهور وظائف جديدة، لكن أيضا هناك السلبيات المتمثلة فى اختفاء وظائف، وانتشار الغش والتدليس عن طريق تلك التكنولوجيا، وصعوبة التنبؤ بأخطاء التكنولوجيا ناهيك عن تصحيحها… إلخ.
العامل الثالث وهو الموارد التى نحتاجها إلى استخدام تلك التكنولوجيا وهى هنا تتلخص فى ثلاثة أشياء: حاسبات فائقة السرعة وهذه مرتفعة الثمن جدا لا تقدر عليها إلا الدول الكبرى والشركات عابرة القارات، واستهلاك كم كبير من الطاقة، وهذا عامل مكلف جدا فى العالم كله، والشىء الثالث هو الحصول على كم كبير من البيانات لتعليم الآلة قبل استخدامها، وهذه البيانات يجب أن تكون كاملة وغير منحازة، لكن الحصول عليها يعرض الناس لاختراق خصوصياتهم. إذا العالم الثالث فى نجاح تكنولوجيا ما زال غير متحقق وبالتالى لا يمكننا اعتبار الذكاء الاصطناعى تكنولوجيا ناجحة حتى الآن.
...
كنا قد ذكرنا عدة مرات فى مقالات سابقة عن أن العلوم الإنسانية يجب أن تسير جنبا بجنب مع العلوم التطبيقية وما أحوجنا إلى ذلك الآن حتى نستطيع استخدام التكنولوجيات الجديدة الاستخدام الأمثل. نحتاج إلى تضافر جهود خبراء الهندسة والكمبيوتر والمعلومات كما نحتاج إلى مساعدة خبراء الاقتصاد والاجتماع وعلم النفس.
الحكم على تكنولوجيا معينة بالنجاح أو الفشل عملية معقدة وليست بالسهولة التى نتصورها.