أبقى اتفاق القاهرة بيد «حماس» الأنفاق، ومعامل إنتاج السلاح، والطائرات من دون طيار، وكتائب عز الدين القسام، والكوماندوس البحرى. وفى الواقع، بقيت الذراع العسكرية للحركة على ما كانت عليه، خاضعة لقيادة «حماس» المباشرة والحصرية. لهذا تتعاطى إسرائيل مع الاتفاق الذى وقع بالأمس كما لو أنه ليس لديه أى فرصة لأن يتحقق، وحرام حتى تبذير طاقة فى محاولات لتعطيله، ناهيك عن أن الإدارة الأمريكية ومصر طلبتا من إسرائيل عدم التدخل.
على الرغم من ذلك، يظهر الاتفاق تحولا معينا فى استعداد «حماس» للتخلى عن احتكارها المطلق للسلاح فى القطاع. فعلى سبيل المثال، ستنتقل المسئولية عن المعابر تدريجيا إلى السلطة الفلسطينية، ومن المتوقع وصول 3000 شرطى من الضفة الغربية إلى غزة للانضمام عمليا إلى 12 ألف شرطى غزاوى ستنتقل المسئولية عنهم إلى السلطة أيضا.
طريقة تنفيذ هذه الخطوات وغيرها فى الاتفاق ستحدد فى نقاشات تجريها لجان مشتركة بين «حماس» و«فتح». وعموما، أكثر بنود الاتفاق الذى وقع يوم الخميس الماضى مرتبط بعمل اللجان التى أغلبها ليس لديه موعد محدد لإنجاز العمل. هكذا، مثلا، سيدرس مستقبل الموظفين الحكوميين فى غزة فى إطار لجنة من المفترض أن تقدم توصياتها بعد 4 أشهر، وهذا يعنى أبد فى مصطلحات الشرق الأوسط.
هناك لجنة أخرى من المفترض أن تقدم خطة لوقف الملاحقات والاعتقالات ضد أعضاء «حماس» فى الضفة، الأمر الذى يتطلب من «حماس» إعلان وقف العمليات الإرهابية. لكن لم يأت أى ذكر لهذا فى أى وثيقة مشتركة بين «حماس» و«فتح». وفى هذه الأثناء لا تتحدث المعلومات التى فى حوزة الشاباك عن أى انخفاض فى عمليات الخلايا العسكرية التابعة لـ«حماس» فى الضفة، بل على العكس.
فى إسرائيل يقولون إن توجه أبو مازن نحو مصر، واستعداده للقبول باتفاق لا يعطيه السيطرة على السلاح فى غزة، يجعله بطة عرجاء إلى الأبد، لكن حاجته إلى أن يقدم للإدارة الأمريكية مظهرا أنه يملك تفويضا باسم الشعب الفلسطينى كله أهم بالنسبة إليه من تنازلات على المدى القصير. الولايات المتحدة على وشك تقديم خطة سياسية للتسوية فى الشرق الأوسط، وإظهار نفسه كشريك شرعى هو هدف له الأولوية بالنسبة إليه.
وعلى أى حال، ففى إسرائيل لا يصدقون أن «حماس» ستقبل بالتزامات السلطة حيال إسرائيل، والتقدير أن ما يجرى هو اتفاق سينتهى بالانهيار خلال 3 أو 4 أشهر. وعلى أى حال، فإن حكومة إسرائيل لن تكون قادرة على التعايش مع هذا الاتفاق حتى لو تضمن تعهدا من «حماس» للسلطة بخفض التوتر فى غزة. وسبب ذلك أن الاتفاق سيجبر إسرائيل على التخلى عن سياسة الفصل بين غزة والقطاع، هذا الفصل الذى سمح لها بالتهرب من عملية سياسية بحجة أن أبى مازن لا يمثل الشعب الفلسطينى كله، وليست مستعدة للتخلى بسرعة عن هذه السياسة.
علاوة على ذلك، لن تحصل إسرائيل مقابل هذا التخلى على أى إنجاز أكيد مثل اعتراف «حماس» بإسرائيل، أو تعهدها بوقف أعمال العنف. لذا، فإن الاتفاق كما يبدو اليوم لن يصمد طويلا.