تحديات المصداقية أمام أوباما
مصطفى كامل السيد
آخر تحديث:
الأحد 14 يونيو 2009 - 10:39 م
بتوقيت القاهرة
تشير ردود الفعل للخطاب المهم الذى ألقاه الرئيس الأمريكى باراك أوباما فى جامعة القاهرة يوم الخميس قبل الماضى إلى أن الخطاب لقى استحسانا واسعا فى العالمين العربى والإسلامى، وذلك باستثناء تحفظات من جانب حماس، ورفض مسبق لما سيقوله من جانب المرشد الأعلى فى إيران، واتهام له بأنه يسعى لتقسيم المسلمين أطلقه أسامة بن لادن قبل إلقاء الخطاب. ومن ثم يمكن القول بأن الخطاب قد نجح فى أن يؤكد صورة إيجابية للرئيس الأمريكى بين العرب والمسلمين بصفة عامة، ولكن هل ينجح هذا الخطاب فى أن يكون خطوة أولى على طريق تحسين صورة الولايات المتحدة بينهم؟ الأمر لا يتوقف بالتأكيد على خطاب واحد للرئيس الأمريكى، ولا عدة خطابات له، كما صرح الرئيس أوباما نفسه، ولكنه يتوقف على ترجمة المبادئ التى أعلنها فى خطابه إلى واقع عملى. إلا أن هذا المسعى تواجهه تحديات عديدة، وما لم ينجح الرئيس أوباما فى التعامل معها، فلن يقدر لهذا الخطاب إلا أن يتحول فى الذاكرة التاريخية إلى حلقة من حلقات الدعاية للولايات المتحدة بين العرب والمسلمين تنكسر بسهولة على صخرة واقع السياسة الأمريكية ذاتها.
وأول هذه التحديات هو بلا شك التغلب على ردود الفعل الغاضبة على هذا الخطاب داخل الولايات المتحدة من جانب المحافظين الجدد، وأصدقاء إسرائيل، الذين تساندهم شبكات إعلامية قوية ومؤثرة مثل شبكة فوكس نيوز، وبعض معلقى صحيفة واشنطن بوست، وبعض قيادات الحزب الديمقراطى الذى ينتمى إليه الرئيس الأمريكى. لقد نعى هؤلاء على الرئيس الأمريكى أنه لم يستخدم مصطلح الإرهاب ولا الإرهابيين فى وصف ما يعتبرونه خطرا إسلاميا على أمن الولايات المتحدة، وأنه وضع معاناة الفلسطينيين والإسرائيليين على قدم المساواة، واتهمه معلق بارز فى صحيفة واشنطن بوست بأنه فى الوقت الذى يسعى فيه إلى الحوار مع أعداء الولايات المتحدة مثل إيران، فإنه يملى سياسات على إسرائيل، وذلك بالقول بأن الولايات المتحدة لا تعترف بشرعية المستوطنات التى تقيمها إسرائيل فى الضفة الغربية.
