ما لا تفهمه واشنطن بشأن عضوية الحزب الشيوعى الصين

دوريات أجنبية
دوريات أجنبية

آخر تحديث: السبت 14 يونيو 2025 - 8:05 م بتوقيت القاهرة

نشرت مجلة فورين بوليسى مقالا للكاتب جيمس بالمر عن خضم تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة والصين، تتخذ السياسة الأمريكية مسارات متباينة تعكس ارتباكًا مفاهيميًا واستراتيجيًا فى التعامل مع ثانى أكبر اقتصاد فى العالم. ففى الوقت الذى تُصعّد فيه واشنطن من خطابها ضد الحزب الشيوعى الصيني، تُظهر سياساتها تجاه أفراده تناقضًا حادًا، لا سيما فى ما يتعلق بملفات الهجرة والتأشيرات. وبينما يُستخدم الانتماء الحزبى فى الصين كأداة للترقى الاجتماعى، تصرّ القوانين الأمريكية على معاملة هذه العضوية كوصمة أمنية، فى تجاهل للسياقات الثقافية والسياسية المختلفة. وتتقاطع هذه الإشكاليات مع قضايا أخرى مثل التباطؤ التجارى، والصراع على التكنولوجيا، والفساد فى النظام القضائى الصينى، مما يكشف عن ضعف الرؤية الأمريكية طويلة المدى تجاه بكين. فى هذا السياق، يسعى الكاتب إلى تفكيك هذا الخلل المنهجى، مشير إلى أن واشنطن لا تزال تفتقر إلى فهم عميق لتعقيدات الصين المعاصرة.. نعرض من المقال ما يلى:


أولًا: الهجرة الطلابية وعضوية الحزب الشيوعى الصينى


يبدأ المقال بالإشارة إلى التقلبات الحادة فى مواقف إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب تجاه تأشيرات الطلاب الصينيين. ففى أواخر مايو، صرّح وزير الخارجية ماركو روبيو بأن الولايات المتحدة ستتخذ خطوات صارمة ضد الطلاب المرتبطين بالحزب الشيوعى الصينى. لكن بعد مكالمة هاتفية بين ترامب ونظيره الصينى شى جين بينج، غيّر ترامب لهجته بشكل مفاجئ، معتبرًا أن قدوم الطلاب الصينيين «شرف» للولايات المتحدة.
هذا التناقض يعكس المعضلة الأكبر فى السياسة الأمريكية: كيفية التمييز بين مواجهة الحزب الشيوعى الصينى كمؤسسة سياسية، وبين معاملة أفراده كأشخاص. فعضوية الحزب لا تعكس بالضرورة التزامًا أيديولوجيًا، بل قد تكون خطوة مهنية أو اجتماعية. ويُفضل النظام الأمريكى المهاجرين المتعلمين والأثرياء، وهؤلاء هم بالضبط من تزداد احتمالات عضويتهم فى الحزب، بحكم احتكار الحزب للترقى الاجتماعى فى الصين.
تُبرز المقالة مثالًا على ذلك فى قصة يانغ جيانلى، معارض صينى بارز ومقيم فى الولايات المتحدة. رغم تعرضه للسجن فى الصين بسبب معارضته، ورغم تقديمه أدلة على طرده من الحزب بعد مذبحة تيانانمن، تم رفض طلبه للجنسية الأمريكية عام 2020 بسبب عضويته السابقة فى الحزب. وأُجبر لاحقًا على مقاضاة وزارة الأمن الداخلى.
هذه المفارقة تؤكد أن قوانين الهجرة الأمريكية، التى تعود فى جذورها إلى الحقبة المكارثية، لا تزال تقصى الأفراد بناء على انتماء سابق، حتى إن كان ظرفيًا أو غير أيديولوجى. وتوجد استثناءات فى القانون – كمن انضموا قبل سن 16 أو من أجل البقاء – لكنها لا تُطبق بمرونة، حتى فى الحالات الواضحة.
ويرى الكاتب أن هذه السياسات صيغت فى زمن كان يُنظر فيه إلى الشيوعية كتهديد وجودى. لكن هذا التصور لم يعد يعكس الواقع اليوم، فالحزب الشيوعى الصينى تخلّى عن تصدير الثورة منذ الثمانينيات، وعضويته اليوم أقرب إلى كونها «بطاقة نخبوية» للترقى المهني، لا أداة للتنظيم الثوري. وتؤكد أنه حتى الطلاب الماركسيين الحقيقيين – كما حدث فى جامعة رنمين عام 2018 – يواجهون القمع إذا سعوا للدفاع عن العمال بشكل جاد.
لذا، فإن النظر إلى العضوية الحزبية بوصفها تهديدًا أمنيًا هو تبسيط مخل، لأن بكين تعتمد على أدوات دعاية ومراقبة واسعة النطاق تطال الجالية الصينية ككل، ولا تقتصر على الأعضاء. كما أن كثيرًا من أعضاء الحزب فى الخارج يسعون للاستقرار والنجاح، ما يجعلهم أقرب إلى أن يكونوا «أصولًا» للمجتمع الأمريكى لا «تهديدات».