ونجاح الرئيس الأمريكى فى التخفيف من أثر هذه المعارضة الداخلية لتوجهه الجديد يرتبط بكل تأكيد بتمكنه من إقناع الحكومة الإسرائيلية الحالية بوقف توسيع المستوطنات، وهو أمر تكرر رفضه من جانب قيادات بارزة فى هذه الحكومة، وفى مقدمتهم وزير الدفاع الإسرائيلى.. وربما يكون موقف الحكومة الإسرائيلية من أفكار الرئيس الأمريكى بخصوص حل الدولتين هو من أصعب التحديات التى سيواجهها، فهذه الحكومة لا تقبل إلا باستمرار الاستيطان، وتدعيم الاحتلال، بل تذهب إلى أبعد من ذلك عندما تصر على ضرورة اعتراف الفلسطينيين والعرب بيهودية دولة إسرائيل كمقدمة للدخول فى أى مفاوضات معهم، وهو ما يعنى إذا ما قبل الفلسطينيون هذه المقولة، إما أن يتحول فلسطينيو 1948 إلى مواطنين من الدرجة الثانية قانونيا فى إسرائيل، أو ترحيلهم تدريجيا إلى دول عربية مجاورة، كما أن حل الدولتين الذى يمكن أن تقبله هذه الحكومة ليس هو إقامة دولة فلسطينية فى الضفة الغربية وغزة، وإنما أن يكون إقليم هذه الدولة الفلسطينية هو الأردن، وذلك على النحو الذى اقترحه بعض أعضاء الكنيست، واحتجت عليه الحكومة الأردنية رسميا. ولاشك أن الرئيس الأمريكى يدرك جيدا هذه المصاعب، ولكن تشير الصحافة الأمريكية أنه بإعلان خلافه مع الحكومة الإسرائيلية، فإن ذلك قد يمهد لسقوطها فى انتخابات مقبلة، لأن الرأى العام الإسرائيلى لا يرضى عن حكومة لا تحتفظ بعلاقات طيبة مع الولايات المتحدة، ولكن حتى لو جاءت حكومة أخرى فى إسرائيل، فليس من المحتمل مع الانقسامات القائمة فى الجانب الفلسطينى، والتفاوت الهائل فى ميزان القوى الفعلى بين العرب وإسرائيل، أن يكون موقف حكومة إسرائيلية مقبلة من الاستيطان والقدس وحق اللاجئين الفلسطينيين فى العودة مختلفا من حيث المضمون عن موقف الحكومة الحالية، حتى ولو جاهرت هذه الحكومة الجديدة بقبولها بحل الدولتين.
التحدى الثانى الذى يواجهه الرئيس الأمريكى هو فى كيفية التعامل مع قضية البرنامج النووى الإيرانى. صحيح أنه لا يعترض على قيام إيران بتطوير استخدامات سلمية للطاقة النووية، وربما لا يعترض على قيام الإيرانيين بتخصيب اليورانيوم، ولكن تقدم الإيرانيين فى تخصيب اليورانيوم إلى الحد الذى يمكنهم من إنتاج سلاح نووى هو ما ترفضه الإدارة الأمريكية، وما تصر إسرائيل على الحيلولة دون وصولهم إليه. هل سيقتنع رئيس إيرانى قادم بالشروط الأمريكية، إذا أخفق محمود أحمدى نجاد فى الفوز فى الانتخابات الرئاسية الإيرانية، أو هل سيغير من موقفه، ويقبل بأن تكون إيران فى موقف يشبه موقف اليابان أو ألمانيا اللتين تملكان القدرة على إنتاج سلاح نووى، ولكنهما يتوقفان دون ذلك. ليس من السهل الإجابة عن هذا السؤال، ولكن ستزداد الضغوط على الرئيس الأمريكى من جانب إسرائيل ودوائر محافظة فى الولايات المتحدة لدفعه إلى التخلى عن سياسة الحوار مع الحكومة الإيرانية، وليس فقط تشديد العقوبات عليها، ولكن السماح بل والتعاون مع إسرائيل فى القيام بعمل عسكرى ضد منشآتها النووية، فى الوقت الذى تظل فيه إسرائيل القوة النووية الوحيدة فى الشرق الأوسط، على الرغم من تلميحات إدارة أوباما بضرورة انضمام كل دول المنطقة لاتفاقية حظر السلاح النووى، وهو أمر ليس من المحتمل أن تقبله إسرائيل.
أما التحدى الثالث فهو تنفيذ وعده بالإقلاع عن القوة العسكرية فى التعامل مع الجماعات المسلحة التى تقاوم حكومات صديقة للولايات المتحدة سواء فى العراق، أو أفغانستان أو باكستان. لقد تدهور الموقف الأمنى فى العراق خلال الشهور الأخيرة، فهل سيتحسن هذا الموقف فى الشهور المقبلة من وجهة نظر الحكومة العراقية على نحو يسهل انسحاب القوات الأمريكية قبل نهاية سنة 2011، أم أن استمرار تدهور هذا الموقف سيجبر الإدارة الأمريكية على الاحتفاظ بعدد كبير من القوات الأمريكية فى العراق، بل وانخراطها فى التصدى للجماعات المسلحة التى تقاوم حكومة صديقة لها. ومن المشكوك فيه أن تتمكن الحكومة الأفغانية.
أيا كان رئيسها الصديق للولايات المتحدة، من بسط سيطرتها على كامل أقاليم أفغانستان خارج العاصمة، وذلك بسبب تعقيدات التركيبة الطائفية للمجتمع الأفغانى، ونجاح حركة طالبان فى الحفاظ على قواعدها فى العديد من هذه الأقاليم إلى الحد الذى دعا بعض الصحف الأمريكية إلى اقتراح صفقة مع ما يسمى عناصر معتدلة من طالبان، بل وهذا ما كان الرئيس الأفغانى نفسه قد صرح به منذ أسابيع.. هل ستؤدى زيادة القوات فى أفغانستان، وتكثيف العمليات العسكرية فى باكستان، مع ضعف حكومتى البلدين، والتواجد الكثيف لحركة طالبان فى كل منهما إلى القضاء على المقاومة المسلحة للحكومتين، على نحو يؤدى بعد حين إلى انتهاء العمليات العسكرية التى تقوم بها القوات الأمريكية وقوات حلف الأطلنطى فى البلدين؟
ويبقى تحدى المصداقية الآخر هو فى التزام الرئيس الأمريكى باحترام نتيجة الانتخابات فى الدول العربية خصوصا حتى لو جاءت بالإسلاميين إلى السلطة. لقد كرر الرئيس الأمريكى فى حديثه عن حركة حماس نفس الشروط التى طرحتها الإدارة الأمريكية السابقة من ضرورة التخلى عن العنف المسلح، والاعتراف بإسرائيل، وقبول الاتفاقات الموقعة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل. هل ستبقى إدارة أوباما على تحفظها فى التعامل مع حماس المنتخبة ديمقراطيا طالما لم تستجب لهذه الشروط؟ وهل ستبقى على تحفظها هذا حتى إذا ما نجح مرشحو حماس فى الفوز بأغلبية الأصوات بين الفلسطينيين فى انتخابات قادمة، وهو أمر ليس بالمستبعد؟ وكيف ستتعامل حكومة أوباما مع حكومة لبنانية يهيمن عليها حزب الله وأنصاره؟ ألا يعتبر الموقف المعادى أو المتحفظ فى التعامل مع حكومات منتخبة يقودها الإسلاميون تخليا عن شرط احترام آلية الانتخابات بصرف النظر عن نتائجها.
هذه هى بعض التحديات التى تواجه الرئيس الأمريكى، وهى تحديات ليست بالهينة. ولاشك أن إخفاقه فى مواجهتها سوف يبقى الولايات المتحدة فى نفس الموقف الذى وضعتها إدارة الرئيس بوش فيه. فهى تواصل إمداد إسرائيل بالسلاح رغم رفض الحكومة الإسرائيلية لأى تسوية عادلة للقضية الفلسطينية واحتلالها لأراض عربية ضد قواعد الشرعية الدولية، علما بأن أسس هذه التسوية واضحة ومعروفة للجميع، كما أنها سوف تحتفظ بوجود عسكرى كبير فى العراق بعد مغامرة عسكرية دخلتها الإدارة السابقة اختيارا وبالكذب على الشعب الأمريكى والعالم، وهى تضطر لتشجيع عمل عسكرى ضد إيران التى لا تطور سلاحا نوويا وتتغاضى عن كون إسرائيل القوة النووية الوحيدة فى الشرق الأوسط، كما أنها تواصل انخراطها فى أعمال عسكرية فى أفغانستان وإيران فى مواجهة جماعات ترفع راية الإسلام، وتوقع ضحايا بين المدنيين الذين تقع مدنهم وقراهم فى مناطق هذه العمليات، وإدارته تتحفظ على الدخول فى علاقات مع حكومات منتخبة لأن بعض فصائلها أو قياداتها من الإسلاميين. كل الذى سيبقى من ذكرى خطاب جامعة القاهرة أن الذى ألقاه هو رئيس أمريكى حسن النية بكل تأكيد، ولكن نواياه الطيبة وحدها لا تكفى لإزالة أسباب التوتر فى العلاقات بين الولايات المتحدة والعالمين العربى والإسلامى.