ثانيًا: التجارة والصفقات الهشة


على صعيد آخر، تتطرق المقالة إلى جولة من المحادثات التجارية الجارية بين واشنطن وبكين فى لندن. وتأتى هذه اللقاءات بعد موجة اتهامات متبادلة بشأن خرق التفاهمات السابقة المتعلقة بالرسوم الجمركية.
تشير التقارير إلى أن الرئيس ترامب منح فريقه صلاحية رفع بعض القيود على صادرات التكنولوجيا، فى محاولة لإنقاذ مفاوضات متعثرة. ويربط الكاتب بين هذه الخطوة وبين القلق الأمريكى المتزايد من اعتماد صناعاتها الدفاعية على المعادن النادرة الصينية، خصوصًا بعد فرض بكين قيودًا على تصدير هذه المواد.
لكنها تحذّر من أن أى اتفاق سيكون هشًا ، نظرًا لأسلوب ترامب المتقلّب، ولفقدان الإدارة الأمريكية صبرها فى مفاوضات تتطلب وقتًا طويلًا . وتعكس المفاوضات التجارية افتقار البيت الأبيض إلى استراتيجية طويلة الأمد، فى ظل انشغاله الدائم بردود الأفعال اللحظية والنتائج الإعلامية السريعة.
ثالثًا: الفساد القضائى فى الصين
تتناول المقالة فرار قاضٍ صينى يُدعى باى بين، ومعه مبلغ يتراوح بين 18 و41 مليون دولار، يُعتقد أنه سرقه من غرامات المحكمة. وقد افتُضح الأمر بعد أن تباهت صديقته بجنسية يونانية حصل عليها، رغم أن اليونان وقّعت معاهدة تسليم مع الصين فى 2019.
يُعد الفساد أمرًا شائعًا فى النظام القضائى الصيني، لكنّه غالبًا ما يتخذ شكل رُشى لا اختلاسات مباشرة. ويُرجع الكاتب هذه الحادثة إلى إصلاحات إدارية سمحت بمنح سلطات واسعة لفرد واحد فى التصرف بالأموال، ما فتح الباب أمام هذا النوع من الفساد. ومن المتوقع أن تؤدى الحادثة إلى إجراءات رقابية مشددة على المحاكم.
رابعًا: تيك توك ومعركة السيطرة على التكنولوجيا
تحت عنوان «التكنولوجيا والأعمال»، تتناول المقالة قانونًا أمريكيًا صدر عام 2024 يلزم شركة «بايت دانس» الصينية ببيع تطبيق «تيك توك» أو مواجهة الحظر. لكن إدارة ترامب – رغم مواقفها العدائية ضد الصين – تؤخر تنفيذ القانون للمرة الثالثة، بينما تبحث عن مشترٍ أمريكى مقرب من الإدارة.
لكن بيع «تيك توك» يواجه عقبات حقيقية، لأن بكين تعارض بشدة نقل أصولها التكنولوجية المهمة إلى الخارج. كما أن العلاقات الصينية ــ الأمريكية تمر بمرحلة توتر شديدة، مما يجعل إنجاز الصفقة أمرًا صعبًا، إن لم يكن مستحيلًا فى الوقت القريب.
خامسًا: تباطؤ التجارة الصينية
أخيرًا، يشير الكاتب إلى تباطؤ كبير فى الصادرات الصينية خلال شهر مايو، رغم الهدنة التجارية. فقد تراجعت نسبة النمو إلى 4.8% فقط بالدولار، انخفاضًا من 8.1% فى أبريل، ويُعزى هذا التراجع فى الغالب إلى انخفاض حاد بنسبة 34.6% فى الصادرات إلى الولايات المتحدة مقارنة بعام مضى.
ورغم ذلك، نجحت بكين فى إعادة توجيه صادراتها إلى أسواق أخرى، مما حافظ نسبيًا على معدل النمو. لكن هذه الأرقام تؤكد هشاشة العلاقات التجارية بين القوتين، وأن الحرب التجارية لم تُحلّ جذورها بعد، بل تُعاد صياغتها ضمن سياق جديد من المنافسة الجيوسياسية.
• • •
خلاصة القول، تُظهر المقالة أن السياسة الأمريكية تجاه الصين تعانى من اختلال مفهومى واستراتيجى: فهى تخلط بين الأمن الأيديولوجى والفردى، وتتأرجح بين التصعيد والتراجع فى الملفات التكنولوجية والتجارية، كما تفشل فى قراءة التعقيدات الداخلية للنظام الصينى. وفى الوقت ذاته، تُوظف أدوات القانون والتأشيرات والصفقات كأدوات سياسية تخدم معارك انتخابية أكثر مما تخدم مصالح استراتيجية حقيقية.
ترجمة وتحرير: يارا حسن
النص الأصلى:

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved